ديمة محبوبة

عمان– كثيرة هي أساليب التربية التي يعتمدها الأهالي في تنشئة أبنائهم، وذلك بناء على قناعاتهم الشخصية وتجاربهم العاطفية التي تشكلت منذ طفولتهم وأثرت عليهم. لكن خبراء في التربية يشيرون إلى أن أصعب وأسوأ أنواع التربية هي التربية الانفعالية.

 

ويعرف خبراء التربية الانفعالية بأنها النمط السلوكي الذي يلجأ إليه الأهل في التعامل مع أطفالهم أثناء تعرضهم لضغوط نفسية أو حالات انفعالية شديدة. وتتميز هذه التربية بمجموعة من ردود الفعل السلبية، مثل الصراخ، الغضب، العقاب القاسي، أو حتى التجاهل العاطفي.

 

يؤكد تربويون أن تصرف الأهل بهذه الطريقة غالباً ما يكون نتيجة للضغوط اليومية وعدم قدرتهم على التحكم في انفعالاتهم، وليس بالضرورة ناتجة عن تخطيط مسبق. بل قد يحدث ذلك نتيجة لعدم وعي الأهل بتأثير هذه التصرفات على أطفالهم.

وفي هذا السياق، يوضح التربوي الدكتور محمد أبو السعود، أن الإنسان يتأثر بالعديد من العوامل الخارجية التي تؤثر على سلوكه وقناعاته. ويعتقد أن أسباب التربية الانفعالية قد تكون متنوعة، ومن أبرزها الضغط النفسي الناتج عن ضغوط الحياة اليومية، مثل ضغوط العمل، المسؤوليات المالية، أو المشاكل الزوجية، والتي تسهم في زيادة التوتر لدى الأهل.

ويشير إلى أن غياب وعي الأهل بأساليب التربية الصحيحة وغياب المعرفة حول تأثير التربية الانفعالية على الطفل يدفع بعض الأهل للتصرف بشكل انفعالي من دون إدراك العواقب على أبنائهم، وتكرار نماذج سلوكية من طفولتهم أمر مهم بحسب أبو السعود، فالأهل الذين نشأوا في بيئة انفعالية قد يميلون لتكرار نفس الأنماط السلوكية مع أطفالهم.

ومن الأسباب أيضا، يبين أن التعب والإرهاق الجسدي يؤدي إلى نقص في التحمل والصبر، مما يرفع احتمالية التصرف بغضب أو تسرع.

ووفق قوله، فإن هذه التربية تؤثر نفسيا على الطفل الذي يتلقاها فيعيش القلق والتوتر، والطفل الذي يتعرض لتربية انفعالية يكون عرضة للقلق والخوف المستمرين من غضب الأهل أو ردود فعلهم المفاجئة ما يبقيه متأهبا لردود الفعل الانفعالية والتي أحيانا كثيرة تكون أكبر من الفعل وغير مبررة بنظر الطفل.

ويؤكد أبو السعود أن الطفل الذي يتعرض لتربية انفعالية يفقد الثقة بوالديه، فالتربية القاسية قد تزرع في نفس الطفل شعورا بأنه غير مرغوب فيه أو غير كاف، مما يؤثر سلبا على ثقته بنفسه وعلى علاقته مع والديه.

ويلفت إلى أن الأطفال الذين يكبرون في بيئة انفعالية يجدون صعوبة في التعامل مع مشاعرهم، مما قد يؤدي إلى كبتها أو التعبير معها بطرق غير صحية وصعوبة في التعبير عن مشاعرهم.

أما المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني فتؤكد أن التربية الانفعالية هي نتيجة للظروف الصعبة التي يمر بها الأهل، مما يسبب ضغوطا عصبية تؤثر على مزاجهم دون وعي منهم أو اهتمام بما يحيطهم، حيث يرون أن ما يمرون به من مشكلات يكفيهم. ومع ذلك، ينبغي على  الأهل سواء الأب أو الأم تحمل مسؤولية أطفاله بالكامل، وأن تربية جيل مستقر نفسيا وتربويا هي في نهاية المطاف مسؤوليتهم الأولى والأخيرة.

وأحيانا نجد أهالي بحسب الكيلاني يعانون من تمرد أبنائهم في سن المراهقة وعادة بعد الجلوس معهم وتتبع حياتهم تجد أن هذا التمرد نتيجة ظروف قاسية وانفعالية عاشها الابن والابنة مع والديهم نتيجة تربية انفعالية.

وتؤكد الكيلاني أن لهذه التربية القاسية أثرا اجتماعيا على العائلة والطفل مستقبلا، وتوتر في العلاقات العائلية، مبينة أن التربية الانفعالية تؤدي إلى ضعف الترابط بين أفراد الأسرة وزيادة النزاعات والتوتر داخل المنزل.

وتوضح أن الطفل الذي يعاني من تربية انفعالية قد يجد صعوبة في بناء علاقات صحية خارج الأسرة، نتيجة لنقص الثقة أو الخوف من التعامل مع الآخرين.

وتشدد إلى أن تكرار الأنماط السلوكية في الأجيال المستقبلية، من الممكن أن ينقل الأطفال الذين تعرضوا للتربية الانفعالية نفس السلوكيات إلى أطفالهم مستقبلا، مما يؤدي إلى استمرارية الدائرة.

وتوضح الكيلاني أن هذه الدائرة يجب أن تكسر وتعالج، إذ يمكن التغلب على التربية الانفعالية من خلال الوعي والتحكم في الذات، فمن المهم أن يكون الأهل واعين لتصرفاتهم، وأن يتعلموا كيفية إدارة انفعالاتهم قبل التفاعل مع الطفل.

وتقول، لا ضير من طلب المساعدة، فقد يستفيد الأهل من الاستشارة النفسية أو التدريب على أساليب التربية الإيجابية للتعامل مع الضغوط بشكل أفضل، ناصحة بالتواصل المفتوح مع الطفل وتعزيز الحوار بين الأهل والطفل يساعد في تحسين التفاهم وتقليل الانفعالات.

وتنصح دائما بتنظيم وقت الأهل وتحديد أوقات للراحة والاسترخاء، مما يساعد في تقليل الضغوط النفسية، ومما يؤدي إلى تقليل التصرفات الانفعالية، وضبط السلوك الانفعالي وتغييره من خلال التدريب على الهدوء والاسترخاء فيمكن للأهل تعلم تقنيات التنفس العميق أو التأمل للمساعدة في السيطرة على الغضب والقلق.

إلى ذلك؛ بناء الثقة بين الطفل وأهله في حال تعرض الأهل للخطأ في التصرف أن يعترفوا بخطأهم والاعتذار ففي حالة التصرف الانفعالي، يجب على الأهل الاعتراف بخطأهم والاعتذار للطفل، وحسب الكيلاني تؤكد أنه من الضروري التركيز على تشجيع السلوكيات الإيجابية للطفل بدلا من الانتقاد الدائم، والعمل على تعزيز الثقة بالنفس لديه.

وأخيرا، التربية الانفعالية للأهل ليست مجرد سلوك عابر، وفق الكيلاني، بل لها تأثيرات عميقة على الطفل والأسرة ككل ويحتاج الأهل إلى الوعي بمخاطر هذه التربية والعمل على تحسين طرق تعاملهم مع أطفالهم لضمان تنمية صحية ومستقبل أفضل لهم.

 

JoomShaper