سيدتي - ميسون عبد الرحيم

لا أحد يمكنه أن يشعر بشعور الأم عندما ترى طفلها الأول، وعندما تضعه في حضنها وتضمه إلى صدرها، ففرحة المولود الأول هي فرحة لا تعادلها أي فرحة، سواء عند الأم أو الأب، ولذلك فهي تضع الطفل وكأنه في صندوق مغلق، ولا تريد من الحياة سواه، وتدلله وتهتم به بكل الطرق التي تراها مناسبة، ولكنها للأسف تفعل ذلك بدافع مشاعرها من حب وفرحة، ولا تعرف الأم أنها ترتكب أخطاء تربوية صعبة في تعاملها مع طفلها الأول؛ ستؤدي لنتائج غير مرغوبة على المدى القريب والبعيد.

الطفل الأول عند الأم هو الخط الأحمر بالنسبة لها، وتسرف في الاهتمام به ورعايته، ولا تعرف أن هناك فرقاً بين الرعاية والتربية، ولذلك فقد التقت "سيدتي وطفلك"، وفي حديث خاص بها، بالمرشد التربوي عارف عبد الله، حيث أشار إلى ما الأخطاء التي تقع فيها الأمهات أثناء تربية الطفل الأول؟ مثل الإفراط في تدليله وتلبية رغباته والمبالغة في حمايته، وأثرها على الطفل مستقبلاً، في الآتي:

لماذا تقع الأمهات في أخطاء تربوية مع الطفل الأول خصوصاً؟

مولودة حديثة الولادة

    تتسبب فرحة الأم بالطفل الأول في نسيانها أن هذا الطفل يجب تربيته ليكون عضواً فعالاً في المجتمع ويكون قادراً على تحمل المسؤولية، وأنه لن يبقى في حضنها إلى الأبد، وكذلك أنه سوف يكبر ولا يمكن أن تستمر في أسلوب الفرحة المبالغ فيها، بحيث تحتضنه على الدوام ولا تتركه يغادر ذراعيها.

    تعرض الأم لولادة متعسرة وتعرض الجنين إلى مخاطر ومضاعفات بعد الولادة تؤدي لأن تتمسك الأم بالطفل الأول وهي لا تصدق نفسها أنه قد نجا وتكون سعيدة به، وكذلك فهي تشعر بأنها كادت تفقده أو تفقد حياتها، وبالتالي فشعور الفقد يكون مؤلماً بمجرد الإحساس به، فهي لذلك تتمسك بالطفل الأول وتقع في أخطاء تربوية في تربيته، فكل ما يهمها هو الحفاظ عليه.

    تأخر الحمل لمدة طويلة حتى يصل الطفل الأول، فتكون الأم قد وصلت إلى مرحلة اليأس، وتعبت في العلاج والتنقل من طبيب إلى آخر، وكذلك فهي تكون قد أنفقت أموالاً طائلة للعلاج، على أمل أن يحدث الأمل، ومع مرور الوقت يصبح محور حياتها وأملها هو حدوث الحمل، وقد يطول تأخر الحمل؛ بسبب تأثير الحالة النفسية على تأخر الحمل، وحين يحدث الحمل فهي لا تصدق نفسها، أما حين يأتي الطفل الأول؛ فهي تفرط في التعلق به، ولا تلقي بالاً لكل قواعد وأسس التربية، وبالتالي فهي تقع في أخطاء تربوية تضر بها وبالطفل وشخصيته حين يكبر، وتتحول الفرحة إلى معاناة، مقارنة مع ما يحدث مع باقي الأمهات.

أخطاء تربوية تقع بها الأمهات مع الطفل الأول

الإفراط في التدليل

    تجنبي الإفراط في تدليل الطفل الأول، وكأنه لا يوجد في الكون غيره، فأنتِ بذلك تفسدين تربيته، ولا تشعرين بفداحة ما تقومين به، ولكنك سوف تلاحظين أن طفلك الأول سوف يتحول لطفل يتسم بأخلاق غير محببة، ويقوم بتصرفات غير لائقة، وربما تسبب لك الإحراج؛ مثل أن يفقد احترامه للكبار، وبالتالي فأنتِ تتساءلين: كيف أعرف أن ابني مدلل؟ وسوف تعرفين ذلك حين ترين ابنك لا يضع اعتباراً لأحد ولا يهمه الكبار، بل إنه حين يكبر قليلاً قد يسخر منهم أو يسيء إليهم.

    توقفي عن كل طرق ووسائل التدليل التي تستخدمينها مع طفلك؛ لأنه لن يتوقف عن مطالبتك بالاستمرار بهذه الطرق عندما يأتي إخوة آخرون له، وعندما يكبر، وسوف تلاحظين مثلاً أنه قد يصل إلى سن المدرسة؛ يصرّ على الجلوس على ركبتك أمام الناس، ويسبب لكِ الإحراج، ويكون الموقف مدعاة للسخرية منه.

الإفراط في الحماية

    توقفي عن تطويق طفلك بين جناحيك ومنعه من التحليق والطيران؛ لأن طفلك لن يبقى صغيراً في الدرجة الأولى، وهو سوف يخرج إلى الحياة ويصبح عضواً فعالاً فيها، ابتداء من خروجه إلى دار الحضانة، ثم الانتقال إلى المدرسة، وحيث سيتعرف إلى مجتمع جديد لن يتقبل أخطاءه ويتغاضى عنها، ولن يدلله كما تفعلين أنتِ؛ لأن الفصل يكون به عدد كبير من التلاميذ، وتكون مهمة المعلمة توصيل المعلومات لهم جميعاً والعدل والمساواة بينهم.

    توقفي عن منع طفلك من خوض التجربة والقيام بأعمال بسيطة بدافع خوفك عليه وبأنه طفلك الأول، وربما ظل هو الطفل الوحيد وأنك تخافين عليه، فمثلاً حين تمنعين الطفل من حمل صينية بها أكواب وحملها للمطبخ، فسوف يكسر كل الأكواب حين يكبر ويسخر منه الجميع، كما أنه سوف يصبح طفلاً اتكالياً؛ لا يستطيع أن يقوم بأي عمل وحده، ويترك كل المهام على الأم وباقي الإخوة.

    غيري طريقة تعاملك مع طفلك الأول في حال أنك تبالغين في حمايته، وعدم إتاحة الفرصة له لكي يجرب؛ لأنه سوف يتحول لطفل جبان ومنطوٍ وخجول، وكل هذه تعد حالات نفسية تحتاج لعلاج طويل ومرهق، حتى يتخلص منها الطفل، والمفروض أنكِ ترغبين بطفل ذي شخصية سليمة وقويمة ومعتدلة.

الإفراط في تلبية كل الرغبات

    توقفي تماماً عن تلبية كل رغبات طفلك الأول؛ لأن الطفل الذي يحصل على كل طلباته ورغباته يتحول إلى طفل أناني ومتسلط، وربما يصبح عدوانياً ويعتدي على الأطفال الآخرين؛ لكي يحصل على أشيائهم ومتعلقاتهم، ولذلك حين يصل الطفل لمرحلة الاعتداء على الآخرين وممتلكاتهم، فسوف تتساءلين عن كيفية التعامل مع الطفل العدواني وأنت لا تعرفين أنكِ أحد أسباب الطفل العدواني الذي أصبح في بيتك، والذي يرى أن العالم كله ملكاً له؛ بسبب تلبية كل رغباته وطلباته، لدرجة أن بعض الأمهات يفعلن المستحيل للحصول على أي شيء يراه طفلهن الأول المدلل، والذي يرغب به حتى لو كان ملكاً لطفل آخر، أو أن هذا الشيء لا يخصه، فالأم هنا تعزز لدى الطفل إحساس الأنانية، وتحوله لشخص أناني ومعتدٍ أيضاً.

    اضبطي طلبات ورغبات طفلك الأول؛ لأنه في البداية سوف يطلب منك كل شيء، وبعد ذلك سوف يرى أن ما يطلبه هو حق مكتسب وليس من حقك أن تخبريه بأنك لا تستطيعين توفير هذا الشيء له، فليس لدى الإنسان دائماً المقدرة المادية لتوفير كل طلبات أطفاله، وبالتالي سوف يتمرد طفلك عليك، ويصبح لحوحاً ومزعجاً لأنه تعوّد على أن تكوني بالنسبة له "مصباح علاء الدين"، ولن يعرف معنى الاكتفاء والقناعة.

JoomShaper