سهام البيايضة
تعتبر قراءة الكتب من أمتع الهوايات التي يستكين لها محبيها وطالبي العلم ، كل حسب اهتماماته وميوله الخاصة.
يجلس المطالع الى كتاب يضعه بين يديه ..يتنقل بين اسطره ،يقلب صفحاته يستكشف غاية الفكرة أو الموضوع،ينتقل عبره الى عوالم متجددة من المعرفة والمتعة معا.
أبناءنا هذه الأيام أخذتهم التكنولوجيا ونبض الحياة السريع على طريقة موسيقى الروك اند رول ،سريعة،صاخبة خاطفة،أفقدتهم متعة التأمل والتنقل عبر أدمغة الكُتاب والفلاسفة، والتجول في زوايا الفكر وموائد العلم والمعرفة، لقد أفقدتنا سرعة تداول المعلومة عبر الانترنت ووسائل الاتصال المختلفة خصوصية العلم، والاستمتاع الحقيقي بجمال الكلمة ،ورشاقة الحروف، وجزالة المعاني، والتركيز على كنه الموضوع ،والتحليق عبر سماء الأفكار، نتعلم نحلل ثم نركب، لنخرج بافكار واتجاهات فيها اتساع ورحابة من التجدد، وتقبل التغيير، والتعود على وجود الآخر، ليتسع الصدر ولتنتشر أجنحة الإبداع الفكري والإنساني، لا متكبرة ولا متطرفة بل محتضنة لكل جديد ومتقبله لكل مختلف. جماليات متعة القراءة في ابسط جوانبها، سيفتقدها أبناءنا .الذين اعتادوا على الوجبات السريعة والمشبعة بعناصر متخمة دون فائدة . مركزه دون غاية ،يُفوتون على أنفسهم احتواء عالم الكتاب، ليصنعوا شخصياته كما يمليه خيالهم الخاص، يضع الديكورات،ويرتب الموضوع حسب إحداثيات المكان والزمان ..
يصنع من نفسه المخرج والمنتج ويحلل أشخاص الكتاب وموضوعة،حسب مساحات عالمة الخاص من الخيالات الفكرية والنفسية، فيعرف انه ليس وحيداً في هذا العالم، وان هناك الكثير من عوالم النفس البشرية المختلفة، فلا تعود للحياة طابع ثابت ولا رتابة مملة، ولا نمط محدد خانق ،بل تنوع وبنكهات مختلفة وبألوان متعددة وعوالم متسعة فيكون العالم بدون شك أجمل وأمتع، فيه حياة نابضة بدفء الشعور الإنساني . يعز علينا آباء ومربين أن نرى هذه العلاقة، أوشكت على الاندثار، وانحصرت في فئة من طلبة العلم والمختصين في البحث، كوسيلة لنيل الشهادات وتمكين العلم المتخصص، لا من اجل الثقافة والتزود بغذاء العقل المتجدد.
فظهرت لنا صفات تغاير أهل العلم عند فئات امتهنت العلم لتصل الى مناصب، ومراكز تعليمية أفقدتهم أهم صفات العلماء المتذوقين لحلاوة العلم ،المتواضعين أمام زخم المعلومة وتنوعها،والشعور بعدم الاكتمال الفكري بعد، والحاجة الى الاستزادة ،والشعور بأنك لا زلت تقف على الشاطئ ولم تصل الى الأعماق بعد.
المعتبرين لأفاق الطبيعة البشرية، وتنوع مصادر المعرفة وعدم نضوبها ،لتزداد بضخامة العلم واتساعه، مشاعر التواضع والاحترام ،والشعور بالضعف والعجز الإنساني الذي يفجر في الشعور الحاجة إلى الآخرين، والاستمتاع بكل ما هو جميل ،والقدرة على احتواء الجميع واحترام وجودهم وكياناتهم بهذا العالم ،ووضع الأمور في نصابها الصحيح وعدم السماح لتقلب المعايير واضطرابها حسب الرغبات والمصالح، فينجلي بالعلم البصر وتتضح البصيرة.
، لأن سنين العمر قليلة لا تكفينا لننهل من هذه البحور إلا القليل القليل فلا مجال إلا أن نسبر غور حياة الآخرين وأدمغتهم، عن طريق قراءة كتاباتهم، ومعرفة زوايا النظر المختلفة، وطرق التفكير المتنوعة ،ونوازع النفس، وتقلباتها في تلك العوالم البشرية، الممتدة الى عمق الشعور الإنساني، المتنوعة بدوافع الحياة، بتفاؤلها وتشاؤمها ،يحلوها ومرها، نظرتنا الى الكتاب والقراءة،قد تبدلت وتغيرت، وفقدت تواصلها وأسباب بقائها، في ظل انطواء الابناء وتقصير الآباء والمربين، حول تشجيع الابناء على القراءة ، اقلها ، قراءة خمس صفحات في اليوم من كتاب جيد، في أوقات معينه من النهار أو قبل النوم كأفضل موعد ،أو في الإجازات والعطل ،والأهم من ذلك هو قدوة الآباء للأبناء، فكما يسهل على الطفل تقليد والدة المدخن ،لا بد أن رؤية الكتاب في يد الأب سيكون لها اعتبارات تربويه وتوجيهية تغير الكثير من نظرة الاستهجان التي نلاقيها في نظرات من حولنا ونحن منشغلين بالقراءة،.لان صورة الفرد الغربي الذي يحمل كتابه في جيبه دائما ،ينشغل به أثناء انتظاره في عيادة الطبيب أو موقف الحافلة أو عندما يجلس تحت أشعة الشمس في ركن من الحديقة ،و نتمثل بهذه السلوكيات بعد أن قطعنا أشواطا طويلة في الانعزال عن القراءة كعادة وكأسلوب، يهذب النفس ويرقيها،و يحمينا ويحمي الآخرين من الننظرات والتعليقات ومراقبة شؤون الآخرين وإطلاق الأحكام عليهم، وانتقاد تصرفاتهم ،تاركين لأنفسنا حرية الأذى المقصود والغير مقصود !....
لا أجد إلا كتابي يخرجني من هذه الفوضى ،أين وضعت الكتاب ،أنا ذاهبة إليه!!!

JoomShaper