جريدة الغد

عمان- دعوات واعية نشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي تزامنا مع بدء العام الجديد، وصفت بأنها "الكلام اللافت والمهم" من قبل المتابعين، حيث تم تداولها بكثرة، وتناولت أهمية تعليم الأطفال وتهذيب تصرفاتهم، حتى وإن كانت عفوية، في تقبل الاختلاف مهما كان نوعه بين زملائهم في المدرسة، لتكوين مجتمع مدرسي "ممتع، تعليمي، تربوي، متناسق".

 تلك الدعوة التي قام الآلاف من رواد السوشال ميديا بتداولها وإرسالها فيما بينهم، كانت كفيلة بتسليط الضوء على الكثير من السلوكيات التي تسببت احيانا في حدوث شرخ مجتمعي داخل الصف، سواء من خلال التنمر بأشكاله المختلفة، أو من خلال عدم تقبّل الآخر لاختلاف ثقافته أو بيئته أو مستواه الاجتماعي والمادي.

النصائح الموجهة للأهل، مع بداية العام الدراسي، تلخصت، وفق ما جاء فيها، بضرورة أن "يجلس الأهل مع الأبناء لبضع دقائق يوضحون لهم أن الاختلاف في الأمور الشكلية والمظاهر لا يعني رفض الآخر، وأنه لا يجوز استبعاد أي شخص لمجرد كونه مختلفا، وأن المدرسة هي فرصة للتعلم والاستمتاع والتجربة، وبناء الصداقات، واكتشاف الذات، ومشاركة الآخرين، والابتعاد تماما عن التنمر".

هذه النصائح، التي جاءت بكلمات بسيطة بعيدة عن التكلف والمبالغة في الشرح، لامست قلوب الكثير من الأهالي والمتابعين الذين قاموا بتداولها، وأثارت آلاف التعليقات التي شددت على ضرورة تحمّل الأهل لمسؤولياتهم الأخلاقية والمجتمعية والتربوية، بما يساهم في بناء مجتمع سليم وواع يبدأ من البيت والمدرسة معا، بوجود القدوة في كلا الحالتين.

اختصاصية الإرشاد النفسي والتربوي الدكتورة سعاد غيث، تقول في حديثها لـ"الغد" انه يتوجب على أولياء الأمور، مع بداية كل عام دراسي جديد، تذكر مسؤوليتهم المشتركة في بناء شخصيات إنسانية متساوية، ومواطنين صالحين قادرين على مساعدة أنفسهم ومجتمعاتهم. فالمدرسة، كما تؤكد، شريك أساسي في هذا الطريق، ومكان للتعلّم والتربية، ووسيلة لتنشئة الأطفال على القيم الإيجابية والاحترام المتبادل.

ولكن لكي نصل إلى مرحلة ننطلق فيها ضمن بيئة تربوية جيدة ومثالية، تقترح غيث على الأهل أن يكون لديهم تقليد أو برنامج أسري يتبعونه في التعامل مع القضايا المدرسية، وهو ما يسمى بـ"ميثاق العائلة للعودة إلى المدرسة"، والذي يضم مجموعة من القيم التي ينشأ عليها الطفل ويتعامل من خلالها مع زملائه خارج محيط البيت، وأهمها المدرسة.

وتقول غيث؛ إننا بحاجة إلى تعزيز قيمة "الرحمة والتراحم"، في هذا السياق، فنحن نعيش في عالم مليء بالتحديات والقسوة، ونحتاج أن نعيد إحياء قيمة الرحمة ونرسخ سلوك التراحم بيننا وبين أبنائنا، حتى تنجح كل القيم التي نحاول زرعها. والهدف من ذلك أن "يكون البيت هو البيئة الأولى التي تخرج أبناء يحترمون الآخرين، يرحمون بعضهم بعضا، ويتعاملون بأخلاق عالية ولغة راقية".

وفي هذا الجانب، تقول والدة الطفل أوس إنها اضطرت إلى نقل ابنها هذا العام من المدرسة، وهو في الصف السادس، بسبب ما تعرض له العام الماضي من تنمر كبير من قبل زملائه، نتيجة ظروف اجتماعية وأسرية كانت تمر بها العائلة. وبما أن المدرسة كانت في ذات الحي، شعر ابنها بالنقص والخجل من زملائه، وكان ذلك مدعاة للتنمر عليه من قبل "أبناء الحارة في الصف". هذا الأمر دفعها للبحث عن مدرسة أبعد قليلا، على أمل أن يبني علاقات صداقة جديدة مناسبة له.

وبناء على ذلك، تتمنى والدة أوس أن يكون الأهل أكثر حرصا على توعية أبنائهم بعدم إحراج زملائهم في المدرسة، بقصد أو من باب التنمر. فمهما كانت المرحلة العمرية للطفل، فإن ذلك يترك اثرا كبيرا على حياته لاحقا، كما لمست ذلك في ابنها الذي شعر بالسعادة لانتقاله من المدرسة التي تعرض فيها "للإحراج". وتشدد غيث على الأهل بأن "تعزيز الاحترام والتقدير في كل تصرف وقول، لأن الطفل إذا لم يلمس هذه القيم مطبقة في البيت، فإن أي ميثاق أو تعليمات ستكون مجرد حبر على ورق، ولن يسمعوا أو يتعلموا منها شيئا.

القدوة تبدأ من البيت، فالأب والأم هما المرآة الأولى للطفل، فإذا سمع الطفل والديه يتحدثان بعنصرية أو يطلقان احكاما أو يسخران من الآخرين، فلن يلتزم بما في الميثاق. أما إذا وجد والديه يحترمان الاختلاف ويتحدثان بلغة رحيمة، فسوف يقلد هذا السلوك تلقائيا.

ومن أبرز التعليمات الأسرية التي يجب أن يتضمنها هذا الميثاق، كما تبين غيث، هي "ألا نصدر أحكاما على الآخرين من مظهرهم أو ملابسهم أو سلوكهم أو لونهم أو شكلهم، وأن نبتعد عن الألقاب والسخرية والتجريح، وأن ندرك أن الاختلاف سنة الحياة، والتقبل هو أساس الاحترام، فنقبل الآخر كما هو، ونكون لطفاء ونمنح مساحة للاختلاف، ونمارس التعاطف بدلا من النقد".

وبما أن التعامل اللفظي له أهمية كبيرة في حياة الأبناء وعلاقتهم مع الآخرين، خاصة أن هناك ما يعرف بـ"التنمر اللفظي"، تنوه غيث على ضرورة حرص الأهل على تعليم الأطفال "قاموسا اخلاقيا ولغويا راقيا"، وذلك عبر تربية أبنائهم على استخدام كلمات إيجابية، ومنع أي سخرية أو تنمر في البيت، وفتح حوار مستمر معهم حول كيفية التعامل مع الآخرين داخل المدرسة وخارجها.

ويرى مجاهد أبو الحسن، وهو أب ومعلم، أن كل بداية لعام دراسي جديد تعد مرحلة مهمة في حياة الأطفال، وتستلزم منا أن نكون نحن الموجهين لهم، سواء كانوا صغارا أو كبارا، وخاصة في مرحلة المراهقة، التي يتعرض فيها الأطفال للكثير من المواقف المحرجة أو لحالات "التنمر"، لذلك، من الأهمية بمكان أن يحظى الجميع بالمحبة والاحترام، وأن يحث الأهل أبناءهم على احتواء الآخرين مهما كانت اختلافاتهم.

وينوه أبو الحسن ايضا إلى أن الجهد الأكبر يقع على عاتق الأهل بالدرجة الأولى، ومن ثم المعلمين والمدرسة والقسم الإرشادي، مؤكدا أن الإدارة يجب أن تحث الطالب الذي يتعرض للأذى على التوجه للمدرسة لمعالجة هذه الحالات فيها، مع محاولة عدم إشراك الأهل مباشرة، حتى يتعلم الطالب أن هناك ضبطا وانتظاما داخل المدرسة، وأن كل من يخطئ يعاقب. وعلى أن الأهل يجب أن يكونوا خير عون للمدرسة في هذا الجانب.

أما شيماء جلال، وهي أم لثلاثة أطفال في المدرسة، فترى أن بناء الثقة لدى الطفل يبدأ من البيت، فكما يطلب من الأهل أن يوجهوهم إلى عدم التنمر والاعتداء بل على الاحتواء، عليهم أيضاً أن يعززوا ثقة أبنائهم بأنفسهم، ويكونوا على وعي بحقوقهم وواجباتهم، ليكونوا أسوياء في تعاملهم مع زملائهم ومعلميهم.

ولكي ينجح هذا الميثاق، يجب أن يكون الآباء قدوة حسنة، لضمان تطبيق المبادئ التي نعلمها لأطفالنا في حياتنا اليومية، وإعادة قيمة الرحمة والسلوك التعاوني بين أفراد الأسرة والمجتمع، وتعليم الأطفال أن المدرسة مكان للتربية الأخلاقية والاجتماعية، وأن سلوكهم فيها يعكس تربيتهم في البيت، مع تشجيعهم على التواصل الإيجابي، التراحم، واللطف مع الآخرين. وتوضح غيث أن الصداقات المدرسية تجربة فريدة ومميزة، تختلف عن صداقات الجامعة أو العمل، وتترك ذكريات جميلة لا تنسى، كما أنها تعلم الأطفال مهارات التعامل الاجتماعي. لذلك، يجب أن يحافظ الأطفال على علاقات طيبة ودودة مع من حولهم في المدرسة والمجتمع.

وترى غيث أن على الأهل تعزيز فكرة تقدير التجربة التعليمية، مؤكدة أن المدرسة مكان أساسي للتربية وتهيئة الإنسان للحياة. لذا يجب على الطفل أن يفتح قلبه وعقله لكل ما تقدمه المدرسة من تعليم وخبرات وتجارب، وأن يتفاعل مع زملائه ومعلميه، مقدراً هذه التجربة المدرسية ليستفيد منها في نموه الشخصي والاجتماعي.

وتأمل غيث أن يكون هذا الميثاق دليلا عمليا للأهل والأطفال، ومرجعا لتعزيز الأخلاق والاحترام واللطف في البيت والمدرسة. فعندما يطبق الآباء قيم الاحترام والتقبل، سيتعلم الأطفال بدورهم أن يكونوا قدوة لأقرانهم، ويعيشوا تجربة مدرسية مليئة بالفرح والمعرفة والصداقة. وتؤكد أن هذه القيم مهمة جداً لينشأ الأبناء وهم يحملون قاموسا اخلاقيا ولغويا رفيع المستوى، لأن غياب هذه البيئة يجعل الأمر صعباً للغاية.

وتقول غيث: "الإنسان لا يبنى على العنف أو الضرب أو الإيذاء النفسي أو العاطفي"، مشددة على أهمية تعليم الأطفال الاستمتاع بعلاقاتهم وصداقاتهم في المدرسة، والحرص على تكوين علاقات طيبة ودودة مع من حولهم. فالمدرسة هي المكان الأساسي للتربية التي تهيئ الإنسان للحياة، سواء عبر المناهج الدراسية مباشرة، أو من خلال التفاعل مع الزملاء والمعلمين.

JoomShaper