أ. د. ناصر أحمد سنه
منطون، لا يتكلمون إلا بقدر، منعزلون، لا يتفاعلون مع ذويهم إلا بحذر ، متجهمون، ليس لنا من إبتساماتهم إلا النذر، حساسون، لا يقبلون التوجيه إلا بضجر، يغضبون، وقد يثور بعضهم فلا يُـبقي ولا يذر.. فما هي خصائص تلك المرحلة من حياة أبنائنا وبناتنا؟، وهل هي  مرحلة إنطواء وعزلة أم مرحلة عواصف وأنواء؟، وهل ما يشعر به طفلي/ طفلتي ـ الذي صار مراهقاً/ مراهقة ـ من تغيرات يعود بالأساس للتغيرات البيولوجية التي يمران بها، أم لتداخلها مع المتغيرات الثقافية والاجتماعية؟، وكيف تساعد الأسرة إبنها / بنتها علي التوافق والتمييز بين سلوك الطفل، وسلوك الراشد؟، وما هو "فن الحياة" بلا إرهاق مع من كانا بالأمس طفلين، وصارا اليوم مُراهقين؟.

خصائص مرحلة المراهقة

"راهق" الغلام فهو مراهق: أي قارب الحُلُم، ورهقت الشيء رهقاً: قربت منه، والمعنى يشير إلى الاقتراب من النضج والرشد، أرهق فلانا : حمله ما لا يطيق(1). فالمراهقة ـ والتي تبدأ من الحُلُم، حيث يكتسب الفتي سمات رجولته، وتكتسب الفتاة خصائص أنوثتها ـ  تعني:"التدرج والاقتراب من النضج البدني والنفسي والروحي والمعرفي والسلوكي"، فهي مرحلة طبيعية تنتقل بالطفل من الاعتماد الكلي علي الآخرين الكبار، إلي شخص مستقلٍ مكتفٍ بذاته، معتمد علي نفسه، ولكنها ليست تمام النضج، إذ لا يصل المرء إلى تمامه إلا بعد سنواتٍ قد تصل إلى العَـشر. وهناك فرق بين البلوغ والمراهقة، فبلوغ الطفل يشير إلي قدرته على التناسل، لنمو الغدد الجنسية لديه، واكتمال الوظائف الجنسية عنده، والبلوغ ما هو إلا جانب من جوانب المراهقة، ومن أول دلائلها، ويسبقها زمنياً. والطفل لا يترك عالم الطفولة ليصبح مراهقاً بين عشية وضحاها، ولكنه ينتقل انتقالاً تدريجياً ومتصلاً، لذا فإذا ما ظهرت بعض/ أو كل الخصائص التالية فقد صار طفلك مراهقاً:
- رغبة قوية في إثبات الذات لدي الجنسين، مع شعور بالنضج العقلي والفكري.
- شحنة بدنية قوية وقفزة سريعة في النمو والنضج (الجسمي والجنسي والفسيولوجي) موضوعها الأساس: الاهتمام بالجنس الأخر.
- شحنة روحية (دينية وقيمية وخلقية) صافية، وقد تنزع للمثالية.
- شحنة نفسية ووجدانية وانفعالية واجتماعية متوازية ومتناسبة مع بقية الجوانب: وللتحولات الهرمونية والتغيرات الجسدية في مرحلة المراهقة تأثيراً قوياً على الصورة الذاتية والمزاج العاطفي والعلاقات الاجتماعية.
- القابلية الشديدة للاستهواء والتقليد واتساع الخيال وأحلام اليقظة: سواء لقدوات صالحة أو طالحة .. جماعات الأقران، والأبطال التاريخيين وأبطال القصص والروايات البوليسية والعاطفية، والنماذج الإعلامية والفنية والرياضية.
- بداية ما يسمي بـ"صراع الأجيال": الذي يتزامن مع تغيرات هذه المرحلة وتأثيرها علي أفكار ومواقف المراهق من كل ما يحيط به.
ومرحلة المراهقة قد تـُقسم لفترات: الأولى ما بين 12-14 عاماً وتتميز بالتغيرات البيولوجية السريعة، وثانية وسطي ما بين 14-18 عاماً، وتمثل فترة اكتمال هذه التغيرات، ومرحلة ثالثة متأخرة ما بين 18-21عاماً يصير فيها الشاب / الفتاة شخصاً أكثر رشدا.. مظهراً وسلوكاً.

خصائص المرحلة..تفرض نمط العيش

"علي المرء أن يعيش مراحل نموه المختلفة وفقا لخصائص كل مرحلة منها"(2)، وخصائص المراهقة تفرض حاجات خاصة مُلحة: الحاجة لإثبات الذات، الحاجة إلى الحب والأمان والاطمئنان، والحاجة إلى الاحترام، والحاجة للتوجيه الإيجابي، والحاجة للشعور بالمكانة الاجتماعية. كما أنها تتأثر بما مر به الطفل من خبرات سابقة، فمراهقة سوية سليمة خالية من الصعوبات تترادف مع طفولة سوية.
ومرحلة المراهقة تختلف بين الأفراد والمجتمعات والثقافات والحضارات والبيئات، وتشير الدراسات إلى أن النظم الاجتماعية الحديثة التي تحيط بالمراهق من أهم المؤثرات التي قد تؤدي لظهور مشاكل المراهقة، ومشاكلها في المجتمعات الغربية أكثر من نظيرتها في المجتمعات العربية والإسلامية. ويبقي أن عدم التناغم والتناسق والتوجيه السليم لحسن التعامل مع التغييرات التي تمر بالمراهق فضلا عن  التأثير السلبي للعوامل البيئية المحيطة به قد تُسفر عن شعوره ببعض الارتباكات(3) والتي منها:
- ارتباك داخلي: بين رواسب الطفولة ومتطلبات الرجولة / الأنوثة، بين استقلاله وكونه مازال معتمداً علي أسرته، بين تذبذب هويته وانتماءاته وقيمه وبين ترسيخها، بين ضبابية الهدف الذي يسعي إليه، وطموحاته زائدة والتزاماته قاصرة، بين إلحاح غرائزه الداخلية وتقاليد مجتمعه المتعلقة بالتعلم والعمل ثم إنشاء الأسرة، وصراع بين تفكيره الناقد المتنامي المتناول وبين ذاته  وأطر مجتمعه، ارتباك بين ثقافة جيله وثقافة الجيل السابق.
- الانعزال والتمرد: يشكو من أن والديه لا يفهمانه، فيحاول الانسلاخ عن مواقفهما وسلطتهما فقط كوسيلة لإثبات تفرده، وهو يري أن أي سلطة فوقية تعد "استخفافاً بقدراته العقلية النامية"، لذا فقد يشعر بالعزلة عن الأسرة والمجتمع، مفضلاً الانفراد بذاته يتأمل أحواله، فضلاً عن شعوره بتنامي الفراغ الذي يعانيه.
- الخجل والانطواء: ويظهر من خلال احمرار وجهه، وتلعثمه في الكلام، والتضارب بين التدليل والخوف الزائد عليه يؤديان إلى شعوره بالاعتمادية علي الآخرين، في حين أن طبيعة مرحلته تتسم بالاستقلالية والاعتماد على النفس، فيلجأ إلى الانطواء والخجل.
- العصبية وحدة الطباع: يرغب في تحقيق مطالبه الخاصة دون اعتبار للمصلحة العامة، فيتوتر بشكل قد يسبب إزعاجاً للمحيطين به. وقد يتسم سلوكه بمظاهر حادة ـ لفظا وفعلا ـ (الصراخ، القسوة، الجدل العقيم، التورط في المشاكل، والضجر السريع، والتأفف من الاحتكاك بالناس، وتبرير التصرفات بأسباب واهية، والنفور من النصح، والتمادي في العناد). فالمستويات الهرمونية المرتفعة خلال هذه المرحلة، والأفكار الخاطئة "المراهق يجب أن يكون شخصا قويا شجاعا"، مع تأثير الوراثة والبيئة تؤدي في مجملها إلى تفاعلات مزاجية على شكل غضب وإثارة وحدة طبع عند الذكور، وغضب واكتئاب وانعزال عند الإناث.
- ارتباك الغريزة و"مشكلة الجنس": ليس في مجتمعاتنا العربية الإسلامية مشكلة "الجنس"، لكن " إشكالية" قد تنشا من فخ"محاربة الكبت الجنسي"، وزيادة المثيرات الخارجية الخليعة، وشيوع الثقافات المادية المتحللة من ضوابط الأخلاق، والفراغ، وضعف التوجيه، والعقبات الاقتصادية التي تؤخر الزواج، وعدم تيسير نفقاته، مما يُحدث إرباكا لديه(4).
إن أهم متاعب هذه المرحلة تتأتى من :الخوف الزائد على الأبناء من الفراغ وأصدقاء السوء، وعدم قدرتهم على التميز بين الخطأ والصواب باعتبارهم قليلو الخبرة في الحياة، ويرفضون النصح، ويطالبون بمزيد من الحرية والاستقلال، ليعيشوا في عالمهم الخاص، محاولين الانفصال عن الأسرة والمجتمع بشتى الطرق.

هل ما يشعر به المراهق من تغيرات يعود لعوامل بيولوجية، أم لمتغيرات ثقافية؟

تشير الدراسات النفسية والتربوية الحديثة إلي أنه ليس التحول البيولوجي الذي يدخل فيه الطفل/الطفلة  ليصبح مراهقا/ مراهقةً هو السبب الوحيد الرئيس في ظهور بعض مشكلات المراهقة، وإنما لتداخلها مع الظروف الثقافية والاجتماعية المحيطة بالمراهق، و"فن الحياة" والتفاهم معه. فصورة المراهق في المناطق الحضرية تختلف عنها في المناطق الريفية والبدوية، ففي الأولي يستمر الاعتماد علي الأبوين مدة أطول ريثما يُتمم تعليمه وحصوله علي عمل يؤهله لبناء أسرة مستقلة، بينما  في الثانية ينضم المراهق سريعا لزمرة الكبار المتحملين للمسؤولية ويجد عملاً ويُسمح له بالزواج وتأسيس أسرة بمجرد أن يشتد عوده(5).
وتشير الأبحاث إلي إن معظم مشكلات المراهقة في عالمنا العربي/ الإسلامي تنشأ بسبب إحجام الأبناء والبنات عن الحوار والتفاعل مع أولياء أمورهم لظنهم أنهم يرغبون في تسييرهم وفق آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم. ومع ذلك فالمراهقين في الأسرة المتماسكة ذات الروابط القوية التي يحظى أفرادها بالترابط واتخاذ القرارات المصيرية في مجالس عائلية محببة يشارك فيها الجميع، ويهتم جميع أفرادها بشؤون بعضهم البعض،هم الأقل شعورها بضغوط هذه المرحلة، والأكثر إيجابية في النظرة للحياة وشؤونها.

التمييز بين سلوك الأطفال وسلوك الراشدين؟

المراهق/ المراهقة إذا تصرف كطفل سخر منه الكبار، وإذا تصرف كرجل انتقده الرجال، مما يؤدي إلى خلخلة "توازنه النفسي"، لذا فمساعدته وتهيئته لهذه المرحلة أمر حيوي وذلك عبر:
- إعداده لمرحلة البلوغ"كونها من أجمل أوقات حياته".. فقد أصبح ناضجاً مسؤولاً عن تصرفاته واختياراته، وهي مرحلة التكليف.. يصبح فيها محاسباً من قبل الله تعالى، فتحثه علي الاهتداء بالقيم الدينية والأخلاقية والسلوكية التي ترشده في أفعاله، وكلما زادت مسؤولياته فقد زادت حقوقه، وأصبح عضواً كاملاً مشاركاً  في الأسرة، وتوكل إليه مهام يؤديها بثقة في قدراته واستقلاله عن الوالدين.
- إعلامه بان تغيرات بدنه/ بدنها، تعده/ تعدها للتغير في مهمتهما الحياتية، فهو لم يعد طفلاً، بل أصبح مسؤولا مستقلا ناضجا له دور في الحياة، فيقبل جسمه كما خلقه الله تعالي، ويستخدمه استخداماً صالحاً سليما، كما أن إحساسه العاطفي الذي وضعه الله تعالي نحو الجنس الآخر أمر طبيعي، وليس شيئاً وضيعاً أو مستقذراً؛ فذلك من قبيل الإعداد للتكامل مع شريك عمره المنتظر. وتعليمه القيم والأحكام والسلوكيات وسمات الرجولة/ الأنوثة المقبولة دينياً واجتماعياً.
- التفهم الكامل لقلقه وعصبيته، ومحاولة امتصاص ذلك، وبث الأمان والاطمئنان والمحبة:"نعرف أن إخوتك يسببون لك بعض المضايقات، ونشعر معك بالإزعاج، لكن هل هناك أمراً آخر يكدرك ويغضبك؟، فهل ترغب بالحديث عنه؟"، فذلك يشجعه على الحديث عما يدور في نفسه/ نفسها.
- إشاعة الحرية المنضبطة وروح الشورى في الأسرة ، فيؤخذ رأيه ليدرك أنه مُعتبر الرأي والقيمة، كما يُدربه علي كيفية عرض رأيه بصورة عقلانية منطقية واعية، ويجعله يدرك أن هناك أموراً لا يمكن المساس بها.. أسرياً واجتماعياً ووطنياً.
- تنمية مهاراته وقدراته الضرورية للكفاءة في الحياة الاجتماعية والعملية، وتوجيهه لإقامة علاقات سليمة وناضجة مع الأقران والزملاء، وحسن الأعداد لاختيار المهنة المناسبة والملائمة له/ ولها.
لكي لا تـُرهقنا مراهقتهم.. ما هو "فن الحياة" معهم؟
- في توجيهات الإسلام هداية وانضباط لمرحلة المراهقة،عبر ترسيخ حسن عبادة الله تعالي وخشيته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعة الوالدين. وفي وصية لقمان الحكيم لابنه ـ وهو يعظه ـ أنموذجاً إيمانياً، ودليلاً قيمياً، وشاهداً تربوياً.
- مما يملأ حاجة المراهق/ المراهقة  للقدوة الحسنة، ويسد قابليتهما الشديدة  للاستهواء.. الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة وأمهات المؤمنين والصالحين والصالحات، يقول الله تعالي:"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً"[الأحزاب:21]. كما لا ننسي القدوة الأعلام الذين صنعهم الإسلام..كـ"علي بن أبي طالب" و "مصعب بن عمير"، و"أسامة بن زيد"، و"محمد بن القاسم"، و"عبد الرحمن الداخل "، و"صلاح الدين الأيوبي"، و"أبو بكر الرازي"، و"أبو القاسم الزهراوي"، و"الحسن بن الهيثم" وغيرهم وغيرهم.
- جعل البيئة التي ينشأ فيها الفتى/ الفتاة تؤثر تأثيرا إيجابيا في تربيته..عقيدة وعبادة وسلوكا، فـ"كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجّسانه"(6). فالأب والأم يشاركان مشاركة فعالة في تقوية إيمانه من خلال أداء الفرائض الدينية، والتزام الصحبة الصالحة، ومد جسور التواصل مع أهل الخبرة والصلاح في المحيط الأسري وخارجه، وتكثيف الجرعات الثقافية.. وتبقي أسس وفن الحياة معه/ معها قوامها: إشعاره بالأمان، والحب، والعدل، والاستقلالية، والحزم.. أمان في منزله، أمان علي مستقبله، أمان من مخاوف تفكك أسرته، وكلما زاد التعبير عن مشاعر الحب والمودة والاحترام له زادت فرص التفاهم معه، والعدل بينه وبين أخوته، يحميهم جميعاً.
- صاحبه واصطحبه إلى المسجد، نمِّ لديه الوازع الديني، وأشعره بأهمية حسن الخلق، وخصص له وقتاً منتظماً للجلوس معه، وأَجِب عن أسئلته بصراحة ووضوح. واحرص على لم شمل الأسرة باصطحابها إلى الحدائق أو الملاهي أو الأماكن الممتعة، وتناول وجبات الطعام معهم، وأظهر فخرك به أمام العائلة والأصدقاء، وأشركه في النشاطات الاجتماعية العائلية كزيارة المرضى وصلة الأرحام، واصطحبه في تجمعات الرجال، ليعيش أجواء الرجولة ومسؤولياتها؛ فتسمو نفسه، وتطمح إلى مواجهة التحديات وتحمل المسؤوليات التي تجعله جديرًا بالانتماء. وكن له قدوة حسنة ومثلاً أعلى، واحرص على أن تكون النموذج الناجح للتعامل مع أمه(7).
- افهمه، وامنحه الدعم العاطفي، واغمره بالحنان، وقدراً من الحرية المنضبطة، واصبر عليه، واحترم استقلاليته، وتعبيره عن أفكاره ومواقفه كشخص كبير، وأظهر الاهتمام عبر الإنصات الجيد لما يقول، واحترام آراءه ، وتجنب نقده أمام الآخرين، وتجاهل تصرفاته التي لا تعجبك، وبث الأمل فيه،.. تحاور معه كأب/ أم حنون وأحادثه كصديق مقرب.. وليس:"أنا أعرف ما ينفعك، لا داعي لأن تكمل حديثك.. أستطيع توقع ما قد يحدث منك، فلتنصت إليّ الآن دون أن تقاطعني، اسمع كلامي ولا تناقشني.. أنت فاشل، عنيد، متمرد، سليط اللسان،أنت دائماً تجادل وتنتقد، أنت لا تفهم أبداً، يا للغباء.. أخطأت مرات عديدة!، يا كسول، يا أناني، إنك طفل صغير لا تعرف مصلحتك.. إلخ"  فهذه الكلمات والعبارات وغيرها تستفزه/ تستفزها، وتجلب المزيد من المشاكل والمتاعب، ولا تحقق المراد.
- اختيار الوقت المناسب للحوار معه، ومحاولة الوصول إلى قلبه وعقله عبر التشجيع الكبير الذي يؤدي لتحسين مستوي التحصيل العلمي والتعليمي والتربوي، وقم بزيارته في المدرسة، وقابل معلميه وأبرِز ما يقوله المعلمون عن إيجابياته، وتابع التشجيع:"بارك الله فيك، رائع، يا لك من فتي/ فتاة، أحسنت، لقد تحسنت كثيراً، ما فعلته هو الصواب، هذه هي الطريقة المثلى، أفكارك رائعة، إنجاز رائع، يعجبني اختيارك لملابسك، استمر، أنا فخور بك، عمل ممتاز، لقد أحسست برغبتك الصادقة في تحمل المسؤولية، أنت محل ثقتي، أنت ماهر في هذا العمل". كذلك لا يمكن إغفال أساليب التشجيع الجسدية: كالابتسامة، الاحتضان، ومسك الأيدي، الربت على الكتف، المسح على الرأس. ولقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم المثل يقبل الحسن والحسين دليلا علي الرحمة والحب وسط استغراب واندهاش"الأقرع بن حابس" من ذلك.
- شجِّعه على ممارسة رياضة يحبها.. استنفادا للطاقات وشغلا للفراغ، يقول الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه:"علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل"، وليتحقق ممارسة مفهوم التسامح والتعايش وتقليص مساحات الاختلاف، وتوسيع حقول التوافق، وبناء جسور التفاهم في محيط الأندية الرياضية والثقافية، كذلك استثمار أوقات فراغه بما يعود عليه بالنفع.. اقترح عليه عدَّة هوايات، وشجِّعه على القراءة والإطلاع لتساعده في تحسين سلوكه ومهاراته، وتنمية تفكيره الإبداعي، وتشجيع النشاط الترويحي، والاشتراك في مناشط الساحات الشعبية والأندية، وتوجيهه نحو القيام بالرحلات ومعسكرات الكشافة، والمشاركة في مشروعات الخدمة العامة والعمل الصيفي إلخ.، واستثمار هذه المرحلة بتوظيفها  لصالحه، ولصالح أهله ومجتمعه وبلده(8).
- اترك له حرية اختيار واستضافة أصدقاءه وأقرانه وتعرف عليهم عن قرب.. أبدٍ احتراماًً لهم..امدح ذوي الصفات الحسنة منهم، مع عدم ذم الآخرين فيحرص علي ملازمة الجيدين منهم، ولا تفرض عليه أحدًا لا يريده. ومن المهم أن تتفق معه على احترام الوقت وتحديده والالتزام بالضوابط، وعدم التقليد الأعمى  للآخرين.. مظهرا وسلوكا. كافئه إن أحسن وعاقبه إن أساء، وحاول تفهم مشاكله والبحث معه عن حل، واحترم أسراره وخصوصياته.
- ويبقي الحزم مع المراهق، فيجب ألا يترك ليفعل ما يريد كيفما يريد ووقتما، ومع من يريد، وإنما يجب أن يعي أن كما له من حقوق، فإن عليه واجبات يجب أن يؤديها، وأن مثل ما له من حرية فللآخرين حريات يجب أن يحترمها، وتفكيك ما يروجه الأعلام من ارتبطا التدخين والانحراف وخلافه بنضج وتحدي وفتوة الشباب(9).
- وعليكِ أيتها الأم إجادة فن معاملة ابنتكِ المراهقة، فأعلميها أنها تنتقل إلى مرحلة التكليف، وأنها مسؤولة عن تصرفاتها، ويؤخذ رأيها فيما يخصها.. ثقة في قدراتها، وعلميها أمورها الخاصة بها. وأقيمي علاقات وطيدة وحميمة معها، وتحاوري معها لتفهمي كيف تفكر؟، وماذا تحب أو تكره من الأمور؟، واهتمي بمظهرها وجوهرها في آن معاًً. دعمي كل تصرف إيجابي وسلوك حسن، وأسرّي لها بملاحظات وتوجيه شخصي. ولا تعامليها كأنها ندٌ لك وتقارنيها بك، وأنصتي لملاحظاتها وردي عليها بمنطق وبرهان، وانتقدي تصرفاتها وليس شخصها، ودربيها جيدا لتحمل مسئولياتها فإنها عما قريب ستصير مثلك أماً (10).
الأم مدرسة إذا أعددتها                أعددت شعبا طيب الأعراق.
- ومن الأفضل للأسر القادرة أن تعين شبابها الراشد علي الزواج المبكر، وتـُيسر لهم سبله ونفقاته، دون ربطه بعوامل أخري كالتعليم والعمل، حماية لهم وصيانة وتصريفا مشروعاً لطاقتهم الجنسية:"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"(11)، فإن لم تستطع فلتحاول إبعادهم وحمايتهم من التعرض للمثيرات وفتن هذا السيل الطاغي من الإباحية والإثارة، ولتساعدهم علي حسن الانتقاء للمواد الإعلامية التي تفيدهم. وإحاطتهم علماً بالأمور الجنسية عن طريق التدريس العلمي الموضوعي(12)، وكيفية الضبط والتسامي حتى يستطيع الباءة:" وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله"(النور:33)، وحتى لا يقع فريسة للجهل أو الإغواء، فثمة ضوابط واضحة المعالم تنظم حياة المراهق فتسير سلسلة هادئة سليمة.
خلاصة القول: أبناؤنا وبناتنا فلذات أكبادنا.. عُدة الأمة ودعامتها، حاضرها ومستقبلها.. نحن بحاجة لفهمهم في مراحل أعمارهم المختلفة، طفولة ومراهقة ونضوجاً .. ليحسُن  تربيتهم وتنشئتهم ورعايتهم بما يقوي ويحمي مجتمعاتنا، ويحقق غاياتنا وآمالنا.

 

الهوامش
1- أنظر المعجم الوجيز، مادة "رهق"، طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم المصرية، 1414هـ، 1993م.
2- من أقوال مؤسس رياض الأطفال "بستالوزي".
3- راجع د. محمد عماد الدين إسماعيل:"دليل الوالدين إلى تنشئة الطفل" الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة 2001م.
4- محمد قطب: منهج التربية الإسلامية، دار الشروق، ج 2، ط 8، 1988م، ص214، وانظر أيضا: د. محمد يوسف خليل: الطفولة والمراهقة ، جهاد للنشر والتوزيع، ط 1ن 1996م، ص 46.
5- د. محمد عماد الدين إسماعيل:"دليل الوالدين إلى تنشئة الطفل" مرجع سابق، ص 318.
6- في الصحيحين.
7- بنجامين سبوك: فن الحياة مع المراهق، ترجمة منير عامر، سلسلة مكتبة الأسرة، 2001م.ص 184.
8- محمد قطب: منهج التربية الإسلامية، مرجع سابق، ص 224.
9- بنجامين سبوك ،مرجع سابق: ص 167& 181.
10- عمر رضا كحالة:"النسل والعناية به"، ج 2، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1980م، ص239- 251.
11- رواه الجماعة.
12- عمر رضا كحالة:"النسل والعناية به"مرجع سابق، ص251-265.

بقلم: أ. د./ ناصر أحمد سنه.. كاتب وأكاديمي من مصر.
. E.mail:عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

JoomShaper