فريق العمل
نشرت مجلة «وايرد» الأمريكية مقالًا للكاتب الصحافي كريستوفر نول، تناول فيه ضرورة مراقبة الأجهزة الذكية التي في أيدي المراهقين، مؤكدًا أنه يجب ألا يتوقع الأبناء الاستمتاع بالخصوصية مع الأجهزة التي قدَّمها لهم آباؤهم.
في بداية المقال، أوضح الكاتب أن: «هذه القصة جزء من سلسلة حول كيفية تربية الأطفال، بدءًا من مراقبة أطفالنا المراهقين إلى مساعدتهم عند تصفح الأخبار المزيفة والمعلومات الخاطئة».
ويقول الكاتب: «أنا والد لطفلين يبلغ عمرهما 13 و17 عامًا. ولا أريد أن يشعر أحد بالشفقة تجاهي، لكنني أريد من القارئ أن يفهمني. إن ما يُقال حول مخاطر تربية المراهقين صحيح. وتربية المراهقين في الواقع أكثر صعوبة من تربية طفل صغير، لأنها على الأقل أكثر إرهاقًا من الناحية العاطفية».


حُجج الأطفال.. هل هي مقنعة؟
يضيف الكاتب: على غرار جميع الأطفال المولودين في هذا القرن تقريبًا، فإن ابنيَّ مراهقان رقميَّان، ونجحا في تدبير شؤونهما لشراء هواتف ذكية بمجرد وصولهما إلى الصف السادس. وساعدتهما في ذلك، لأن حجتهما التي تبرر الحصول على أجهزة خاصة بهم كانت مقنعة.
ماذا لو تعطلت بهما الحافلة واحتاجا إلى مساعدتي للعودة بهما إلى المنزل؟ ألن يكون من الأفضل أن يكون لدى كل منهما هاتفه الخاص للاتصال بوالدتهما (التي تعيش خارج الولاية)، وبذلك لن يضطرا إلى استخدام هاتفي؟ ماذا لو حدثت حالة طوارئ؟
واجب أخلاقي تجاه الأبناء
يؤكد الكاتب أن كلها حجج صحيحة، لكنه كان يعرف الحقيقة: لقد أرادوا الهواتف حتى يتمكنوا من تصفح الإنترنت. ومثل أي والد صالح، قدَّم لهما أول هاتفين مع تحذيرات قوية، ونصائح ودروس الحياة المكتسبة بصعوبة حول مخاطر سوء الاستخدام.
ويضيف: «مع ذلك كانت هناك قواعد في الغالب؛ إذ لا يمكن استخدام الأجهزة في أوقات تناول الوجبات، حتى لا أصبح واحدًا من تلك العائلات الذي يجلس فاغرًا فاه من الدهشة بينما يحدق كل عضو من أعضاء العائلة في شاشة هاتفه الخاصة. وستُطبَّق قيود على المحتوى الخاص بالبالغين حسبما أرى أنه مناسبًا. وفي وقت لاحق، وبعدما اكتشفتُ أن ابنتي أدخلت جهاز «كروم بوك» سرًّا إلى غرفتها للحديث بالصوت والصورة مع الأصدقاء في وقت متأخر من الليل، منعتُ وجود جميع الأجهزة في غرفة النوم الرئيسية أثناء الليل».
وأضاف الكاتب قائلًا: «كانت هناك قاعدة مُقدَّمة على أي قاعدة أخرى: جميع الأجهزة مملوكة لي ولزوجتي، ويحق لنا أن نشاهد أي شيء وكل شيء عليها. وإلى أن طلبت مجلة «وايرد» مني أن أكتب هذه القصة، لم يكن هناك أي نقاش أخلاقي حول أي مما سبق ذكره. وكان موقفي دائمًا أنه لدى الآباء ما يبرر مراقبة ما يفعله أطفالهم على الإنترنت، بل إنه في الواقع واجب أخلاقي يجب عليهم فعله. ومَن يفشل في مراقبة البصمات الرقمية لأطفاله هو أب غير مسؤول، ويؤيد معظم الآباء هذا الرأي. ويقول مركز بيو للأبحاث إن 61% من الآباء تحققوا من محفوظات الويب الخاصة بأطفالهم».
وأردف المدوِّن أن هناك العديد من الأسباب التي تجعل مراقبة هاتف طفلك أمرًا منطقيًّا. وتتراوح هذه الأسباب بين أسباب مقبولة نسبيًّا (يمكن أن يكذبوا بشأن واجباتهم المنزلية)، وأسباب خطيرة (يمكن أن يرسلوا رسائل نصية إلى تاجر مخدرات).
مخاطر التنمر والتحرش!
يشكل التنمر الإلكتروني مصدر قلق خاص، وهو وباء حقيقي؛ إذ يقول 42% من الأطفال إنهم تعرضوا للتنمر عبر الإنترنت، وفقًا لمنظمة «آي-سيف i-Safe»، وتعرض 35% للتهديد على نحو نشط. ومن بين هؤلاء الأطفال، 58% لا يخبرون آباءهم أبدًا بما يتعرضون له.
وبالمثل، من المحتمل أن يكون المتحرشون جنسيًّا بالأطفال مشكلة أكبر على الإنترنت من إيقاف الاتصال به. ويقول كريس هادناجي، الذي قدم نصائح للبنتاجون حول قضايا الأمن السيبراني، «يمكن أن ينجح الاستدراج عبر الإنترنت في أقل من ساعة واحدة».
وأفاد الكاتب قائلًا: «ألم تقتنع بهذه الحجة؟ فكِّر في السيناريو الأسوأ المعاكس: في أكتوبر (تشرين الأول)، سلَّمت أم ابنها إلى الشرطة لأنها عثرت على مقاطع فيديو على هاتفه تشير إلى إطلاق نار في المدرسة، ومن المحتمل أنه كان يحاول ارتكاب جريمة بالتقليد. ومن المؤكد أن والد أي قاتل يجب أن تطارده فكرة أنه كان بإمكانه منع وقوع الكارثة بمجرد تقليب النظر في هاتف طفله بين الفينة والأخرى».
وعندما يقع أي أمر سيئ، يتحمل الآباء المسؤولية؛ إذ يمكن تحميلهم غرامة قانونية بسبب السلوك الإجرامي الذي يمارسه أطفالهم، مثل حادث إطلاق النار الذي وقع في عام 2018 في مدرسة إعدادية في ولاية إنديانا. ومع ذلك، هل أنا شخص سيئ كوني متشككًا للغاية في أسباب فخري وسعادتي (أبنائي)؟ هل أتحمل ذنب – تنتابني قشعريرة – انتهاك خصوصية أطفالي؟
في الواقع، يبدو أن قلة قليلة من الناس يعتقدون ذلك، لدرجة أن الأمر أصبح بالكاد محل نقاش. ويدور الجزء الأكبر من النقاش القانوني حول حق الأطفال في الخصوصية اليوم بشأن «التربية بالمشاركة Sharenting»، وهو مصطلح يعني الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قِبل الآباء لمشاركة المحتوى الخاص بأطفالهم، مثل صور الأطفال أو تفاصيل أنشطتهم. يتحقق ذلك أيضًا عند استغلال الطفل من أجل الربح، على سبيل المثال، عند نشر فيديو محرج على موقع «يوتيوب» عن طريق أحد الوالدين.
وعندما يتعلق الأمر بالمراقبة الرقمية، يكون القانون واضحًا وحاسمًا: لا يتوقع الأطفال مطلقًا الاستمتاع بالخصوصية أو حق الحصول عليها من قِبل والديهم. وهناك بعض الحقائق العلمية التي تثبت هذا. تقول ليندا شارماران، مديرة مختبر أبحاث الشباب والإعلام والرفاهية التابع لمراكز ويلزيلي للنساء، «هناك أدلة على أن مراقبة الوالد لمحتوى الإنترنت ومحتوى الهاتف الجوال ترتبط بسلوكيات الإنترنت الأقل إشكالية، مثل إدمان الإنترنت، واقتراف جريمة التنمر عبر الإنترنت».
الحجة المضادة: إتاحة الفرصة للأطفال
وتابع الكاتب بأن الأمر يتطلَّب مجهودات ضخمة للعثور على شخص يدعم الحجة المضادة، وكانت شوشانا زوبوف، مؤلفة كتاب «عصر رأسمالية المراقبة»، هي ذلك الشخص.
وترى شوشانا أن مراقبة أطفالك خطوة على بداية منحدر زلق يُودي بك إلى جنون العظمة والتسلط، وأننا بصفتنا آباء نُمكِّن الشركات من الاستفادة من ذلك من خلال شراء كاميرات جرس الباب الدائرية، وحقائب الظهر المزودة بأجهزة تتبع بنظام «GPS».
وتقول شوشانا: «كل الناس يحبون أطفالهم، أليس كذلك؟ ونريدهم أن يكونوا آمنين، والخوف هو دافعنا الكبير في ذلك. ويطالبك موقع «أمازون» بالحصول على جهاز مراقبة لأننا أصبحنا نعيش في عالم خطير. ولكن من أين جاء هذا العالم الخطير؟ في خطاب تنصيبه، قدَّم ترامب صورة لمجتمع أمريكي مروع، وبالنسبة لمعظم الناس ليس هذا وصفًا جيدًا لحياتهم. وقد سيطر ذلك على مركز تصوراتنا وأخذ يجري مجرى الدم من شعبنا».
وتؤكد شوشانا عبر مكالمة هاتفية طويلة أننا يجب علينا الوقوف في وجه مثل هذا الخطاب السياسي، وأن نتعلم كيفية بناء الثقة مع أطفالنا بدلًا من مراقبتهم. وتضيف: «وبخلاف ذلك، نحن بالأساس نعلمهم أن انتهاك الخصوصية أمر عادي، ونشجعهم على إخفاء شؤونهم الخاصة، يجب أن نتيح الفرصة أمام أطفالنا ليقطعوا الوعود ويلتزموا بالوفاء بها».
أطفال بلا خبرة في الحياة
ويرد الكاتب على أقوال شوشانا قائلًا إن هذا: «شعور رائع، لكن نقدي لذلك يتمثل في أن الأطفال ليست لديهم تجربة حياة، أو لا يتمتعون بالحكمة لمعرفة السلوكيات المقبولة، وأنه من السهل جدًّا عليهم اتخاذ قرارات سيئة عبر الإنترنت، أو أن يقطعوا وعودًا أو لا. وابنتي لا يمكنها ترتيب سريرها بشكل موثوق، فماذا تفعل إذا زلت قدمها في موقع «فورتشان 4chan»؟ إن المشكلة تكمن في أن مراقبة أطفالك بأي مستوى من التناسق أمر صعب؛ فالفتيات المراهقات يرسلن أكثر من 4 آلاف رسالة نصية في الشهر (اعتبارًا من عام 2015)، وهذا مع كثير من الرموز التعبيرية والتحدث بطريقة صبيانية تحتاج إلى غربلة. ومعظم هذه الرسائل هراء غير ضار، ومن السهل ألا يلتفت أصحابها إلى التناقض الوجداني الذي تنطوي عليه. وعندما أصبح طفلاي أكبر سنًّا، تراجعت مجهوداتي، وذلك ليس من باب الثقة، ولكن بسبب الكسل أيضًا. والآن بعد أن كبرت ابنتي وأصبحت تستطيع قيادة السيارة، تغيرت اهتماماتي بشأن سلامتها تغيرًا كبيرًا».
واستدرك الكاتب قائلًا: «ومع ذلك، يجب أن أذكِّر نفسي بأن ذلك ما يزال تدريبًا مهمًّا. وفي العام الماضي، تلقيت اتصالًا مفاجئًا من مدير مدرسة إعدادية. وتبين أن ابني أنشأ حسابًا مزيفًا على «إنستجرام» لطالب آخر (ليس له حساب على إنستجرام)، وكان يملؤه بصوره البلهاء. وكان المحتوى غير ضار إلى حد ما، لكنه رغم ذلك كان نوعًا مزعجًا من المزاح. وقد أبلغ طفل ثالث عنه، وتحملتُ مهمة ثقيلة تمثلت في إبلاغ والد الضحية المستاء مما حصل بأن طفلي هو الذي أقْدَم على هذه الفِعْلة».
واختتم الكاتب مقاله قائلًا: «وتطبيقًا لمبدأ الثواب والعقاب، أخذتُ أنا وزوجتي الهاتف من ابني لمدة أسبوعين. ماذا كان بوسعنا أن نفعل أكثر من ذلك؟».

JoomShaper