أحمد الفلاحي
هل نعاني من سوء فهم في مسألة الانضباط، سؤال يجوز أن نطرحه على أنفسنا، ولا يجب أن نتأفف منه عندما نواجه أنفسنا بمثل هذا السؤال، لأن الإجابة عنه يتحتم عليها الكثير من القرارات، وإن كانت قرارات نفسية على أقل تقدير.
نسب الانضباط – بصورة دائمة للعسكري – وتسرب إلى وعي العوام أن الإنسان المنضبط هو إنسان عسكري، وإن كان العسكر اليوم، كما هو ملاحظ، في كثير من الأحيان لا يظهر عليهم الانضباط الذي نسب إليهم طوال فترات التاريخ، وهنا لا أعمم، فلكل قاعدة شواذ، كما هو معروف.
الانضباط ثيمة رائعة، ومتى اشتغل عليها الجميع، من منظرين، ومن تربويين، ومن أولياء أمور على مستوى الأسر، أو على مستوى ولاة الأمر، لا شك أن المردود الإيجابي لها سيكون مهما، ونتائجه ستكون على درجة كبيرة من الأهمية، لأن في ذلك العودة إلى السلوك الإيجابي، ولان في ذلك التقيد بالنظم والقوانين، ولأن في ذلك إعطاء كل ذي حق حقه، ولأن في ذلك اكتمال استيعاب الوعي المعرفي بالقوانين، وبالأعراف، وفوق كل ذلك احترام الإنسان لذاته، الذي لا يقبل أي إنسان كان أن يقترب منها، حيث الخصوصية المطلقة.
ومتى قدر لأحدنا أن يكون منضبطا، لا شك، أنه سيواجه الكثير من المصاعب، مصاعب في التطبيق، ومصاعب في تضارب المصالح، وسيواجه بالكثير من ردات الفعل غير المتوقعة، بينما يفترض العكس، وهناك ممارسات كثيرة نعيشها من واقع الحياة تؤكد هذه الحالة «اليائسة» ضمن نسيج حياتنا اليومية، وأقول «اليائسة»، لان الإنسان غير المنضبط، هو في حقيقة الأمر إنسان يائس، وبالتالي يرى في الخروج عن الانضباط تحقيقا للذات التي يريد أن يرى فيها نتائج فعله، بغض النظر إن كانت نتائج هذا الفعل تتفق ومصالح الآخرين، أو تتناقض معهم.
هناك شكوى كبيرة من قبل كثيرين من أولياء الأمور، حول تماهي، وعدم بلورة الصورة الحقيقية للمسؤولية لدى الأبناء، وان مجموعة الضوابط التي يتخذها كثير من أولياء الأمور لا تأخذ ذلك البعد التطبيقي لدى الأبناء، حيث يظهر ذلك في ممارسات كثيرة، منها عدم ترتيب الملابس، أو الأسرة بعد النوم، أو عدم غسل الصحون بعد الانتهاء من الأكل، والأهم من ذلك عدم الالتزام بمتطلبات الدراسة اليومية، من حل واجبات، ومراجعة وغيرها، ويرى بعض أولياء الأمور هؤلاء أن مرجع عدم الانضباطية هذه لدى الأبناء إلى الحياة المرفهة التي يولد عليها الابن، أو الابنة، واستمرارها حتى سن العشرين من العمر، فماذا عسى - يتساءل أولياء الأمور - لهذه الانضباطية أن تكون، والابن أو الابنة طوال هذه المدة يقدم له كل شيء على طبق من ذهب - إن جاز التعبير - من حيث وجود العمال، وتوفير كل المستلزمات الضرورية، والترفيهية، وما على الولد سوى الأمر والنهي.
وما ينطبق على الطفل، أو الشاب في كثير من الممارسات المخلة بنظام الانضباط في الأسرة ينسحب ذلك على سلوك كثير من الموظفين في مؤسساتهم، واقلها الالتزام بنظام التوقيع بالبصمة، فحتى هذه الآلة التي يتوقع منها أن تحل إشكالية عدم الانضباط لدى الموظفين، تعاني هذه الأخرى من أزمة تقيد الموظف بالمواعيد، وبالتالي تتسلسل مجموعة التنبيهات، وهذا بدوره يمكن مقاربته بعدم الملتزمين بالسرعات المحددة في الشوارع العامة، حيث يضربون بمراقبة جهاز مراقبة السرعة عرض الحائط.
من مجمل الممارسات غير المنضبطة هذه يمكن أن تقرأ الخلل الذي يعاني منه بعض أفراد المجتمع، وهذا خلل قيمي، وثقافي، وأخلاقي، ويحتاج - بلا شك - إلى أجيال حتى يستقيم
نوافذ.. الانضباط.. ممارسة .. قناعة
- التفاصيل