يدق على الأبواب وبعد أيام قليلة رمضان هذا الشهر المبارك الذي ننتظره من العام للعام لكي نركز في العبادة والأعمال الصالحة بعيداً عن الإيقاع السريع للحياة، فهو شهر يحمل بين طياته الخير الكثير، خيرا لا يوجد إلا في أيام قليلة، تكون بها كل أبواب السماء مفتوحة أمام الجميع للرحمة والمغفرة والعتق من النار، فهو شهر لتزكية النفس، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما يحبه الإنسان من تغيير للعادة أو الروتين اليومي لعدة أيام

حتى يعود للعمل بصدر رحب بعد تقوية الإرادة، والتغلب على الشهوات، والانتصار على النفس، بالوصول للتقوى.
قال الله تعالى: {ياأيُّها الَّذين آمَنُوا كُتِبَ عليكمُ الصِّيام كما كُتِبَ على الَّذين من قَبلكُم لعلَّكُم تَتَّقُون( سورة البقرة(183).
فطالما أن هذا الشهر يحمل هذا الخير الكثير، ألا نحب أن نشرك أبناءنا معنا به منذ الصغر فهو شهر للفرحة والعبادة والروحانيات وصلة الأرحام ، وهو لتقارب المسلمين جميعاً غنيهم  وفقيرهم كبيرهم وصغيرهم.
وتقول الصحابية الربيع بنت معوذ عن صيام عاشوراء " فكنا نصومه بعد ونُصومه صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن (أى من القطن) فإذا بكى أحدهم على الطعم أعطيناه ذلك (أى اللعبة( حتى يكون عند الإفطار " (رواه البخاري). أى حتى يُتم صومه ذلك اليوم تُشغله بهذه اللعبة وفى ذلك تمرين لهم وقد أقر النبى صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الفعل، لأنه فُعله بحضرته فهو أيضاً من السنن التقريرية عنه صلى الله عليه وآله وسلم .
الأطفال والبدء بتعليم الصيام:
إن الطفل في سن سبع سنوات هو سن بداية الإدراك الحقيقي للابن ، فالابن بهذا العمر يبدأ يشعر بأنه كبير مثل الأب ويرغب في تقليده بكل شيء، فلماذا لا نبدأ معه بتعليمه الصيام، وأنه فرض على المسلمين ،وأنه فرض على كل شخص بالغ كبير ينعم بصحة جيدة، ونشجعه ببعض الكلمات الطيبة أو الجوائز والهدايا، ونلهيه باللعب، حتى يتدرب الصغار على الصيام، وعلى فعل الخيرات.
فلقد نصحت الدكتورة "سحر خيري" استشاري طب الأطفال بالمعهد القومي للتغذية في مصر، بتعويد الأطفال على الصيام منذ الصغر وأن يكون هذا الصيام بالتدريج، فتقول في هذا:
ففي سن السابعة يمنع الطفل من الطعام والشراب لمدة 3 ساعات من العصر وحتى غروب الشمس ويتم ذلك مرتين في الأسبوع.
وعند وصول الطفل سن التاسعة: يمكن أن يصوم من الصباح وحتى آذان العصر ويكون ذلك يوماً بعد يوم.
وفى سن العاشرة: يدرب الطفل على صيام 3 أيام كل أسبوع صيام كامل حتى المغرب, وفى العام التالي يكون الطفل قادر على صيام الشهر الكريم.
كما ذكرت الدكتورة " سحر خيرى":
يجب تعجيل الإفطار للطفل مع تأخير السحور والإكثار من تناول السوائل.
فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تزال أمتي بخير ما عجّلوا الإفطار وأخّروا السحور) رواه أحمد                                                     ويجب عدم تقديم أطباق كثيرة للطفل على مائدة الإفطار، حتى لا يصاب بالتخمة وينتابه شعور بالكسل، مع الاعتدال في استهلاك السكريات المركزة, ويجب أن تحتوي وجبة الإفطار للطفل على نسبة عالية من الكربوهيدرات لتزويد جسم الطفل بالطاقة لكي تساعده على التحصيل الدراسي الجيد، وأيضا البروتينات لأنها مهمة لبناء عضلات الطفل وتحميه من إصابة بوهن العضلات بعد طول فترة الصيام، ويسحب استخدام الدهون غير المشبعة في طعام الطفل ولا تنسى السلطة الخضراء على الإفطار.
أما الحلويات فيمكن تقديمها للطفل بعد 4 ساعات من تناول وجبة الإفطار، ويحبذ وضع المكسرات عليها خصوصاً إذا كان الطفل نحيفا؛ لأنها تحتوي على نسبة عالية من البروتينات والأملاح والفيتامينات.
أما وجبة السحور: فهي مهمة ويمكن أن تحتوى على البيض مثلا أو الفول مع السلطة الخضراء بالإضافة إلى ملعقتي عسل.

بعض الإرشادات للأمهات لتعليم الابن الصيام:
1.عندما نعلم الابن الصيام عدة ساعات بالنهار وذلك حسب مقدرته؛ سيكون سعيد جداً بها ويذكر ذلك أمام أصدقاءه، ويقول: لقد صمت اليوم إلى الظهر. ويقول الآخر: وأنا صمت للعصر مثلاً ، وبذلك يحدث تنافس جميل بين الأبناء وأصدقائهم من نفس المرحلة العمرية.
2. مشاركة الابن لنا في إعداد طعام الإفطار كترتيب المائدة، وذكر أن هذا العمل البسيط له عظيم الأجر عند الله سبحانه وتعالى.
3.المصروف المدرسي هام جداً للابن لذلك علينا إعطاؤه له أيضاً في رمضان، كما نشجعه على التصدق بجزء منه للفقراء، ونشرح له الأجر الكبير الذي سيعود عليه من هذا التصدق، مثل أن من نتيجة هذا أنه سيكون له قصر كبير بالجنة ينعم به في الآخرة.
‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏:" ‏أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه ‏ ‏جبريل،‏ ‏وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فرسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم،‏ ‏أجود بالخير من الريح ‏ ‏المرسلة" رواه البخاري.
4.من الأمور المحببة في الإسلام الحفاظ على نظافة الفم وبالأخص فم الصائم لذلك علينا شراء سواك له وتعويده على استعماله.
5.اصطحاب الابن معنا لصلاة التراويح: شيء مهم جداً، وذلك لتعويده منذ الصغر على صلاة التراويح، وأهميتها، وأننا نهرول بعد الإفطار لنذهب ونصلي بالمسجد جميعا ً أي الأسرة صلاة التراويح ، مع مراعاة حقوق المصلين الآخرين من عدم إيذاؤه لهم من لعب وتشويش حتى يثاب بالأجر الكبير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.
6.أفضل الأوقات على الإطلاق هو رمضان لتعليم الابن قراءة القرآن، قال الله تعالى:" شَهرُ رَمَضَانَ الَّذي أُنزِلَ فيه القُرآنُ هُدىً للنَّاسِ وبَيِّناتٍ من الهُدى والفُرقانِ" سورة البقرة،  والاستمرار على ورد يومي ولو يسير، حتى لا يمل وينقطع عن هذه العادة ، فصفحة أو اثنان كفيلان بتعويده على قراءة القرآن، والاستمرار على هذه العادة بعد رمضان وفي هذا يقول :عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ): الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب ، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، فيشفعان ) رواه أحمد.
7.وبالطبع لا تخلو المنازل من مشاجرات ومشاحنات بين الأبناء على الألعاب وغيرها، لذلك علينا استثمار فرصة رمضان وتمرينهم على التحلي بأخلاقيات الإسلام الحميدة، وأن هذه المشاجرات من الشيطان، والشياطين مغلغلة الآن في السماء، إذن فهذه التصرفات منهم هم أنفسهم فهل هم أبناء ذوو أخلاق حسنة أم ماذا ؟
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(إذا جاء رمضان فُتّحت أبواب الجنة ، وغُلّقت أبواب النار ، وصُفّدت الشياطين ) رواه مسلم .

النتيجة:
بعد إخلاص العمل والنية لله: نكون قد زرعنا بنفسية الطفل ما لهذا الشهر الكريم من تربية عظيمة للأخلاق والسلوكيات،  وبهذا سنشاركهم في الأجر والثواب في المستقبل، فهو استثمار في الحسنات والثواب والخير وفي هذا قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة".

 

 

نجلاء علي هيكل

لها أون لاين

JoomShaper