في بعض العائلات تعد عملية توكيل المهام المنزلية للأطفال مسألة مثيرة للجدل، ويعتقد بعض الآباء أن أطفالهم "لديهم انشغالات كثيرة تحول دون اهتمامهم بالأعمال المنزلية"، أو "أن الدراسة تعد مهمتهم الأساسية".
من جهة أخرى، تكلف العديد من الأسر أطفالها بهذا النوع من المهام نظرا لإيمانها بأهميتها، لكن في أغلب الأحيان لا يشارك الأطفال في إنجاز الأعمال المنزلية ولا يخضعون للمتابعة من قبل الآباء.
وفي الحقيقة، يحتاج الأطفال لإدراك أهمية إسهامهم في البيئة التي يتواجدون فيها، وهو ما يفسر ضرورة مشاركتهم في الأعمال المنزلية. ويعد الأطفال الذين هم على وعي بأهمية دورهم داخل العائلة أقل عرضة للشعور بتدني احترامهم لذواتهم في عالم يحتاج فيه الأشخاص إلى الشعور بأهميتهم.


دروس مهمة في الحياة
وقال دان ماجر -في تقرير نشرته مجلة "سايكولوجي توداي" الأميركية- إن إسهام الأطفال في الأعمال المنزلية مفيد؛ فمجرد شعورهم بأنهم جزء من هذه الأعمال، ينمي وعيهم باحتياجات الآخرين.
وبين أن دراسة استقصائية شملت 1001 من البالغين الأميركيين كشفت عن أن 75% منهم يعتقدون أن مشاركة الأطفال في الأعمال المنزلية بشكل دوري يُنمي إحساس المسؤولية لديهم أكثر، في حين يقول 63% منهم إن الأعمال المنزلية تعلم الأطفال دروسا مهمة في الحياة.
وفي الفترة الممتدة بين 2001 و2005 قام فريق من الباحثين من مركز الحياة اليومية للعائلات بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس بتسجيل مقاطع فيديو على مدار 1540 ساعة من حياة 32 عائلة في لوس أنجلوس. وكانت هذه العائلات تنتمي إلى الطبقة الوسطى، علما بأن كل عائلة كان لديها طفلان على الأقل، وكلا الأبوين يعملان.
واكتشف الباحثون أن الآباء كانوا يقومون بمعظم الأعمال المنزلية، وكانوا يحرصون على سرعة التدخل كلّما واجه أطفالهم مشكلة في إتمام المهام الموكلة إليهم بالمنزل. وكان الأطفال في 22 عائلة إما يتجاهلون أو يرفضون طلبات والديهم بالمساعدة في شؤون المنزل. في المقابل، لم تطلب ثماني أسر من أطفالها القيام بأي أعمال منزلية، ولم يكن هناك سوى عائلتين أسهم أطفالهما في الأعمال المنزلية بشكل مفيد.
سن الأعمال المنزلية
توصّلت إحدى الدراسات الطويلة، التي أجريت على مدى 25 عاما، إلى أن أفضل مقياس لنجاح الشباب في منتصف العشرينيات يكمن في مدى مشاركتهم في إنجاز المهام المنزلية في سن الثالثة أو الرابعة، حيث يساعدهم تحمل المسؤولية في سن مبكرة على تعزيز شعورهم بالمسؤولية خلال مراحل أخرى من حياتهم.
تكليف الأطفال بإنجاز بعض الشؤون المنزلية الروتينية يعد أمرا مفيدا وصحيا. وكلما حدث ذلك في سن مبكرة كان تأثيره أفضل، ما دام أنه نشاط روتيني يخدم عملية التطور لدى الطفل. وبفضل توجيهات الوالدين -مثلا- يتعلّم الأطفال كيفية ترتيب ألعابهم، وإزالة أطباقهم من فوق الطاولة بعد الانتهاء من تناول الوجبات.
تعليم الأطفال
أما بالنسبة للأطفال الأكبر سنا والمراهقين، فمن الأفضل السماح لهم بالحصول على الامتيازات التي يتمتع بها البالغون، مثل امتلاك هاتف ذكي أو سيارة أو المشاركة في إنفاق أموالهم الخاصة التي اكتسبوها من خلال الإسهام في الأنشطة اليومية للعائلة، وسرعان ما سيكتسبون وعيا بالعلاقة بين الحصول على المزيد من الامتيازات وتحمّل جملة من المسؤوليات.
ويواجه غالبًا الوالدان صعوبة في إقناع الأطفال بالمساعدة في الأعمال المنزلية، إلا أن ذلك في الحقيقة خطوة شديدة البساطة تحتاج للإصرار والاستمرارية.
ينبغي أن تشرح لأطفالك كيفية إنجاز المهام الجديدة الموكلة إليهم، وتشاركهم العمل في المرات القليلة الأولى، إلى أن يصبحوا قادرين على تنفيذها بأنفسهم دون الحاجة إلى المساعدة.
ورغم أنك قد تواجه أوقاتا يبدو فيها أن تعليمهم القيام بالأعمال المنزلية على أكمل وجه يستغرق وقتا أطول من إنجازها بنفسك، فإن هذا العذر ليس سببا كافيا للاستسلام وإعفائهم من تحمّل المسؤولية نظرا لأن وقتك وطاقتك يعدان بمثابة الاستثمار الرابح بالنسبة لكلاكما.
الأعمال المنزلية من أهم المهارات الحياتية
الأطفال الذين يشاركون في قضاء الشؤون المنزلية يتمتعون بحس أكبر بالمسؤولية، وينشئون علاقة أكثر ترابطا مع والديهم وأسرهم بصفة عامة.
وتسهم هذه العلاقة الوثيقة في تحسين قدرتهم على التعامل مع ضغوط الحياة ومواجهتها، وتعزيز جملة من السمات الشخصية لديهم، بما في ذلك المرونة والتسامح والتعاون والتنظيم الانفعالي الذاتي.
وبناء على ذلك، لا تعد الأعمال المنزلية مجرد نشاط، بل تندرج ضمن أهم المهارات الحياتية.

JoomShaper