غزة - أسماء صرصور
"لا يمكنني البقاء صامتًا، لابد أن نتحرك، ونقدم شيئًا ما"... -"يا عادل اصمت نريد متابعة بقية الفيلم"، -"كيف تريدون أن أصمت وهناك من يسيء لأمنا وأم المؤمنين جميعاً عائشة رضي الله عنها؟"، -"وماذا سنفعل أو نقدم، ما زلنا نُعتبر أطفالاً.. بعد العشرين ننصرها".. وانتهى الحوار، وغادر عادلٌ أصحابه قاصداً بيته..

"عادل" ابن الأربعة عشر ربيعاً، وأبناء حارته كانوا مجتمعين في منزل أحدهم، تحت شعار (حلّ الواجبات المدرسية)، ولم يعجب كلامه حول الهجمة الشرسة التي تتعرض لها (عائشة رضوان الله عليها) على ما يبدو أبناء جيله، إذ اعتبروه "حديث كِبار"..

في بيتِه، اختلى بنفسه، وجلس يفكِّر :"كيف يكون لي دورٌ في إنقاذ طهارة أشرف نساء الكون؟".. بالصّدفة، مرّ والده بالغرفة المغلقة، ودخَلَ عليه، فوجده مطرق الرأسِ حزيناً، فحكى له ما جرى..   ردّ والده :"لو كان الإسلام يعلو بجهدِ الكبار فقط، لما اكترث صلّى الله عليه وسلّم بتهيئة "أول صبيٍّ دخلَ الإسلام (علي بن أبي طالب) لحمل همّ الدين، ولا ربّى في الحسن والحسين صغاراً عقيدة التوحيد.."، ثمّ أرْدَف :"يكفيك في ذلك قولَ كلمة حقّ"، ثم غادره تاركاً الطريق أمامه مفتوحاً للتفكير بالوسيلة..
 غضب "كريم" (11 عاماً) حين سمع عن الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأصر أن تكون له وجهة نظر يعبر عنها، وعمد إلى صفحاته وأوراقه البيضاء وألوانه وأخذ يرسم ويلون من أجل الدفاع عن الرسول، وعلق لوحاته في المنزل وصفه في المدرسة 

"كلمة حق.. كلمة حقّ.. ولكن كيف يَسمُعها الجميع؟؟" تساءَل عادِلْ.. ويا للهوْل.. لَقَدْ وَجَدَ "صغيرنا" الفكرة..

 الحلّ أن شَرَع فوراً بتصميم مدوّنة إلكترونية له على شبكة الإنترنت، يدوّن فيها أبرز فضائل أم المؤمنين "عائشة"، ووزّع رابطها من خلال بريده الالكتروني، واتّفق مع مدير المدرسة ومدرّس مادة التربية الإسلامية على تنظيم عدد من الندوات والمحاضرات لتوعية زملائه الطلبة ببعض القضايا الإسلامية المعاصرة..

 وبعد ما لاقاه مخطّطه من نجاحٍ على مستوى مدرسته وأصدقائه.. دعا الله لوالده بدوام الصحّة والعافية (إذ زاد في قلبه حبّ الإسلام ورفَعَ ثقته بكونه قادراً على حمل همّه حتى وهو طفل).. فكيف يمكن لكلّ آبائنا أن يكونوا كوالد "عادل"؟؟ هذا ما سننقاشه في سياق التقرير التالي:

بالورقة والألوان
 "علاء" طفلٌ في الثامنة من عمره، اعتاد والده اصطحابه معه إلى المسجد مع أذان كلّ صلاة، منذ أن بلغ الرابعة من عمره –كما أكّد لنا أبوه- وقال :"في مرة من المرات لم يكن قادرًا على الذهاب لمرضٍ ألمَّ به، فأخذ يبكي، ويقول، يا أبي أخشى أن يكون غيابي سبباً في عدم اكتمال الصفّ الأوّل"، وتابع الطفل ذو الأعوام الثمانية باكياً :"لا أريد لأعداء الدين الشماتة بنا"..

 فما كان من الوالد سوى أن حمَلَه إلى المسجد على كتفيه، وعاد به بعد انتهاء الصلاة، مردداً :"لكم فخرت بموقفه ذاك.. الحمد لله لقد ربّيتُ من يكون للإسلام نصيراً في دنياه، ولي شفيعاً في آخرته".

 أما "كريم" ابن الحادية عشرة، فقد سمع عن الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، فهرع إلى والديه يستفسر عن الأمر لعدم إدراكه ماذا يقصدون؟ فعندما شرحا له تفاصيل الموقف، أصر أن تكون له وجهة نظر يعبر عنها، فعمد إلى صفحاته وأوراقه البيضاء وألوانه وأخذ يرسم ويلون من أجل الدفاع عن الرسول، وعلق لوحاته في المنزل وعلى لوحة الصفّ في المدرسة.

التربية بالقدوة
  بدوره، بين أستاذ التربية بالجامعة الإسلامية د.داود حلس أن لأسرة الطفل الدور الأكبر في التنشئة الاجتماعية، مستدلاً بالحديث النبوي: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه إما يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".

 وأوضح في حديثه لـ "فلسطين" أن الطفل يقلد والديه في بداية عمره، "بالتالي إذا أراد الوالدان أن ينشآ الطفل على حب الإسلام، فلابد أن يمثلا القدوة الأولى له في ذلك"، مؤكدًا أهمية غرس العقيدة فيه بطريقة صحيحة.

 ولَفَتَ النظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مُروا أولادكم بالصلاة لسبع ،واضربوهم عليها لعشر"، وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "دع ابنك يلعب سبع سنين ويؤدَّب سبعاً، وألزمه نفسك سبع سنين فإن أفلح.. وإلاّ فإنّه لا خير فيه"، مبينًا أهمية التربية بالمحاكاة والتقليد للطفل في بداية عمره.
 الطفل يقلد والديه في بداية عمره لذا فلابد أن يمثلا القدوة الأولى له، هناك أسلوب التربية بالحوار والقصة، والطفل يعني المحسوس لا المجرد لذا لابد أن نبدأ معه من الجزء إلى الكل باشتراك الأسرة والمدرسة والمسجد  د.حلس

 وقال: "في هذه الحالة سيشبّ الطفل على النواحي الإسلامية بصورة صحيحة إذا بدأنا معه منذ الطفولة"، مستدركًا: "ولكن في حال كبر الطفل ووصل إلى سن العشرين، عندها لا ينفع معه شيء"، ونفى اعتقاد الغرب القاضي بأن وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة، مؤكدًا أن وراء كل رجل عظيم أسرة عظيمة ربت طفلها تربية إسلامية حميدة.

 وأضاف: "لدينا أيضًا أسلوب التربية بالحوار والقصة"، منوهًا إلى أنه يمكن استعمال هذا الأسلوب لتقريب بعض الأمور التي لا يمكن أن يفهمها الطفل لصغر سنه، مشددًا على عدم إدخاله في متاهات قد لا يستوعبها عقله الصغير.

 وتابع: "الطفل يعي المحسوس لا المجرد، لذا لا بد أن أبدأ معه من الجزء إلى الكل"، مشيرًا إلى أن مسؤولية تربية هذا الجيل تتحملها الأسرة والمدرسة والمسجد وجميع مؤسسات المجتمع المحلي، "وصلاح المجتمع من صلاح الأبناء، وصلاح الأبناء من صلاح الآباء" وفقًا لما قال.

وإلا.. فلا مستقبل!
 من ناحيته، بين أستاذ الشريعة في الجامعة الإسلامية د. زياد مقداد أن الاهتمام بالتربية الإسلامية للطفل تعمل على بناء الشخصية الإسلامية القوية والقويمة، مشيرًا إلى أن اعتمادها يجعل الطفل منتميًا إلى دينه ويعطيه الإيجابية في مستقبله وتقديم الخدمة لمجتمعه عندما يحتاج له.

 ودلل على قوله في حديثه لـ "فلسطين" بقصة موسى عليه السلام حينما اعتنت به أمه ثم انتقاله إلى رعاية آسيا زوجة فرعون وما كان من اعتناء وتربية حسنة له، إضافةً إلى تربية الرسول صلى الله عليه وسلم على يد مرضعته حليمة السعدية التي زرعت فيه الفضيلة والأخلاق وما تبع ذلك من اعتناء بشخصه الكريم.

 وشدد على أهمية الاعتناء بسلوكيات الأطفال وترسيخ السلوكيات الحميدة، مع تصويب الأخطاء التي قد تصدر من الطفل بطريقة سليمة لا تؤثر سلبًا عليه، وبالتالي ينشأ منذ طفولته نشأة صحيحة.

 ولفت النظر إلى ضرورة اعتماد أخلاقيات القرآن الكريم، والفضائل التي حثت عليها الأحاديث النبوية الشريفة كالصدق والأمانة والشجاعة وغيرها..، منوهًا إلى حث الطفل على اتباع الأحكام الشرعية والفرائض وتجنب مع نهى عنه الله وما حذر منه الرسول.

 وأضاف: "إذا مر الطفل بكل هذه المراحل بطريقة سليمة بالتالي يكون لدينا في المستقبل الشاب الملتزم الإيجابي الذي يخدم المجتمع الذي يعيش فيه"، مبينًا أن من اعتاد أن يمتثل للأوامر منذ طفولته سيسهل صلاحه في كبره.

 ودعا مقداد الوالدين إلى ضرورة الاعتناء بالأطفال لأجل صلاح المجتمع، "لأن من أراد لمجتمعه الصلاح عليه الاعتناء بأبنائه في الطفولة، وإلا فلا مستقبل".

 

JoomShaper