*أحمد علمي عمر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الوقفة الأولى:
إن هذه الواقعة حلت مشكلة اجتماعية كانت موجودة فبل الإسلام . قال الإمام الشافعي: (سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول كان أهل الجاهلية يطلقون بثلاث الظهار، والإيلاء ، والطلاق فأقر الله الطلاق وحكم الإيلاء والظهار ما في القرآن ) فتح البارئ (9/433)
وقال ابن كثير: ( كان الظهار عند الجاهلية طلاقا فارخص لهذه الأمة وجعل في الكفارة ولم يجعله طلاقا،كما كانوا يعتمدون في جاهليتهم وهكذا قال غير واحد من السلف ) تفسير القرآن العظيم (4/321).
وقال فخر الدين الرازي: (إن الظهار كان من اشد طلاق الجاهلية لأنه التحريم أوكد ما يمكن ،وإن كان ذلك صار مقررا في الشرع كانت ناسخة له ، وإلا لم يعد نسخا لأن نسخ إنما يدخل في الشرائع لاعادات جاهلية) التفسير الكبير(29/218) ياالقارئ الكريم لقد أثبت نصوص المنقولة عن علماء الأجلاء أن هذه مشكلة لم وليدة في مجتمعنا الإسلامي .كما أن هذه الواقعة كانت رحمة وتخفيفا عما كان معمولا لدى أهل الجاهلية.
الوقفة الثانية:-
إن معرفة السبب يوثر العلم والفهم على المسبب
قال شيخ الإسلام بن تيمية:معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب . مجموع الفتاوى (13/339) قبل أن تدخل تفسير أية من القرآن الكريم أو قصة من قصص تاريخ الإسلام أفضل للباحث أن ينظر ويراجع أصل هذه الآية أو القصة من مصادرها ودواوين السنة كى لايكون فهمه معوجا ولا رأيه شاذا ولا اجتهاده مع النص, إن كان أهلا للاجتهاد والنظر. قال تعالى : وإذا جاءهم من الأمن أو الخوف أذاعوابه ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر لعلمه الذين يستنبطونه منه ولو فضل الله ورحمته لتبعتم الشيطان إلا قليلا.
الوقفة الثالثة:-
سبب النزول أيات الظهار
روى أبو داود والترمذي والبيهقي والدا قطني والحاكم وابن حبان بأسانيدهم عن عائشة وابن عباس قالت عائشة رضي الله عنها تبارك الذي وسع سمع كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفي علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى الرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهي تقول يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وأنقطع له ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك. قالت عائشة فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهؤلاء الآيات : (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع عليم الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور والذين يظاهرون منكم من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون والله بما تعملون خبير فلم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فلم يستطع فإطعام ستين مسكنا ذلك لتؤمنوا ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب اليم) المستدرك (2/523) وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن جميلة كانت امرأة أوس بن الصامت وكان أويس إمرءا بريه لمم فإذا أشد لممه ظاهر من امرأته فأنزل كفارة الظهار. المصدر نفسه.
وعن يوسف عبد الله ابن سلام عن خويلة بن ثعلبة رضي الله عنها قال في وفي أوس بن الصامت أنزل الله جل وعلا صدر سورة المجادلة .قالت كنت عنده يوما وكان شيخا كبيرا ساء خلقه وضجر،قالت فخل علي فراجعته في شيء فغضب وقال أنت علب كظهر أمي ،ثم خرج يجلس في نادي قومه ساعة ،دخل علي فإذا هو يريد نفسي قالت قت كلا والذي نفس خويلة بيده لاتخلص إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه فواثبني فامتعنته منه فغلبته بما تغلب المرأة الشيخ الضعيف فألقيته تحتي ،ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابا،ثم خرجت حتى جئت رسول الله فجلست بين يديه فذكرت له ما لقيت منه فجعلت أشكو إليه ما ألقي من سوء خلقه .قالت فجعل رسول الله يقول ياخويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه فوالله ما برحت حتى أنزل الله القرآن فتغشى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما كان يغشاه ثم سري عنه فقال ياخويلة قد أنزل الله جلا وعلا فيك وفي صاحبك . قالت :ثم قرأ علي قد سمع الله … فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم مريه فليعتق رقبة.قلت يا رسول الله ما عنده ما يعتق. فال فليصم شهرين متتابعين .قالت فقلت والله يارسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام .قال فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر. فقلت والله يارسول الله وما ذاك عنده قالت قال رسول الله فإنا سنعينه بعرق من تمر.قالت فقلت وأنا يارسول الله سأعينه بعرق آخر.فقال أصبت وأحسنت فأذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيرا قالت ففعلت) . سنن أبي داوود( 2/566) صحيح ابن حبان( 10/108) قال أبود اودد : ( إنها كفرت عنه من غير أن تسامره. وقال السخاوي : نزلت سورة المجادلة بعد سورة المنافقين وقبل سورة الأحزاب. التحرير والتنوير (28/6)
دروس وعبر التي يستفاد من هذه القصة
1/ استحضار عظمة الله تعالى في القلب عند الدعاء
قال ابن عاشور : وقد استحضرت المرأة بعنوان الصلة تتجها بمجادلتها وشكواها لأنها دلت على توكلها الصادق على رحمة ربها بها وبأبنائها وبزوجها. التحرير والتنوير(28/8) كما ينبغي لنا أن نحسن الظن بالله عند الدعاء ونقطع أنه يستجيبنا مالم ندعو إثما أو قطيعة الرحم قال أبو هريرة رضي الله عنه : (ما أخاف أن أحرم الإجابة،ولكني أخاف أن أحرم الدعاء) التمهيد ( 10/299) وقال ابن عبد البر: (وقد علمنا أن ليس كل الناس تجاب دعوته ولا في كل وقت تجاب دعوة الفاضل ،وأن دعوة المظلوم لاتكاد ترد) المصدر نفسه.
وقال القرطبي:( قيل معنى ظن عبدي ظن الإجابة وظن القبول عند التوبة وظن المغفرة عند الاستغفار وظن المجازاة فعل العبادة بشروطها تمسكا بصادق وعده … ولذا ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام مما عليه موقنا بأن يقبله ويغفرله) فتح البارئ (13/386)
2/ كان رسول الله يربي أصحابه مبدأ المبادرة في جميع الميادين وهذه الواقعة منها حيث عرض علي خويلة أنه سيعينه نصف كفارة زوجها ليدخل قلبها السرور والفرحة ويفرج هم العائلة . واقتدت خولة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فتحملت النصف الباقي من الكفارة في نفس المجلس الذي أنزل فيه القرآن ودون علم زوجها .فيالها من شجاعتها فرضي الله عنها حتى قال الأمام أبوداد قوله السابق فليتدبر .
3/ إن تقوى الله كفيلة أن تسيير أمور العائلة على خط مستقيم ، ومعلوم أنه لايخلو بيت من مشاكل إجمتاعية سواء كانت هذه المشكلة كبيرة أوصغيرة ،عندما تبدأ شرارة الخلاف بينهم فإنهم إن يتقوا الله فلا شك أنهم يجدون مخرجا ولهذا كرر النبي خولة عند بداية شكاواها وفي نهايتها وقال تعالى : ( ومن يتق يجعله مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب).
4/ إن سوء الخلق كفيلة من هدم أركان العائلة بأدفه السبب قال ابن عاشور : افتتحت السورة سبب نزولها التي وجهت شكواها إلى الله تعالى بأنها لم تقتصر في العدل في حقها وحق بيتها ولم ترض بعنجهية زوجها وابتدرالى تنثير عقد عا ئلة دون تبصر وروية، وتعليما للنساء الأمة الإسلامية ورجالها واجب الذود عن مصالحها) التحرير والتنوير(29/6)
5/ إن سددت عليك جميع الأبواب فلا تنس أن باب الله لا يغلق أبدا في وجوه الطارق فما لنا لانطرق بابه ونرفع شكاوانا إليه قال فخر الدين الرازي إن هذه الواقعة تدل على من انقطع رجاؤه عن الخلق ولم يبق له في مهمه أحد سوى الخالق كفاه ذلك المهم ) التفسير الكبير(29/218).
6/ إن تكرار لفظ الجلالة له دلالة عظيمة ومعان جليلة.قال ابن عاشور : ( وتكرار أسم الجلالة في موضع إضمار ثلاث مرات لتربية المهابة وإثار تعظيم منته تعالى ودواعي شكره وتنزل رحمته) التحرير والتنوير(28/6).
الوقفة الثالثة:-
غرض نزول هذه القصة
إن للقرآن أغراضا في علاج المشاكل الاجتماعية فما غرض سورة المجادلة ؟
قال ابن القيم : فتضمن هذه الأحكام أمورا منها:-
أ/ إبطال ما كلن عليه الجاهلية وفي صدر الإسلام من كون الظهار طلاقا.
ب/ إن الظهار لايجوز الإقدام عليه. زاد المعاد (5/325-326).
قال ابن عاشور: أغراض السورة في قصة مظاهرة أوس من زوجه خولة وأبطال ما كان الجاهلية من تحريم المرأة إذا ظاهر منها زوجها فإن عملهم مخالف لماأراه الله وأنه من أوهامهم وزورهم التي كتبهم بأبطالها. التحرير والتنوير(28/6).
وواضح من كلام الشيخين أن غرض هذه السورة هو أبطال مما كان عليه أهل الجاهلية وتحقيق الحق وانتظام نظام الأسرة وفق ماأراد الله ورسوله ، وليأخذ المسلمون منهما لاالعادات الجاهلية.
الوقفة الخامسة
في طيات هذه القصة ما ليس بثات فلا نغتر بها.
لقد ملأ كتب التفاسير أخبارا بهذه القصة دون نظر سندها ورواتها وهل آفة الأخبار إلا رواتها ومجمل هذه القصة ما أورده ابن كثير في تفسيره عن جرير بن حازم قال سمعت أبا يزيد يحدث قال لقيت امرأة عمر بن الخطاب يقال خولة ثعلبة ،وهويسيرمع الناس فاستوقفته فوقف لها ودنا لها وأصغى إليها رأسه ووضع يده على منكبها حتى قضت حاجتها وأنصرفت ,فقال له رجل ياأميرالمؤمنين حبست رجالات قريش على هذه العجوز ؟ . قال ويحك وتدري من هذه ؟ قال لا.قال هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع السموات هذه خولة بنت ثعلبة . والله لولم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت عتها حتى تقضي حاجتها إلا أن تحضر صلاة فأصليها ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها. تفسير القرآن العظيم (4/319) قال ابن كثير : هذا منقطع بين أبي يزيد وعمر بن الخطاب . وممن رد هذه القصة الحافظ ابن حجر فقال: هكذا قال أبو عمر في خولة بن حكيم امرأة عبادة بن الصامت وهو وهم اسمها وزوجها وخليدضعيف سيء الحفظ .الإصابة (7/72).
ومما يدل بطلان هذه القصة وضع عمر بن الخطاب يده على منكبها .كيف عمر أن يضع يده على منكب امرأة أجنبية عنه؟بل وكيف ترضى خولة أن يضع عمر منبكبها يده؟وهي ممن بايعت النبي و لم من زوجها بعد أن ظاهر أن يمسها ؟كل هذا يدل أنها غير صحيحة والله أعلم .
الوقفة الساسة
مع أوس بن وزوجه خولة بنت مالك
1/ هو أوس بن قيس أصرم بن فهر بن تميم بن عوف بن عمر بن عوف بن الخزرج أخو عبادة بن الصامت ممن شهد بدراً مات في خلافة عثمان سنة(35هـ) الثقات (3/116). هذا الصحابي جليل لا نذكر في سيرته إلا ثناء حسنا لأنه ممن شهد بدر وقد غفر لهم، كما انه من الأنصار الذين آووا النبي والمهاجرين في ديارهم قال تعالى : ( والذين تبوأا الدار والإيمان يحبون من هاجرهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). وقد بين النبي أن من علامة إيمان الشخص حبه للأنصار. والله أعلم .
2/ أما خولة فهي بنت مالك بن ثعلبة بن أصرم بن فهر كانت عند أوس بن الصامت وقال الإمام مسلم :خويلة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت لم يرو عنها إلا يوسف بن عبد الله بن سلام. المنفرات والوحدان (1/90) قلت وقد رواه أيضا زهير كما قاله الحافظ بن حجر الإكمال لرجال أحمد (1/620)
اختلف المترجمون لها في اسمها واسم أبيها فقالوا : ( خولة وخويلة وجميلة) وقالوا اسم أبيها مالك وثعلبة والذي يظهر لي أن أصح اسمها هو خولة أو خويلة بن مالك لأن جميع الروايات غير رواية يوسف بن عبد الله لا تخلو من ضعف في سندها .وقد حسن الحافظ ابن حجر رواية يوسف . الإصابة (1/156). وأما جميلة فقد يكون لقبها قال الحافظ ابن حجر : ويقال جميله فلعل جميلة لقب.المصدر نفسه ، وأما اختلاف اسم أبيها فلا إشكال فيه حيث ينسب الشخص مرة إلى أبيه ومرة إلى جده. والله أعلم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
*خريج جامعة الملك سعود في كلية التربية قسم التفسير والحديث كما نال منها الدبلوم العالي لتديس اللغة العربية لغير الناطقين بها. ويحضر ماجستير في الحديث جامعة القرآن الكريم (أقوال الإمام عبد الله بن المبارك في الرواة جرحا وتعديلا جمعا ودراسة)، يعمل حاليا مدرسا في السعودية مجازا في القرآت السبع القرآنية، حفظ القرآن الكريم في الصومال منذ طفولته.
وقفات تربوية في قصة (أوس وخولة) رضي الله عنهما للمجتمع الإسلامي
- التفاصيل