د. جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين

بلابِلُ اللهِ لمْ تخْرسْ، ولا وُلِدتْ
خُرْساً، ولكِنّ بُوْم الشُّؤْمِ ربّاها

الأم تبتسم لطفلها وتحضنه وتحنو عليه، فتراه يرضع من حنانها، ويرشف من شفقتها، ويتعلم من حنوها وعطفها فهي التي تطعمه اذا جاع، وتدفئه اذا برد، وتضحكه اذا بكى، وتبعد عنه الشر والأذى فلكل ذلك يراها المعلم الأول له في هذه الحياة

يقول حافظ ابراهيم: الأمُ مدْرسةٌ اذا أعْددْتها
أعْددْت شعْباً طيِّب الْأعْراقِ
منْ لِي بِترْبِيةِ الْنِّساءِ فانِّها
فِي الْشرْقِ عِلّةُ ذلِك الإخفاق
قال عبد الملك بن مروان لمؤدب أولاده: «روِّ بني الشعر يعرفوا به مكارم الأخلاق، ولا تروهم شعر هذيل فتزين لهم الفرار، ولا شعر أحيحة بن الجلاح فتحسن لهم البخل»

كم من أبناء وبنات كانوا على خلق ودين وتربية إسلامية صحيحة، ولكن لما تلقفهم رفقاء السوء انقلبوا رأساً على عقب وتغيرت أحوالهم من حال إلى حال

ليْس الْيتِيْمُ منْ مات أبواهُ وخلفاهُ ذلِيْلا
ان الْيتِيْم هُو الذِي تلْقى لهُ أُمّاً تخلتْ أوْ أباً مشْغُوْلا

عوِّدْ بنِيْك على الْآدابِ فِي الْصِّغرِِ
كيْما تقِرّ بِهِم عيْناك فِي الْكِبْرِ
وانّما مثلُ الْآدابِ تجْمعُها
فِي عُنْفُوانِ الْصِّبا كالْنقْشِ فِي الْحجرِ
هِي الْكُنُوْزُ التِي تنْمُو ذخائرها
ولا يُخافُ عليْها حادِث الْغِير

ان على الأب ان يعطي لأبنائه أمثلة واقعية على الأخلاق والمبادئ والقيم، وأن لا تبقى هذه الأمور حبيسة ضمن سياج الأمور النظرية والكلامية فحسب

يأتي الإشكال من ان كثيرًا من الآباء يخلطون بين القسوة المضرة بالأبناء، والحزم اللازم لتربيتهم

يروى ان عمر بن عبدالعزيز أمر بدعوة أبنائه فجاؤوا مسرعين اثني عشر ولداً وبنتاً، شعثاً غبراً، قد زايلت جسومهم الشاحبة نضرة النعيم!!.. وجلسوا يحيطون به، وراح يُعانقهم بنظراته الحانية الآسية..وراح يودعهم بقوله: يا بني ان أباكم خُيِّر بين أمرين، ان تستغنوا ويدخل النار أو تفتقروا ويدخل الجنة، فاختار الجنة وآثر ان يترككم لله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين

قال أحمد شوقي(1):
أُنْبِئْتُ ان سُليْمان الزّمانِ ومنْ
أصْبى الطُّيور، فناجتْهُ وناجاها
أعْطى بلابِلهُ يوْماً –يُؤدِّبُها
لِحُرْمةٍ عِنْدهُ- لِلْبومِ يرْعاها
واشْتاق يوْماً مِن الأيّامِ رُؤْيتها
فأقْبلتْ وهِي أعْصى الطّيْرِ أفْواها
أصابها الْعِيُّ حتّى لا اقْتِدار لها
بِأنْ تبُّثّ نبِيّ اللهِ شكْواها
فنال سيِّدها مِنْ دائِها غضبٌ
وودّ لوْ أنّهُ بِالذّبْحِ داواها
فجاءهُ الْهُدْهُدُ الْمعْهودُ مُعْتذِراً
عنْها، يقولُ لِموْلاهُ وموْلاها:
بلابِلُ اللهِ لمْ تخْرسْ، ولا وُلِدتْ
خُرْساً، ولكِنّ بُوْم الشُّؤْمِ ربّاها

فتش عن المربين

ان البلابل عندما تشدو وتغرد فانها تطرب الاسماع بصوتها الشجي، وتسعد النفوس بترنمها العذب الندي، ولكن اذا أمسك بعنانها من يتلاعب بخلقتها، ويشوه من خصائصها، فانه سيفقدها بريقها، ويعطل تغريدها، ويجعلها مشوهة الخلقة، تنفر منها النفوس، ولا ترغب في سماع صوتها الآذان.

اختيار الزوجة هو أساس التربية

أيها الآباء أيها المربون
ان أولادكم أمانة جعلها الله تحت أيديكم وأنتم مسؤولون عنها أمام الله يوم القيامة، فهم ما ان يفتحوا أعينهم على هذه الدنيا الا ويجدون آباءهم وأمهاتهم أمامهم، فلا يجدون معلماً يتعلمون منه ولا مربياً يتربون على يديه الا آباءهم وأُمهاتهم، فالأم تبتسم لطفلها وتحضنه وتحنو عليه، فتراه يرضع من حنانها، ويرشف من شفقتها، ويتعلم من حنوها وعطفها فهي التي تطعمه اذا جاع، وتدفئه اذا برد، وتضحكه اذا بكى، وتبعد عنه الشر والأذى فلكل ذلك يراها المعلم الأول له في هذه الحياة.
فيا أيها الآباء لابد لكم من زوجات صالحات ليكن مدراس ومعاهد وجامعات لأبنائكم وبناتكم.
فهذه أول خطوة من خطوات السير على المنهج التربوي الصحيح لأولادكم وفلذات أكبادكم.
وهذا ما أوصانا به نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: (تخيرُوْا لِنُطفِكُمْ فانْكِحُوا الْأكْفاء وأنْكِحُوا اليْهِم)(2) وهذا الأمر انما هو لتكون الزوجة الصالحة معدناً طيباً وقدوة حسنة لأطفالها، وما تهاوى صرح أمتنا، وتداعى بنيانها الا لما فقدت وظيفة الأمومة بريقها، وخفت لمعانها، فأدى ذلك الى انهيار مدوٍ في القيم والمبادئ والأخلاق، لأن من شأن هذا الأمر ان ينشئ جيلاً فاشلاً مستهتراً ليس له هدف ولا غاية في الحياة الا اللهو واللعب، والطعام والشراب.
ومن هذا الباب يقول حافظ ابراهيم:
الْأُمُّ مدْرسةٌ اذا أعْددْتها
أعْددْت شعْباً طيِّب الْأعْراقِ
منْ لِي بِترْبِيةِ الْنِّساءِ فانِّها
فِي الْشرْقِ عِلّةُ ذلِك الْاخْفاقِ
فالأم هي المرحلة الأولى من مراحل تربية الطفل.
فاختيار الزوجة الصالحة هو اختيار للمنبت الصالح للأبناء «نساؤكم حرث لكم»– فالوالد كالمزارع في البداية يختار الأرض الصالحة للزراعة وتكون أرضاً طيبة ليكون الثمر طيباً وكما قال تعالى {والْبلدُ الطّيِّبُ يخْرُجُ نباتُهُ بِاذْنِ ربِّهِ}(3) فاختيار الزوجة الصالحة في بداية المشوار من أهم الأشياء في تربية الأولاد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «تُنْكح الْمرْأةُ لِأرْبعٍ: لِمالِها ولِجمالِها ولِحسبِها ولِدِيْنِها، فاظْفرْ بِذاتِ الْدِّيْنِ ترِبتْ يداك»(4) فهذه المرأة التي سيختارها ستكون زوجة له..و أما لأبنائه..و شريكة معه في تربية أبنائه، وهو حق من حقوق الأبناء على آبائهم.
فأيها الأب لا ينبغي ان تدعهم لتربية الخادمات (والتي غالباً ما تكون من غير المسلمين) ولا للفضائيات المدمرة والتي تدعي أنها تسلي الطفل وتشغل وقته ولكن فيها السم النقاع الذي يدمر أطفالنا ويخرب عقولهم.

اختر معلماً لابنك

أما المرحلة الثانية من مراحل تربية الطفل فهي اختيار المعلم والمؤدب للطفل فينبغي على الأهل عندما يختارون معلماً لأبنائهم ان يكونوا على دراية تامة وعلم كامل بهذا المعلم وتوجهاته وأفكاره، فالطفل يتلقى من معلمه أشياء كثيرة ربما يكون لها تأثير كبير في توجيهه وتربيته وأخلاقه، وينبغي أيضاً ان ترفع من شأن المعلم في نظر ولدك، لأن ذلك من شأنه ان يجعل الطفل مؤدباً مع من يعلمه فيحترمه ويقدره، ويكون للمعلومة المتلقاة منه مكانة متميزة تحفزه على تطبيقها والعمل بها.
ولقد كان الخلفاء والملوك والأمراء وكذلك كل العقلاء ينتقون معلمي أولادهم ومربيهم من خيرة العلماء والفقهاء ثم يوصونهم بما يريدون ان يتعلم أولادهم.
فمثلاً انظر ماذا يقول عبد الملك بن مروان لمؤدب أولاده قال له: «روِّ بني الشعر يعرفوا به مكارم الأخلاق، ولا تروهم شعر هذيل فتزين لهم الفرار، ولا شعر أحيحة بن الجلاح فتحسن لهم البخل».
وكذلك ما أوصى به عمرو بن عتيبة مؤدب أولاده فقال: (ليكن أول اصلاحك لنفسك، فان عيونهم معقودة بعينيك فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت.علمهم كتاب الله ولا تملهم فيه فيكرهوه، ولا تتركهم فيه فيهجروه، وروهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفه، ولا تنقلهم من علم لآخر حتى يحكموه، فان ازدحام الكلام في القلب مشغلة للفهم، وعلمهم سنن الحكماء، ولا تتكل على عذر مني لك، فقد اتكلت على كفاية منك) وروى ابن خلدون في مقدمته ان هارون الرشيد لما دفع ولده الأمين الى المؤدب قال له:[يا أحمر، ان أمير المؤمنين قد دفع اليك مهجة نفسه وثمرة قلبه، فصيّر يدك عليه مبسوطة، وطاعته لك واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن، وعرفه الأخبار، ورّوِهِ الأشعار، وعلمه السنن، وبصره بمواقع الكلام، وامنعه من الضحك الا في أوقاته، ولا تمرنّ بك ساعة الا وأنت مغتنم فائدةٌ تفيده اياها، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقوّمه ما استطعت بالقرب والملاينة فان أباهما فعليك بالشدة والغلظة] اذن فالأهل والمعلمون، والمدرسة والبيت شركاء في تربية الأولاد فكل منهم مكمل للآخر ومتضامن في المسؤولية، فليس من الصواب ان يتصور الآباء ان المدرسة وحدها هي المسؤولة عن تربية الأولاد، أو تتخلى المدرسة عن مسؤوليتها التربوية، لذلك وجب على الآباء والأمهات ان يتحملوا مسؤوليتهم مع المدرسة في تربية أولادهم وذلك من خلال:
1 - التردد المستمر على المدرسة والسؤال عن الأولاد تربوياً وتعليمياً.
2 - التواصل الدائم مع المعلمين والمعلمات القائمين على تربية الأولاد.
3 - التفاعل مع أنشطة المدرسة ودفع الأولاد الى المشاركة فيها.
4 - مشاركة المدرسة بالمقترحات والجهود التي تجود العمل وتطوره، مما يعود بالفائدة على أبنائنا وبناتنا.
5 - تربية الأولاد على احترام المعلمين والتواصل مع الزملاء والحفاظ على النظام المدرسي.

علمهم كيف يختارون أصدقاءهم

أما المرحلة الثالثة من مراحل تربية الطفل فهي اختيار الأصدقاء ولسنا نعني ان يختار الآباء أصدقاء لأبنائهم، ولكن ان يعلموهم من يرافقون ومن يصاحبون ومن يتجنبون من الأصدقاء والرفقاء، فالصاحب له تأثير كبير على سلوك الأطفال وأخلاقهم، وكم من أبناء وبنات كانوا على خلق ودين وتربية اسلامية صحيحة، ولكن لما تلقفهم رفقاء السوء انقلبوا رأساً على عقب وتغيرت أحوالهم من حال الى حال ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل».

كثر المربون في زماننا

ولقد زاد عدد المربين في زماننا هذا فقد أصبحت الفضائيات تربي، والانترنت يربي، والاذاعات تربي، ووسائل اللهو واللعب تربي، وكل واحد من هؤلاء يريد ان يصقل شخصية الطفل ويوجه أفكاره حسب ما يريد.
هؤلاء هم المربون الذي يعينون الأب وينازعونه على تربية أولاده فاذا أحسن الانتقاء والاختيار فقد صلحت الثمرة وحسنت النتيجة والا فاذا لم يحسن اختيار الأم الصالحة وتركهم عرضة للمعلمين الذين يبثون أفكارهم وعقائدهم الفاسدة، واذا لم يعلم مع من يمشون ومن يخالطون ويصاحبون ولم يرصد ما يشاهدون وما يتعلمون من وسائل الاعلام والانترنت والفضائيات فعندها سيكون المآل والجواب كما قال الهدهد:

بلابل الله لم تخرس ولا ولدت
خرساً ولكن بوم الشؤم رباها

وكذلك سيصبح الأبناء أيتاماً لأن آباءهم موجودون ولكن كوجود أي شخص آخر في الدنيا لهم لا يهتمون بأبنائهم، لا يفتشون عن أمورهم، لا يعرفون من أصدقاؤهم...
وكما قيل:
ليْس الْيتِيْمُ منْ مات أبواهُ وخلفاهُ ذلِيْلا
ان الْيتِيْم هُو الذِي تلْقى لهُ أُمّاً تخلتْ أوْ أباً مشْغُوْلا

الحكاية الثانية: (كونوا قوامين بالقسط ولو على أولادكم)

يروى عن شريح أنه جاءه ابنه وقال: يا أبت، بيني وبين أحد الناس خصومة، وسأعرض لك القضية، فان كان الحق لي فأخبرني حتى أقاضيهم بين يديك.قال: قل يا بني.فأخذ الابن يقص على أبيه ما بينه وبين الناس، فلما فرغ قال له: ائت بهم، فلما أتى بهم بين يديه حكم شريح للخصوم على ابنه، فلما خرجوا غضب الابن وقال: يا أبت، والله لو لم أخبرك من قبل لوجدت لك عذراً، لكنني أخبرتك قبل ان نحتكم اليك.قال: يا بني، والله انك في عيني أحب الى منهم جميعاً، ولكن الله جل وعلا أعز على منك.

مسؤولية الأب كبيرة

ان دور الأب في هذه الحياة دور عظيم فهو مكلف بأن يبني جيلاً صالحاً وينشئ أمة قوية أبية من خلال تربيته لأبنائه وتعليمه لهم فهو مأمور ان يأخذ بيد أبنائه ليجعل منهم رجالًا أصحاب قيم ومبادئ، ويبرز منهم شخصيات ذات غايات سامية وأهداف نبيلة.
وان غرس القيم الايجابية لدى الأبناء بمثابة الشعاع المنير لعقول البشر، والموجه نحو طريق الحق، والهادي لأسلوب التعامل البشري الراقي نحتاجها كباراً وصغاراً، لنؤسس من خلالها مبادئ حياتنا وقواعد تعاملاتنا، فمنها تتكون عاداتنا ومنها ينبثق استقرارنا، فهي بلا شك كنزنا الثمين الذي يغذي علاقاتنا ويربط بيننا بالحب والخير.

عوِّدْ بنِيْك على الْآدابِ فِي الْصِّغرِِ
كيْما تقِرّ بِهِم عيْناك فِي الْكِبْرِ
وانّما مثلُ الْآدابِ تجْمعُها
فِي عُنْفُوانِ الْصِّبا كالْنقْشِ فِي الْحجرِ
هِي الْكُنُوْزُ التِي تنْمُو ذخائرها
ولا يُخافُ عليْها حادِث الْغِير

التربية تنظير وتطبيق

وان الملاحظ هنا لتصرف شريح القاضي مع ابنه ليتبين له ان على الأب ان يعطي لأبنائه أمثلة واقعية على الأخلاق والمبادئ والقيم، وأن لا تبقى هذه الأمور حبيسة ضمن سياج الأمور النظرية والكلامية فحسب، فتعويد الآباء لأبنائهم على تبني مواقف العدل والعدالة في جميع أعمالهم ومواقعهم منذ الطفولة من خلال مواقف عملية وواقعية ليعتبر أمراً ذا تأثير كبير في حياتهم، لأنهم سيكونون رجال الغد وآباء المستقبل، والعدل من صفات الله، وبالعدل يمكن القضاء على الأحقاد والضغائن والفساد، هذا وعلى الآباء ان يعدلوا بين أبنائهم ويرسخوا في نفوسهم الحب فيما بينهم من خلال العدل بينهم وتربيتهم على الحق والعدل في كل أمورهم وشؤون حياتهم.
لقد شهد الجميع لشريح بحبه للحق وايثاره له ولو على نفسه أو ولده أو الناس أجمعين لا يميز بين ملك ومملوك ولا رئيس ومرءوس، ولا بين قريب أو بعيد.
قد يأتي الاشكال من ان كثيرًا من الآباء يخلطون بين القسوة المضرة بالأبناء، والحزم اللازم لتربيتهم.
فالأطفال يحتاجون الى الحزم، لأنه يقدم لهم حدودًا يلتزمون بها، ويقفون عندها دون ان يشعروا بالضيق، فان لم توجد هذه الحدود سيستمر الطفل في توسيع المجال لنفسه الى ان يصل لدرجة الانفلات ثم يحدث مالا يحمد عقباه.
أما اذا ضعفت الرعاية، وتخلخل البيت، وانقلبت الموازين، بحيث أهمل الولد في سن تفتحه عن حسن التوجيه، أو نشأ في بيئة لا تعرف التوجيه، ورأى القدوة السيئة بالقول والفعل: فانه سيتحول الى عدو يخشى منه، منحرف عن الطريق السوي، ليكون عاقاً لوالديه،، غير مستجيب للارشاد في أمور دينه والمحافظة على شعائر ربه، كما قال سبحانه:ان من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم(5).
فالابن اذا لم يتخلق بآداب الاسلام، ولم يكن في تعامله مع أبوي منطلقا من تعاليم هذا الدين وأوامره، التي يتلقاه امن أبويه في البيت، ومن أساتذته في المدرسة، فانه يكبر وتنمو معه العداوة لوالديه، وتزيد في نفسه الأمور السيئة ليكون فتنة يشغلهما هاجساً ومتابعة واحساساً عن الأمور التعبدية، بل قد يكون هذا الابن ضاراً بوالديه، جالباً لهما المتاعب والمشكلات، بتصرفاته وآثاره حول نفسه ومجتمعه، .
وكان بعض السلف يكرر في دعائه: اللهم لا تجعلني ولد سوء، ولا والد سوء، فالولد السوء يرهق والديه، وتسوءهما تصرفاته، والوالد السوء، ينعكس أثره على أولاده، فيقلدونه لأنهم يرونه نموذجهم، الذي تفتحت عيونهم على تصرفاته، لم ينحز شريح الى ولده أحب الناس اليه وقد صارحه بل حرضه على التوجه للتقاضي فقط لا لشيء أكثر من ان يحفظ حق خصومة ولده وليس ليقضي له بغير حق فيلبس الحق بالباطل بل ليساند العدل وألا يترك شبهة يمكن ان تفتح بابا للأنفس الضعيفة يمكن ان تستغلها..
ان الأبناء، كلما حرص الوالدان عليهم: ذكوراً واناثاً منذ تفتحت عقولهم لتلقينهم: حسن التعامل مع الآخرين، وعدم التكبر والاستعلاء والتأدب في الحديث، واحترام الأكبر منهم وانزال الناس منازلهم، وحسن الاجابة عندما يتكلم من هو أكبر منهم، واتباع الحق أينما كان ومع من كان فانما يغرسان فيهم بذور الخير، التي يأخذها الأبناء جزءاً من كيانهم، فمثلما يغذيه والداه بحسن الطعام والشراب، ومثلما يحرصان على توفير متطلبات الحياة العديدة له في البيت والمدرسة_ تلك الأشياء التي يعتدّ بها الابن، ليفاخر بها أقرانه، فانه لن ينسى مع حسن الرعاية، واحسان الوالدين اليه: الاشادة بهما، وتقدير دورهما نحوه، وعظيم عطائهما وتربيتهما له.
فالأبناء مع أبويهم كالأرض مع المزارع، فان اهتم بأرضه، وأجاد في رعايتها والعناية بها، جاد نبتها، وطاب ثمرها، وان أهملها، وخفّ ميزانها عنده، لن يجد فيها ما يسره، غير الشوك وسيء النبات،، لأن كلاً من الطرفين: يحصد مما بذر،، فان اجتهد وبذل شيئاً نافعاً مفيداً، فانه سيحمد العاقبة في الحصاد، وان أهمل أو زرع شيئاً رديئاً ولا نفع فيه، جاءه من المحاصيل نوع مما زرع جنساً وطعماً، فلن يحصد قمحاً أو أرزاً من بذر ذرة أو شعيراً، لأن الجزاء من جنس العمل.
ولقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم ان التربية العملية للأطفال يجب ان تكون منذ نعومة أظفارهم فلقد أخذ الْحسنُ بْنُ على رضي الله عنهما تمْرةً مِنْ تمْرِ الصّدقةِ فجعلها فِي فِيهِ فقال رسُولُ اللّهِ صلّى اللّهُ عليْهِ وسلّم: كِخْ كِخْ ارْمِ بِها أما علِمْت أنّا لا نأْكُلُ الصّدقة.(6) هذا مع ان الحسين كان طفلاً صغيراً فهو عندما توفي النبي صلى الله عليه وسلم لم يتجاوز الثامنة من عمره.

افتقار وجنة خير من غنى ونار

ولقد ضرب لنا السلف الصالح أعظم المثل في تعليم أبنائهم الحق والخير فمما يروى من ذلك ان عمر بن عبدالعزيز أمر بدعوة أبنائه فجاءوا مسرعين اثني عشر ولداً وبنتاً، شعثاً غبراً، قد زايلت جسومهم الشاحبة نضرة النعيم!!..وجلسوا يحيطون به، وراح يُعانقهم بنظراته الحانية الآسية..وراح يودعهم بقوله: يا بني ان أباكم خُيِّر بين أمرين، ان تستغنوا ويدخل النار أو تفتقروا ويدخل الجنة، فاختار الجنة وآثر ان يترككم لله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين.

هوامش:
1 - القصيدة عنوانها (البلابل التي رباها البوم).
2 - صحيح السلسلة الصحيحة 56/3.
3 - الأعراف 58.
4 - متفق عليه.
5 - (التغابن: 14).
6 - البخاري 1420 ومسلم 2522. 

جريدة الوطن الكويتية

JoomShaper