سيدتي - ميسون عبد الرحيم
لا يتوقف دور الأم على القيام بالعناية بالطفل منذ ولادته؛ لأن إرضاع الطفل وتنويمه وتغيير ملابسه والاهتمام بكل ما يخصه، من حيث المأكل والمشرب، يندرج تحت مسمى الرعاية الجسمية والصحية؛ لكي ينمو الطفل بشكل جيد، وبحيث يزداد وزنه ويحصل على الغذاء، إضافة لتوفير الحياة الصحية له التي تقيه من الأمراض، ولكن اهتمام الأم بنفسية الطفل وبناء شخصيته منذ وقت مبكر؛ فهذا يندرج تحت مسمى التواصل النوعي؛ من أجل طفل سليم نفسياً واجتماعياً.
يجب على الأم أن تهتم بالتواصل النوعي واستخدام عدة طرق تساعد على تعزيز ثقة الطفل بنفسه منذ سن مبكرة، وكذلك بناء شخصيته، ولذلك فقد التقت "سيدتي وطفلك"، وفي حديث خاص بها، بالاستشارية التربوية الدكتورة هدى سعيد، حيث أشارت إلى أهمية التواصل النوعي مع الطفل لتعزيز ثقته بنفسه وبناء شخصيته المستقبلية، إضافة لبعض النصائح الأخرى المهمة لطفلك؛ مثل التبسم في وجهه، واحتضانه، وغيرهما من الطرق، في الآتي:
تعريف التواصل النوعي مع الطفل
يعرف التواصل النوعي مع الطفل بأنه التواصل مع الطفل من أجل تحقيق أهداف ونتائج جيدة، وليس التواصل من أجل تغذيته مثلاً فقط، لأن التواصل لإرضاع الطفل لمجرد سد جوع الطفل لا يعد تواصلاً نوعياً، وكذلك التواصل مع الطفل بمجرد الحديث وإلقاء الأوامر والتوجيهات والإرشادات له، لا يقع ضمن قائمة طرق التواصل النوعي الذي من شأنه أن يعزز ثقة الطفل بنفسه ويقوي شخصيته؛ لأن إلقاء الأوامر على الطفل لكي ينفذها يعمل على انسحاب لذاته وتشوه شخصية الطفل وعدم إتاحة الفرصة له لإبداء رأيه، ويبدأ في التحول لإنسان مهزوز الشخصية وفاقد الثقة بنفسه ومنطوٍ وانهزامي، ولذلك فهناك طرق لتواصل بناء يعرف بالتواصل النوعي، ويبدأ منذ أن يكون الطفل جنيناً في رحم أمه.
طرق التواصل النوعي مع الطفل منذ المرحلة الجنينية
احرصي على الحديث مع طفلك منذ المرحلة الجنينة، ولا تعتقدي أنه مجرد جسم مصمت يقع في رحمك، فهناك فوائد الحديث بالهمس للطفل منذ المرحلة الجنينية يجب أن تعرفيها؛ وهي أن هناك إنساناً صغيراً يحس ويشعر ويتألم ويفرح بكل ما يدور حوله، ولذلك فحاسة السمع تتطور مبكراً لدى الجنين، وبالتالي فهو يصبح قادراً على التفاعل مع ما يدور في الخارج، ويسمع كلام الأم، ويتعرف إلى صوتها، ويفرح ويقوم بحركات حين يقترب الأب من الأم، ولذلك فيجب أن تستغلي هذه الصفات في الحديث مع الجنين بطرق مختلفة، ولكن بلغة عربية سليمة، لكي يبدأ في تخزين محصوله اللغوي مبكراً.
قومي بالغناء بصوت هامس وحنون للجنين واقرئي معه القصص القصيرة، وتحدثي معه عن أحداث يومك، فيما على الأب أن يحدثه عن سعادته بقدومه، وبأنه قد أعد له غرفته وقام بتزيينها، ويمكن أن يقترح عليه عدة أسماء ومعانيها؛ استعداداً لاختيار اسم مناسب وجميل له، فكل هذه الطرق تعد من وسائل التواصل النوعي التي تبدأ في مرحلة ما قبل الولادة، وتترك أثرها على شخصية الطفل.
استخدمي عدة طرق للتواصل مع طفلك بالتدريج منذ مرحلة تعلمه الكلام تواصلاً نوعياً بنّاء ومفيداً، ومن هذه الطرق أن تنصتي له جيداً حين يتكلم، وأن تنتبهي لكل حركاته وتفرحي بها وتبدين سعادتك بتطور مهاراته المختلفة وبالتدريج؛ لكي تشجعيه أكثر وأكثر، ومن طرق التواصل النوعي مع الطفل، إضافة للانتباه والتركيز له، أن تلعبي معه لعباً تفاعلياً وتختاري الألعاب التي تحقق اللعب التفاعلي وليس لمجرد اللعب، وأهم طرق التواصل النوعي مع الطفل أن تحتفلي معه بإنجازاته، وتشجعيه عليها، وعن طريق هذه الأساليب التي تستخدمينها مبكراً سوف تبنين علاقة قوية وموثوقة وتفاعلاً عميقاً ومباشراً معه.
طرق تساعد على تعزيز ثقة الطفل بنفسه وبناء شخصيته
النظر إلى وجه الرضيع باستمرار والتبسم في وجهه
اعتمدي طريقة إطالة النظر في وجه المولود بحب وحنان، حتى لو كان نائماً؛ وذلك لأن نظرك كأم إلى وجه المولود وتأمله لفترات طويلة وعدة مرات في اليوم؛ يساعد على إفراز هرمون مهم في جسمه يعرف بهرمون "oxytocin hormone"، ويختص عمل هذا الهرمون بنمو وتطور المخ عند الرضيع، وبالتالي فقد اكتشف الأطباء أن الأطفال الذين تطيل الأمهات النظر إليهم يتطور نموهم بكل صوره؛ الحركي والمعرفي والعقلي، بشكل أسرع من الأطفال الذين لا تنظر إليهم الأمهات ولا تتحدث معهم.
حاولي أن تنظري إلى وجه المولود بمجرد أن يفتح عينيه؛ لكي يشعر بالسعادة، فهو يعرف الأم منذ اللحظات الأولى للولادة، واهتمي بالنظر إلى وجهه والتبسم والحديث معه؛ لكي يمتلك الطفل مستقبلاً أكبر حصيلة لغوية، مقارنة بغيره من الأطفال الذين لم تكن الأم تنظر وتبتسم لهم باستمرار وتتحدث معهم.
احتضان وضم الطفل بين الذراعين
اهتمي باحتضان طفلك وضمه بين ذراعيك، وكذلك التربيت على جبينه ومسح رأسه، كما ورد في السنة النبوية؛ عندما كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يمسح على رأس اليتيم، فهذه السلوكيات من شأنها أن تكون من طرق لتقوية ثقة طفلك بنفسه وتعزز من شخصيته وتشعره بذاته، وبأنه مهم في هذا المجتمع، وليس مهمشاً، بل إنه يعامل كإنسان كبير وعليه مسؤوليات وله واجبات، فضم الطفل واحتضانه أيضاً يُشعره بالأمان، وبالتالي فهو لا يشعر بالخوف والتهديد في حياته، وشعور الطفل بمشاعر سلبية وعدم الاستقرار يؤثر بشكل كبير على ثقته بنفسه، ومن أهم أسباب تأخر النطق عند الطفل، وكذلك ظهور مشاكل الكلام لديه؛ مثل التلعثم والتأتأة وغيرهما.
تقبل شخصية الطفل
تقبلي شخصية طفلك بكل مميزاتها وعيوبها، ولا تعتقدي أنكِ سوف تنجبين قالباً خالياً من العيوب إلى هذه الحياة، فطفلك سوف يكون إنساناً ينضم إلى قائمة البشر الذين يحيطون به وسوف يتأثر بهم، ويجب عليكِ تقبّل شكل طفلك وملامحه، ولا تشعريه بأنه غير جميل مثلاً أو لا يحمل ملامح جذابة، أو تعبّري عن تذمرك لأنه لم يكن بالصورة والهيئة التي وضعتها في مخيلتك.
تقبلي شخصية طفلك من حيث الصفات، فهناك عادات وتصرفات تكون وراثية، ومهما حاولتِ تغييرها لا تستطيعين؛ فهناك طفل سوف ينشأ مستخدماً يده اليسرى، وهذه عادة وراثية مثلاً، كما أن طفلك قد يعتاد على الحركة كثيراً فوق الكرسي، ومهما حاولت لن تستطيعي ثنيه عن ذلك، كما أن الطفل الذي لا يحب الاختلاط كثيراً يصعب تغييره، ويميل إلى الانطواء ولكن يجب عليكِ أن تنتبهي بألا ينسحب نحو الانطوائية مثلاً وتتقبلي حبه للانعزال، ولكن في حدود، فهذا جانب في شخصيته ويجب عليكِ تقبله.
الاستماع إلى الطفل وتشجيعه
استمعي إلى طفلك وأنصتي له بشكل جيد، وأبرزي له أنك تولينه وقتاً واهتماماً، ولا تنشغلي بأي عمل آخر حين يقترح عليكِ رأياً أو يطلب منك أن تساعديه في حل مشكلة، وحين يأتي طفلك لكي يتحدث معك؛ قومي برفعه إلى مستواكِ، ولا تدعيه يتحدث معك وهو في أسفل مستوى نظرك؛ لأن ذلك يُشعره بعدم الاهتمام، ومن الممكن أن تُجلسيه إلى طاولة المطبخ وتستمعي له بكل حب وتتركي ما تقومين به وتتفرغين له، ولا تنسي التشجيع والتحفيز، واتركي له فرصة مناسبة لكي يتحدث بكل ما لديه، وحاوريه وتبادلي معه الآراء، ولا تشعريه بأنك تفرضين رأيك عليه؛ لكي يشعر بالثقة بنفسه وتتعزز شخصيته ويبني أفكاره المستقبلية ورؤيته لحياته، ولكن تحت توجيهك وإرشادك غير المباشريْن.
عدم المقارنة السلبية المحبطة
توقفي عن مقارنة طفلك بالأطفال الآخرين من جميع النواحي؛ لأن المقارنة بحد ذاتها تكون مؤلمة ما لم تكن إيجابية، وإن كان يجب التوقف عن المقارنة الإيجابية؛ لأنها تخلق الغرور وحب الذات والأنانية لدى الطفل، ولذلك فعليكِ أن تتعاملي مع طفلك ككائن منفصل عن الآخرين؛ لأن لكل طفل إمكاناته وقدراته، وهناك فروق فردية بين الأطفال يجب مراعاتها، واعلمي أن المقارنة تؤدي لإحباط طفلك، وتهز ثقته بنفسه، ولا تجعله راغباً في التقدم، وتسلب منه الحافز والطموح لكي ينجح ويتفوق، مستغلاً قدراته ومواهبه.