سلوك الأبناء
تغريد السعايدة
عمان- تصرفات وسلوكيات قد تصدر أحيانا عن أطفال ويافعين تسبب إحراجا للأهل في وسط الجموع. وعند توجيه أي انتقاد لسلوك الابن الخاطئ، يكون رد الأم: "ما بقدر أعمل شيء، والله ما بمون على ابني". تلك العبارة التي تؤدي لتراكم الأخطاء التربوية، وينتج عنها ابن عنيد لا يستمع لتوجيهات أحد.
وعلى الرغم من صغر أعمار الأطفال، إلا أن هناك العديد من الأمهات يؤكدن أنهن لا يملكن القوة الكافية للتحكم ببعض تصرفات الأبناء السلوكية، خاصة عندما تكن في أماكن خارج المنزل أو في الزيارات العائلية. عادةً ما يكون رد الأم بأنها "لا تمون"، بمعنى أنها لا تملك الكلمة على ابنها ولا يستمع لها مهما كانت طبيعة تصرفه، مما يشعرها بالضيق والعصبية في كثير من الأحيان.
ومع ذلك، يلقي الكثيرون باللوم على الأم التي يجب أن تكون لديها "خطوط حمراء" في التعامل مع ابنها، كما تقول نسرين السكر. تتحدث نسرين عن بعض الأمهات في محيطها ممن لا يقمن بأي إجراء تربوي لأبنائهن حين يقدمون على فعل خاطئ بحجة "ما بمون"، وتتساءل: "منذ متى لا تستطيع الأم أن تتحكم بتنبيه أبنائها ولا تردعهم عن الأخطاء التي يقترفونها؟"
كثير من الأمهات يناقشن مثل هذه المشاكل التربوية وتأثيرها على الأسرة والمجتمع المحيط، وكذلك على مستقبل الطفل، عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ومن بين النقاشات، تظهر ردود مختلفة على شكوى أم تقول إنها "لا تمون على أولادها في كل تصرفاتهم"، مما يسبب لها الإحراج وتطلب المساعدة في البحث عن حلول، خاصة وأن أطفالها أصبحوا الآن "مراهقين".
تقول سامية عبدالله وهي أم تستغرب من أمهات ليس لهن كلمة على ابنائهن: "ينبغي البحث عن حلول، وخلق لغة حوار مع الأطفال منذ وقت مبكر لبناء جسر للتواصل يستمر حتى يصبحوا شبابا وأن تكون الثقة المتبادلة، ويجب أن تكون لدى الأم سعة صدر للحديث وشرح الأخطاء وتوضيح أن ملاحظاتها تأتي من باب التربية والمصلحة المطلقة لهم.
وتنصح بأهمية أن تتقرب الأم من أبنائها وتُشعرهم دائما بخوفها عليهم وانها تتمنى لهم الأفضل وتختار طرق التربية المناسبة لهم، وأن عليهم الاستماع لتوجيهاتها.
وتنوه سامية بأن العنف غير مجديا في التربية وتحسين السلوك، بل قد يزيد من عناد الأطفال ويجعل "كل ممنوع مرغوب"، بدلا من ذلك، يمكن أن مصادقتهم والتقرب إليهم بشكل أكثر فعالية. كما تقترح الاستعانة بقصص لحالات مشابهة ونتائج العناد، التي قد تؤدي إلى الهلاك والضياع.
يرى الاختصاصي التربوي والنفسي الدكتور موسى مطارنة أن هذه المسألة من أهم السلوكيات التربوية للأبناء. ويشدد على الدور المهم للأب في هذه المرحلة، حيث يجب أن يشارك الأم في الرعاية، لأن وجوده يمكن أن يكون له أثر كبير في تشكيل شخصية الأبناء، لافتا إلى أن المشاكل بين الوالدين قد تؤدي إلى تفكك وزيادة في عناد الأبناء.
هذه المشكلات تنقل تأثيراتها إلى البيئة الاجتماعية الخاصة بالطفل، مما يتسبب في ظهور شخص "عنيف وعنيد ويعاني من سلوكيات خاطئة مختلفة لا يمكن السيطرة عليها مع مرور الوقت". ويصبح من الصعب على الأم أو الأب فرض السيطرة على سلوك الطفل وتعديله. كما يقول مطارنة، فإن أي مشكلة في البيئة الأسرية للطفل ستنعكس على سلوكه في التعامل مع والديه.
توضح دراسة نفسية تربوية نُشرت في إحدى المواقع المتخصصة بتربية الطفل أن "المعاملة بالمثل، أي مقابلة عناد الطفل بعناد من قبل الأهل وعدم تقبل لفكرة التنازل أو الوصول إلى مستوى الطفل في الحوار، قد يكون سببا في الرفض والتعنت الشديد وعدم قدرة الأهل على تمرير ملاحظاتهم على الأبناء".
هذا الأمر يتطلب أسلوبا تربويا مناسبا منذ الصغر، ليُنشئ شخصية سليمة تخلو من الاضطرابات النفسية. عادة ما يتبع الأبناء هذا الأسلوب بهدف كسب الاهتمام من خلال رفض الانصياع لما يُطلب منهم، أو قد يصل الأمر إلى ردود أفعال مبالغة.
لذلك، تؤثر البيئة الأسرية والاجتماعية بشكل كبير على شخصية الطفل، سواء سلبًا أو إيجابًا، وفقًا لمطارنة. إذا كانت الأسرة توفر مساحة من الحوار الجيد والهدوء، فإنها تمنح الطفل بيئة آمنة للحوار وتقبل شخصيته. كما تقدم له اقتراحات تتعلق باللعب مع الأطفال، والألعاب الفكرية وألعاب التركيب التي تساعد على الحركة والتفكير، بالإضافة إلى مشاركتهم في مختلف القضايا التي تشكل تجارب وخبرات حياتية.
ويؤكد مطارنة أنه إذا كانت الأسرة تتمتع بالهدوء والطمأنينة والأمن النفسي، فإن ذلك سينعكس على سلوك الطفل مع ردود فعل تربوية وسلوكية مناسبة بعيدًا عن الصراخ والقمع. كما يجب على الأم أن تتعامل مع أبنائها بوعي لتعزيز سلوك "حضاري" من خلال التحفيز والتعزيز، بالإضافة إلى استخدام أساليب متنوعة لتعديل السلوك. كما يمكن الاستعانة بالمشرف التربوي في المدرسة. ووفق مطارنة فإن مرحلة المراهقة هي "ولادة جديدة" تتطلب تغييرات كثيرة في سلوك الطفل، وأحد أهم هذه التغييرات هو العلاقة بينه وبين والديه.
وقد تكون تلك الأفعال غير قابلة للتحكم في بعض الأحيان، لذا يجب أن يكون التدخل في علاج هذه السلوكيات علميا من خلال معالج سلوكي ونفسي. الهدف هو أن يبدأ الابن في التكيف وتحسين سلوكه، حتى لا يكبر الطفل على هذه السلوكيات ويصبح شخصا غير سوي في المجتمع، كما يقول مطارنة.