المجتمع عبارة عن مجموعات انتظمت فيما بينها، وكل مجموعة لها هويتها التي يتشارك فيها أفرادها نفس المعتقدات والعادات والتقاليد والقيم، ويختلف الآباء في نمط تربيتهم لأبنائهم بحسب قيمهم ومعتقداتهم والإطار الثقافي لهم. وسوف نتحدث عن أنماط التربية الوالدية وأثر هذه الأنماط على الصحة النفسية للأبناء.
◄ أنماط المعاملة الوالدية
هناك عدة أنماط للمعاملة الوالدية، فوفقا للباحثة Diana Baumrindتم تقسيم أنماط التربية الوالدية إلى ثلاثة أنماط هي: النمط الاستبدادي المتشدد Authoritarian style:
وفيه تكون متطلبات الوالدان من الابن عالية جدا؛ حيث يجب الالتزام بالقواعد الصارمة، والحوار قليل جدا بين الوالد والابن، كما أن مستوى الدفء الوالدي قليل، وضعف التفاعل الإيجابي بين

الآباء والأبناء، ونمط العلاقة يعتمد على السلطوية والدكتاتورية، ويجب على الطفل الطاعة لوالديه؛ فهم يقرران بالنيابة عنه بداعي أنه لا يعرف مصلحته، وفي هذا تقييد لحريته واستقلاليته (Dewairy & Menshar, 2006). والمراهقون الذين يبدأون في رفض الدين قد يرفضون أنماط السلطة الوالدية أكثر من رفضهم للدين نفسه (Giesbrecht, 1995; Abar et al., 2009)؛ ولذلك قد يفقد الآباء المتدينون الذين يمارسون السلطة المستبدة السيطرة على أبنائهم في مرحلة المراهقة ويؤدي بأبنائهم إلى التمرد على القيم الدينية وإتباع أنماط سلوكية مغايرة عما كانوا يُرْغَمون عليه من قبل. النمط الحازم السلطوي Authoritative style:
وهو نمط يرتكز على الطفل؛ حيث إن الآباء لديهم توقعات عالية ناحية نضج أطفالهم، فهم يحاولون فهم مشاعرهم ويعلمونهم كيفية تنظيم هذه المشاعر، ويشجعونهم على أن يكونوا مستقلين بذواتهم ويعتمدون على أنفسهم (Abar, Carter & Winsler, 2009) وفي الوقت ذاته يتحكم الآباء في بعض سلوكياتهم ويوجهونها، ويناقشون مع أطفالهم لماذا يقومون بصنع القواعد وسوف يستمعون لمشاعر أطفالهم عنهم.
◄ (Anoliefo, 2016)
وهذا النمط يرتبط بالدفء الوالدي، والتفاعل الإيجابي بين الآباء والأبناء، وتشجيع التفكير الديمقراطي.
النمط المتساهل Permissive style: في هذا النمط من الوالدية هناك نوع من الحرية لدى الأطفال في اتخاذ قراراتهم؛ حيث يسمح الآباء لهم باتخاذ قراراتهم بأنفسهم (Gafor, 2014)، وتتميز العلاقة بين الوالدين والأبناء بالدفء الشديد، والتفاعل يكون بدرجة عالية جدا بين الآباء والأبناء بدرجة أكبر من النمط السلطوي، كما أنهم قليلون التوجيه لأبنائهم وفي حال الوقوع في الخطأ لا ينبهونهم لعواقب تلك الأخطاء ويتساهلون معهم على اعتبار أن لهم استقلاليتهم الخاصة (Abar، وهناك بعض القيود على الأبناء ولكن بدرجة أقل من النمط السلطوي Authoritative، كما يشجع الآباء الذين يتبنون الأسلوب المتسامح على استقلالية أطفالهم وتمكينهم من تنظيم أنشطتهم الخاصة، كذلك فإنهم يتفادون المواجهة مع أبنائهم ويميلون إلى أن يكونوا دافئين، وداعمين لهم، ولا يهتمون بأن ينظر إليهم أطفالهم على أنهم شخصيات ذوي سلطة، ولقد وُجِدَ أن العائلات ذات المستوى المرتفع من التدين هي عائلات أكثر صرامة وأكثر استبدادية وهناك احتمال ضعيف أن ينتهجوا الأسلوب السلطوي الأقل حدة من الاستبدادي، ويخشى الآباء المتدينون فقدان السيطرة على أبنائهم ظنا منهم أن ذلك قد يؤدي إلى أن يسلك الأبناء مسارات أخرى بعيدة عن التدين، ومع دخول الأبناء مرحلة المراهقة تصبح الاعتمادية على الذات والاستقلالية وتشكيل الهوية الفردية والحق في اتخاذ القرارات وتقرير المصير ذات أهمية كبيرة بالنسبة للمراهق، كذلك فإن بحث المراهق عن هويته من خلال الاستقلال عن الآخرين غالبا ما يؤدي إلى تمرده ورفضه للقيم التي يتبناها الوالدان وأول هذه القيم هي القيم الدينية، ولقد وجد أن احتمالية هذا الرفض والتمرد خلال فترة المراهقة ربما تعود إلى استغلال السلطة التربوية لإرغام المراهقين على التقيد بسلوكيات وممارسات دينية معينة قد لا يقبلها المراهق، ونود أن نشير إلى أن النمط الاستبدادي Authoritarian style يكثر استخدامه في المجتمعات المحافظة كالمجتمع الصيني والمجتمعات العربية .

JoomShaper