الدستور - جمال خليفة
بات الأهل نتيجة مشاغل الحياة اليومية يهملون اطفالهم وقد لا يعيرونهم أي إنتباه. وفي كثير من الاحيان يتركونهم أمام التلفزيون لساعات طويلة دون الاهتمام بنوعية البرامج التي يشاهدونها اومضمونها غير مكترثين بهذا الأمر متناسين تأثير ذلك في النمو العقلي والاجتماعي والجسماني للطفل ، بل وترى ان اكثر الآباء والأمهات يعتقدون ان التلفزيون يسهم في صقل شخصية الطفل وتوسيع مداركه بما يخدم مراحل نموه ، وأنه يحد من سلوك الاطفال المزعج بالنسبة لهم.
ويحذر الاطباء من ترك الاطفال امام التلفزيون لساعات طوال لدرجة الادمان ، ويقولون ان هذا الأمر له اثار نفسية وجسدية في ضمور العضلات ونقص المهارات والركون الى الكسل. والدراسات والابحاث حول مدى تأثير التلفزيون على الاطفال كثيرة جدا وتختلف حسب كل مرحلة عمرية ، لكن جميعها تحتاج إلى إدراك من قبل الاهل بالمخاطر الكامنة في البرامج التي يتلقاها الطفل ، والبحث عن بدائل أخرى تشغل وقت فراغه بدلا من الساعات الطوال التي يجلسها أمام التلفزيون كتوفير الالعاب المعتمدة على المحاكاة العقلية وتوفير الكتب والقصص المناسبة لأعمارهم وإدماجهم في المجتمع وتقوية روح الفريق لديهم من خلال اللعب مع أقرانهم ، او إصطحابهم في زيارات للأقرباء ، او أخذهم في رحلات أسبوعية تشغلهم ، وهذا لا يعني حرمانهم من مشاهدة التلفزيون ، بل على العكس يجب ان يأخذوا حقهم في المشاهدة والتسلية ، لكن مع مراقبة مضمون البرامج التي يجب ان نسمح لهم بمشاهدتها.

نوع من الإدمان
يقول مفيد "معلم مدرسة": لدي خمسة من الابناء ، ثلاثة أولاد وإبنتان ، والتلفزيون أخذ في حياة أبنائي دوري ودور أمهم ، وخصوصا مع وجود هذا الكم الهائل من الفضائيات ، فأصبح سلوكهم تحدده البرامج المفضلة لديهم ، وشخصياتهم هي التي ترسمها لهم شخصيات ما يشاهدونه ويتعلقون به.

ويضيف: ظاهرة "تسمر" او "إدمان" الاطفال على التلفزيون لساعات طويلة لابد ان يكون لها تأثيرات واضحة ، كون هذا الأمر أصبح مشكلة تعاني منها غالبية الأسر ، وهذا يعود إلى عدم توجيه العناية اللازمة لهم من قبل الاهل وإشغال وقت فراغهم بما يفيدهم ، وعدم توفر بدائل أمامهم تبعدهم عن التلفزيون.

وتعرب سحر "طبيبة اسنان" عن خشيتها من العواقب الخطيرة نتيجة ترك الاهل لأطفالهم يشاهدون غالبية ما تبثه الفضائيات ، حيث أصبح هناك نوع من الإدمان على مشاهدة التلفزيون ، وهو أمر في غاية الخطورة لأن الكثير من هذه البرامج تسهم في تكوين شخصية الطفل وغالبيتها تكون غريبة على ثقافتنا وديننا.

وتضيف: التلفزيون هو أكثر الوسائل جذبا للصغير وحتى الكبير ، ويجب ان نعي ماتحتويه بعض البرامج التي تبث للمشاهدة وخصوصا تلك التي يتابعها الأطفال مما يجعلهم يقضون أكثر من عشر ساعات أمام الشاشة لمتابعتها والتي قد يكون فيها ما لا يناسب أعمارهم ، وهو بذلك خطر حقيقي يهدد شخصية الطفل وكيان المجتمع ككل.

تقليد ما يعرض
ويلقي محمود "مدرب سواقة" باللوم على الاهل لتركهم الحبل على الغارب لأطفالهم لمشاهدة التلفزيون بدون رقيب ، حيث ان هذا الجهاز يجذب انتباه الأطفال منذ السنوات الأولى من أعمارهم كونه يخاطب حاسة البصر والسمع عندهم ، وتكون غالبية البرامج تحرص على ان يفهمها الطفل ويسجلها في ذاكرته ويقلد الحركات التي تلفت إنتباهه فيها.

ويضيف: التلفزيون له تأثيرات كبيرة على الاطفال حيث يعمل على جعل الطفل قادرا على التمييز والتحليل ، وينمي مداركه خصوصا البرامج المتضمنة أسلوب العنف والتي تؤثر تأثيرا سلبيا عليه وتترك آثارا نفسية يصعب تجاوزها بسهولة ويكون الاهل قد أسهموا فيها بدرجة كبيرة بسبب إهمالهم في مراقبة ما يشاهدونه.

وتصف هالة "مهندسة" ما تعانيه مع اطفالها نتيجة متابعة ما يعرض على التلفزيون ، حيث تقول: عندما أكون في المطبخ ومشغولة بتحضير وجبة الغداء وأحتاج لغرض معين ، يسمع الجيران صراخي وانا أنادي عليهم بضع مرات دون إستجابة وذلك لأن كل حواسهم تكون متعلقة بما يبث على الشاشة. حتى أننا عندما نتكلم معهم لا ينتبهون في أغلب الاحيان لنا ، ولا يهتمون لما نقوله ، وهذا دليل على ان كيانهم قد عزلته هذه البرامج عما يدور من حولهم.

وتضيف: مع غياب الرقابة على هذه البرامج من قبل الاهل ، فإن ما يشاهده الاطفال على التلفزيون يصبح مثلهم الأعلى ، ويحاولون تقليده دون أن يعوا خطورة هذا التقليد على مستقبلهم وامور حياتهم.

متابعة بالخفاء
وتقول سهى "كوافيرة": أعود من عملي الساعة الثامنة مساء ، وتكون الخادمة قد حضَّرت لنا العشاء ، فنتناوله ثم نسهر ونتحدث ، وعند الساعة العاشرة أطلب من الأولاد الذهاب الى غرفهم للنوم ، حيث كانوا قبل أشهر يتأففون من ذلك ولكنهم أصبحوا ينصاعون للأمر وأحيانا يذهبون الى غرفهم قبل هذا الموعد.

وتضيف: في إحدى الليالي قلقت قليلا ولم أستطع النوم ، وسمعت صوتا في صالة المعيشة ، فتسللت بخفة لأرى ماذا هناك ، فشاهدت الولدين والبنت يتابعون أحد الأفلام على إحدى القنوات الفضائية ، فصرخت فيهم ، فقاموا مسرعين الى غرفهم. وفي اليوم التالي سألتهم عن الأمر فاعترفوا أنهم قد إتفقوا منذ شهر على النوم مبكرا والقيام الساعة الثانية ليلا لمتابعة أحد الأفلام التي تعرض في القنوات الفضائية ثم النوم مرة أخرى قبل ان أصحو لصلاة الفجر.

أما وفاء "معلمة روضة" فكانت تعاني مما يشاهده الاطفال في الروضة من برامج تعرض على الفضائيات ، حيث تقول: في كل يوم ومنذ بداية الدوام في الروضة حتى نهاية الدوام أسمع الاطفال يتحدثون مع بعضهم البعض حول أحد الافلام التي شاهدوها في التلفزيون يوم أمس.

وتضيف: في إحدى المرات سألت أحد الاطفال عن مدى سماح والديه له بمتابعة التلفزيون؟ فقال لي: كثيرا ما يذهب والدي الى الحفلات او السهرات ويتركوننا وحدنا في البيت بعد ان يطمئنوا الى اننا ندرس ، فنقوم بتقليب القنوات الفضائية على أفضل فيلم ، وعندما نسمع صوت السيارة تصطف في الكراج نذهب فورا الى الفراش و"نعمل" أنفسنا نائمين ، ولم يكتشفوا الأمر.

وتشير وفاء الى ان الكثير من الاطفال يمارسون نفس الأسلوب ، وأنهم يشاهدون ما يريدونه بالخفاء عن آبائهم.

خطر كبير
ويحذر الاستاذ فايز عابد "أخصائي نفسي وأسري" من خطر كبير يهاجم عقول الاطفال برضا أهاليهم وعلى مرأى من عيونهم وايضاً بتشجيعهم ، وزيادة على ذلك فإن بعض الآباء والأمهات يجبرون اطفالهم على الجلوس رغما عنهم امام التلفاز ليأخذوا هم راحتهم في عمل ما او زيارة او حديث ، متناسين ان الطفل يقوم بعمليتي الإسقاط والتوحد خلال مشاهدته أحداث معينة في أحد البرامج فيسقطها على شخصيته ثم يتوحد بها ويتصرف كتصرفات هذه الشخصية لأنه يعتبرها القدوة.

ويتابع: الكثير من البرامج التي يتم بثها عبر الفضائيات مستوردة من ثقافات لا تمت إلى واقعنا بصلة ، وهذا الامر يسبب شروخا في شخصية الطفل ويؤدي الى مجتمع هش. لذا يجب علينا كأهل تحديد البرامج التي يشاهدها الاطفال ، وعدم السماح لهم بمتابعة ما نراه خطرا عليهم ، وهذا يتم طبعا عبر المراقبة المستمرة لما يشاهدونه ، واختيار البرامج التي تناسب مراحلهم العمرية وتفكيرهم.

JoomShaper