لم تغادر لين ذات السنوات الخمس باب منزلها دون أن يرافقها أحد من أهلها, كان يومها الأول في المدرسة يوما منتظرا, ويوما مشهودا, تمسكت بيد والدتها جيدا وهي تقودها صوب المدرسة, ولم تكن الأم أقل تشبثا منها, وللحظة بدا وكأنها ستعود بها حالا إلى البيت.
إنها حال الكثير من الأطفال الذين يبدؤون بالذهاب إلى المدرسة, ليتعرفوا على أصدقاء ومعلمين ووسط اجتماعي جديد, لا يعرفون فيه أحدا, بعد أن كان محيطهم يقتصر على الأقارب وبعض الجيران.
والمدرسة أيضا هي المؤسسة الاجتماعية الأولى التي ينضم إليها الطفل, بعد الأسرة, ويذهب إليها بشكل منتظم, وهي مدخله الطبيعي والحتمي إلى مؤسسات المجتمع الأخرى, التي تبدأ بالجامعة مرورا بالمنظمات والهيئات و...الخ.
ولاشك بأن أهمية المدرسة لا تقف عند حدود إعطاء المعلومة, ومنح الشهادة, والعبور إلى الجامعة, بل إنه وعبر العلاقات التي يكونها الطفل في المدرسة فهو يكون صوره الأول عن العالم الخارجي الذي يتصل به, ويؤثر عليه وفيه, ألا وهو المجتمع, ويبدأ بالتعرف على ذاته, وتكوين آرائه, والتفاعل مع سواه والتعلم من غيره, فيما يشكل التجربة الأهم للفرد في تكوين شخصيته عبر تجاربه الأولى مع الأشياء والأفكار والأشخاص.
ولكن هل يدرك الطفل أهمية ذلك؟
لا شك بأنه لا يدرك هذا كله, وأن شعور الرهبة الذي يجتاحه يتولد فقط من دخوله عالما غريبا, عالما لا يعرف فيه أحدا, فيه معلم يفرض حضوره رهبة, والوقت فيه منظم, الكثير من الفروض المدرسية بانتظاره, وهؤلاء الطلاب الذين جاؤوا من كل مكان وهو يراهم لأول مرة, والجرس الذي سيرن معلنا انفصاله عن أمه, وذهابها!
ولكن الأم, التي يفترض بأنها تدرك أهمية ذلك كله يتوجب عليها أن تتمالك نفسها وتهيئ طفلها لدخول هذا العالم بما يساعده على تقبله, بل وحبه.
فالتحضير ليوم الطفل الأول في المدرسة يبدأ قبل ذلك بأشهر, أي حين تخبره بأنه سيذهب قريبا إلى المدرسة, وفي الوقت الذي تحضر فيه الأم ملابس ابنها المدرسية, ودفاتره وأقلامه, عليها أن تحضره للذهاب عبر مساعدته على رسم صورة متخيلة تحاكي الواقع عن عالم المدرسة, والأصدقاء الذين سيحبهم, والمعلم الذي سيكافئه لاجتهاده, ودروس العلوم والموسيقى والرسم, والرحلات, وكل ما هو جميل في ذلك العالم.
ولاشك بأن ذلك يساعد الأم كما يساعد الطفل على التفكير في الوقت الذي ستقضيه دونه في المنزل, وحول كيفية تنظيم الوقت بشكل أمثل إن كانت تعمل داخل المنزل أو خارجه.
ورغم أن كثيرا من الأمهات يبكين في تلك اللحظة التي يتوجب فيها عليهن ترك الطفل والعودة إلى المنزل, فإن الأطباء النفسيين والأخصائيين الاجتماعيين يجدون أنه لا بأس من بقاء الأم بعض الوقت مع الطفل, حتى تعتاد هي والطفل على هذا الجو الجديد, وكي تطمئن إلى أنه في أفضل حال, وتعرفه إلى معلمه وزملائه قبل أن تتركه ليكمل هو تجربته تلك.
هي تجربة يجب التحضير لنجاحها بهدوء لمساعدة الطفل, والأهل.
هنادي زحلوط
مجلة ثرى - العدد 199 تاريخ 19\ 9 \2009 - السنة الخامسة