نيللي عادل
حتى في أكثر البيوت هدوءًا واستقرارًا، يعيش الوالدان أياما تكاد فيها الضوضاء والفوضى المرتبطان بالأطفال تخرج عن السيطرة، مما يورثهما شعورا بأنهما على حافة الانهيار!.
وعلى الرغم من أن هذا الشعور طبيعي وشائع، فإن بعض السمات الشخصية للآباء والأمهات يمكن أن تجعل الحياة الأسرية أكثر إرهاقًا من المعتاد.
إذ تصنّف أقلية -قد لا تتجاوز نسبتها ما بين 20% إلى 30%- من الآباء والأمهات، كـ"أشخاص شديدي الحساسية"؛ وترتبط هذه المشاعر عادة بالروائح، أو المشاهد، أو الأصوات، أو بعض المواقف الأخرى.
الآباء والأمهات شديدو الحساسية
يصعب على الأشخاص شديدي الحساسية عادةً التعامل مع المواقف والمناسبات التي تنطوي على معدلات مرتفعة من الضوضاء أو الأضواء الساطعة، مما يعرضهم للمعاناة من الإجهاد الشديد والإرهاق.
كذلك يمكن أن تؤثر الحساسية المفرطة لهذه الفئة على وعيهم المتزايد بمزاج أو مشاعر من حولهم، وقد يدفعهم التعاطف مع الآخرين لحالات من التعب والاحتراق النفسي.
وبالتالي، حين يواجه الأشخاص شديدو الحساسية محفّزات قوية لحواسهم ومشاعرهم – كالتي تتطلبها التربية والتزامات الأمومة والأبوة -، قد يمثّل القدر العالي من الضغط والتفاعل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة.
فبالإضافة إلى التحميل الحسي والعاطفي اليومي، يواجهون تحديا إضافيا متمثلا في رعاية الأبناء الذين يتميزون أيضًا بحساسيتهم الفطرية المفرطة في مراحل الطفولة المبكرة.
بالرغم من سلبية ما سبق واحتمال تأثيره على هدوء واستقرار الأسرة، فلحسن الحظ أيضا، أن هذه السمة تأتي كذلك بمزايا تربوية فريدة يمكن أن تساعد في تحويل الأبوة والأمومة إلى تجربة أكثر بهجة وإثراءً، بدلا من كونها تجربة مرهقة ومتحفّزة على الدوام.
مزايا الأبوة والأمومة الشديدة الحساسية
يوضح موقع "سايكولوجي توداي" المختص في علم النفس، عددا من الصفات والمؤشرات التي تدل على أن الوالد يتمتع بشخصية شديدة الحساسية، مثل:
يتأثرون بسهولة بالضوضاء العالية.
ينزعجون من المشاعر المفرطة أو الانهيارات العصبية أو نوبات الغضب للأبناء.
يدركون تمامًا التفاصيل العاطفية الدقيقة لطفلهم.
كثيرو المعاناة من الإرهاق.
عرضة للتفكير السلبي والمعاناة من القلق.
يُساء فهمهم أحيانا، فيتهمون مثلا بـ: القلق، أو الخجل، أو التشدد، إلخ.
بدورها، تشير عالمة النفس الأميركية إلين آرون إلى أن الحساسية لها 4 جوانب رئيسية في السلوكيات اليومية، وهي:
معالجة المعلومات بصورة عميقة ودقيقة، والانتباه للتفاصيل.
ردود الفعل القوية على المحفّزات البيئية (الأضواء، الأصوات، الروائح).
التعاطف والاستجابة العاطفية القوية، مثل الشعور بمشاعر الآخرين.
الاستجابة العالية والحساسة للمحفزات، مثل سرعة وشدة الانفعال.
وفي مثال على هذه السمات، إذا رأت أم شديدة الحساسية عربة أطفال في أحد الأسواق، فسيعمل عقلها بحماس، متسائلة عن تكلفتها، وتحليل ميزاتها، ومقارنتها بالعربة التي اشترتها بالفعل لصغيرها، وربما تتساءل عما سيحدث إذا انقلبت العربة.
وبالتالي، يمكن أن يكون اتخاذ القرار عملية مؤلمة ومرهقة بسبب هذه العادة المتمثلة في معالجة المعلومات بعمق.
لكن من ناحية أخرى، يكون الآباء والأمهات الحساسون الذين يعالجون المعلومات بعمق، أكثر ميلا للتمتع بضمير صادق، وأكثر قدرة على اتخاذ قرارات جيدة لصالح أبنائهم.
من ناحية أخرى، يمكن لسمات مثل القدرة على الانتباه للمحفزات الدقيقة كالصوت أو الرائحة أو تفاصيل أخرى صغيرة لا يلاحظها الآخرون عادة، أن تجعل من الأشخاص الشديدي الحساسية فعالين للغاية في من لا يتقنون التعبير عن أنفسهم، خاصة من الأطفال الصغار.
كما يكون الأبوان الشديدا الحساسية عادةً أكثر قُربًا وانسجاما مع أطفالهم بالعموم، في حين تجد أمهات هذه الفئة تربية الأبناء أكثر صعوبة وإرهاقا.
ويوضح خبراء التربية وعلم النفس السلوكي أن شديدي الحساسية يكونون أكثر قدرة على فهم طفلهم والاستجابة بشكل أسرع وأكثر ملاءمة لاحتياجاته على المدى الطويل.
كما تكون العلاقات الوثيقة التي يبنيها الآباء من هذا النوع مع أبنائهم متينة جدا، وغالبًا ما يتميزون بشدة الإخلاص، ويعملون على الحفاظ على علاقاتهم.
ونظرًا لأن المشاعر والأفعال السلبية تؤثر في الآباء الشديدي الحساسية بسهولة، فهم أكثر ميلا لحماية أطفالهم إذا اعتقدوا أنهم مهددون بأي شكل من الأشكال. على سبيل المثال، كونهم أكثر حساسية للنبرة العاطفية، فقد يلتقطون المؤشرات الدقيقة للتفاعلات التي ينقلها أطفالهم إليهم، فيصبحون أقل ميلا إلى تجاهلهم أو افتراض أن كل شيء على ما يرام.
كيف تصبح داعما لنفسك وأسرتك؟
نظرا لأن هذا النوع من الناس يتمتع بقدرة أعلى على استنفار الحواس، ويمكن أن يتأثروا بشدة بالبيئة المحيطة بهم، فهم بحاجة لأن يهتموا برعاية أنفسهم أيضا.
ومن بين النصائح التي يجب عليهم اتباعها لعدم الانجراف إلى التوتر خلال تربية الصغار:
إعادة صياغة ما يسمى بـ"المشاعر السلبية" باعتبارها تنبيهات ومؤشرات لإعادة تعريف المعلومات، والتأكيد على أنها مجرد معلومات وليست دليلا على وجود كارثة وشيكة.
التقليل من التعرُّض للأضواء الساطعة والضوضاء الصاخبة، خاصة لمن تقترن حساسيتهم بالحواس الخمس.
طلب المساعدة عند الضرورة وعدم الخجل من طلب الدعم من الأهل والأصدقاء أو حتى من المختصين عند الحاجة.
نظرًا لأن الأشخاص ذوي الحساسية العالية يميلون لأن يكونوا حساسين للمحفزات الخارجية والداخلية، فهم أيضًا حساسون لمشاعرهم الخاصة. لذلك من المفيد دوما أن يتحققوا مما يشعرون به ويحتاجون له وما يقدمونه من قيم ومشاعر وخبرات في رحلة تربيتهم لأبنائهم.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية