سيدتي - ميسون عبد الرحيم
تلاحظ الأم أن طفلها يتصرف بعصبية، ويبدو ذلك سواء من حركات جسده أو ردات فعله، وكذلك من استخدامه الصراخ في التعبير عن مشاعره أو للحصول على مطالبه. وفي النهاية، ومهما اختلفت التصرفات والسلوكيات غير المقبولة؛ فالأم تعاني من طفل عصبي لا تستطيع السيطرة على عصبيته، ولا تجد حلاً للتفاهم معه سوى الضرب والعقاب المتنوع بكل الطرق.
الطفل العصبي هو ظاهرة مؤقتة في حال تعاملت الأم معها بحزم وبطرق تربوية صحيحة، وليس باستخدام طرق قد تؤدي إلى ترسيخ هذه الصفة السيئة التي ستحول طفلها إلى شخصية منبوذة يتحاشاها الآخرون، وبالتدريج فهو سوف يتحول إلى شخص مستبدٍّ لا يتقبل آراء وانتقاد من حوله، وفي الوقت نفسه؛ فهو أب فاشل يخافه أولاده ولا يسمعون كلامه إلا من باب الخوف؛ ولذلك فقد التقت "سيدتي وطفلك"، في حديث خاص بها؛ المرشدة التربوية غادة قطامي، حيث أشارت إلى ما العبارتان اللتان يجب أن ترددهما الأم لتقليل عصبية الطفل والأسباب التي تؤدي من الأساس لعصبيته، وطرق أخرى للتعامل مع الطفل العصبي مثل تخصيص وقت للحديث واللعب معه، وغيرها من الطرق في الآتي.
تعريف الطفل العصبي
الطفل العصبي هو طفل يعاني من أحد أعراض ما يُعرف بالطب النفسي باضطرابات القلق، حيث تُعد العصبية بوصفها سلوكاً دائماً أو مؤقتاً هي إحدى طرق الاستجابة الطبيعية من الإنسان ورد فعل لحظي لأمر أو موقف ما يقلق ويؤرق الطفل، أو أنه سلوك نتيجة لتعرض الطفل لعوامل ضغط، كما تعتبر العصبية بوصفها حالة نفسية أمراً مؤقتاً، ولا يمكن التعامل مع عصبية إنسان بوصفها صفة متأصلة أو حقيقة واقعة، ويجب التسليم لحقيقة اتصاف الطفل بالعصبية و"النرفزة"؛ فهي حالة تزول بزوال المسبب لهذه الضغوطات وظواهر التوتر وذلك عند تقصي أسبابها.
تُفسر العصبية بوصفها حالة نفسية نابعة من أعضاء ونفس الإنسان البشري؛ فهي تتكون من شعور أولاً، ثم رد فعل على هذا الشعور، سواء كان صحيحاً أو مغلوطاً، ويتضمن رد فعل الجسم واستجابة الهرمونات وفسيولوجيا الجسم لهذا الشعور وتهيئة رد الفعل، وغالباً ما تتسبب هذه الاستجابة بزيادة في إفراز ما يُعرف بهرمون التحفيز؛ أي الأدرينالين، الذي يتسبب في تزايد وتسارع ضربات قلب الإنسان العصبي، وارتفاع ضغط دمه، و شعوره بضيق التنفس؛ ما يؤدي للشعور بالعصبية التي تتشكل بأعراضها التي نراها أمامنا من الإنسان العصبي الذي لا يُطاق ولا يُحتمل.
أسباب عصبية الطفل في مرحلتي الطفولة المبكرة والمتأخرة
يُصاب الطفل بالعصبية بسبب شعور الطفل بفقدان كمية الحب التي من الواجب أن يحصل عليها من أمه مثلاً، وكذلك من الأب في حال كان الطفل مرتبطاً بالأب بسبب ظروف الأسرة، وفي هذه الحالة فهو يعبر عن فقدان هذا الحب الناقص بالعصبية والصراخ والركل وضرب رأسه بالحائظ مثلاً.
تحدث العصبية عند الأطفال الذين يعيشون في بيئة مفككة خالية من الحب والحنان وافتقاد وجود العواطف والمشاعر بين أفرادها مثل البيئة التي حدث فيها الانفصال بين الوالدين أو البيت الذي يكثر فيه الشجار والمشكلات الزوجية.
يتسبب الأب العصبي في وجود طفل عصبي في البيت؛ لأن الطفل في مرحلة الطفولة المتأخرة وبداية المراهقة يميل إلى التقليد، ويكون الأب هو مثله الأعلى، ولذلك فهو يصبح طفلاً عصبياً معتبراً أن العصبية من علامات الرجولة، ومن الصفات المتأصلة في الكبار الذين يطمح أن يصبح مثلهم.
يُصاب الطفل بالعصبية في سن التحاقه بالمدرسة، وخاصة في المرحلة الدنيا وبداية تعرفه إلى العالم الخارجي؛ بسبب حصوله على درجات متدنية ورغبته في المنافسة من جهة، وخوفه من عقاب والديه من جهة أخرى، ووقوع الأم في خطأ عدم تعليمها للطفل لمفهوم المنافسة مثلاً، ولذلك فمن واجبك كونك أماً أن تعرفي كيف تشجعين طفلك على المنافسة لكي يتقبل الخسارة بروح رياضية؟ وأن تكون الخسارة حافزاً وليس مسبباً للحقد وتفريغ الغضب عن طريق العصبية وتصرفات أخرى غير لائقة.
يؤدي شعور الطفل بالنبذ، مثل أن يشعر بالغيرة من المولود الجديد أو التفرقة في المعاملة بينه وبين باقي إخوته؛ يؤدي لعصبيته بوصفه نوعاً من التمرد من جهة، ولفت الانتباه من جهة أخرى ومحاولة تسليط الضوء عليه، وربما تخويف الصغار منه.
تتسبب بعض السلوكيات الخاطئة التي يوافق علهيا الوالدان ويقومان بتوفير وسائلها للطفل إلى إصابته بالعصبية المستمدة من الجو المحيط به، وليست بسبب دوافع نفسية لديه مثل أفلام الرسوم المتحركة التي تقدم مشاهد العنف و العصبية وتصور من يقوم بها بوصفه بطلاً، وكذلك السماح للطفل بقضاء أوقات طويلة مع ألعاب الهاتف الذكي والأجهزة اللوحية؛ ما يؤثر في فسيولوجيا جسمه وهروموناته ومستوى إدراكه وأضرار أخرى من ضمنها حدوث العصبية عند الطفل.
هناك أمر ما يزعجك؛ فما هذا الشيء؟
قولي لطفلك العصبي هذه العبارة التي تعني أنك تهتمين بطفلك ولا تهملين مشاعره ولا حتى نوبات غضبه؛ فكل فعل له رد فعل، وعصبية الطفل ليست ناتجة من فراغ، وعندما تقولين له هذه العبارة التي هي عبارة عن سؤال؛ فأنت تبدئين أولى خطوات النجاح في التعامل مع الطفل العصبي، وهي مرحلة أو خطوة امتصاص نوبات الغضب؛ لأن علاج نوبات الغضب عند الأطفال يكون أولاً بامتصاص الغضب وليس مواجهته بغضب أكثر حدة.
اسحبي طفلك من يده ودعيه يخبرك عما يزعجه؛ لأنه سوف يشعر بأنه شخص مهم في البيت، وبأن له وجوده وكيانه، وأن هناك من يهتم بمشاعره ويحرص على راحته، ولا تعتقدي أن إهمال الطفل العصبي سوف يؤدي إلى أن يقلع عن هذا السلوك؛ فليس دائماً يؤدي الإهمال إلى نتائج جيدة، وأحياناً يشعر الطفل المهمل بأنه بلا قيمة، ويبدأ في الإفراط في عصبيته، ولأن أحداً لا يهتم بحل مشكلاته وفي أحيان أخرى يكون الطفل العصبي يتعرض للتنمر والابتزاز في خارج البيت ولا يجرؤ على البوح للأم عن ذلك.
كيف تحب أن أساعدك؟
قولي لطفلك هذه العبارة التي تبدو في ظاهرها مجرد سؤال، ولكنها فتح لباب اسمه التفريغ أو الفضفضة، وعندما يبدأ الطفل بالحديث عن مشاعره الداخلية، وهذا أكبر دليل على نجاح وبراعة الأم؛ فهو يبدأ في تخفيف حالة العصبية التي يمر بها، ومرة بعد مرة سوف يكتشف أن الأمر لم يكن يتطلب كل هذه العصبية، وهذه السلوكيات التي قام بها مثل الصراخ والضرب والركل والتكسير، وبأنه يمكن أن يحصل على ما يريد لو أنه تحدث للآخرين.
لاحظي أن طفلك العنيد لا يمكن أن تجبريه على طاعتك، ولا يمكن أن يصبح بضغطة زر إنساناً هادئاً ومطيعاً وفي الوقت نفسه هو بحاجة لمساحة لكي يعبر عن مشاعره، وعلينا أن نتركه يبكي ويصرخ ولا نفرض عليه كبت مشاعره، ثم ننحي به جانباً ونطلب منه أن يعبر عما بداخله.
نصائح عامة للتعامل مع الطفل العصبي
خصصي وقتاً كل يوم للجلوس مع الطفل العصبي والحديث واللعب معه ومساعدته للشعور بأنك ملك له، وبأنك قادرة على احتوائه؛ فالطفل في سن الطفولة المبكرة والمتأخرة يكون لديه بعض الأنانية؛ حيث يرغب بالاستحواذ على اهتمام الأم، وهي مملكته الأولى في نظره.
ابتعدي عن أسلوب استفزاز الطفل العصبي، ولو كان ذلك من باب المزاح والضحك معه، مثل أن تنعتيه بصفات تدل على العصبية ومرتبطة بأسماء حيوانات أو أجهزة مثل أن تقولي إن فلاناً مثل جرس إنذار الحريق وغيرها من النعوت التي تسيء إلى نفسية الطفل.
توقفي عن استخدام اسلوب الأبيض والأسود؛ أي اختيار حلين قاسيَيْن مثل أن تقولي له إما أن تسمع كلامي وتصمت أو تذهب إلى غرفتك ولا تخرج منها؛ فهذه حلول ليست وسطية على الإطلاق وتؤدي لزيادة عناد وعصبية الطفل.
خصصي له وقتاً لكي يمارس هواية محببة له، وخاصة إذا ما كان قد أصبح على أعتاب مرحلة المراهقة ولا يعرف كيف يستفيد من وقته ويستغله بطريقة صحيحة.