العرب أونلاين- منال العابدي: يحذّر خبراء الطفولة من الجانب المظلم الذي تحتوي عليه أفلام الكارتون "الموجهة للأطفال" خصوصا لما تشتمل عليه من مشاهد عنف تؤثر سلبا على الطفل، مؤكدين أن ذلك العنف أصبح بمثابة "الرسالة" في تلك البرامج، مما يسهم في توجيه خيال الطفل إلى عالم العنف والجريمة، ويأخذه بعيدا عن القيم المهمة التي ينبغي أن تزرع فيه خلال فترة الطفولة.
وحذر المجلس العربي للطفولة والتنمية في إحدى دراساته من أن برامج الرسوم المتحركة المستوردة، تؤثر، في معظمها، سلبا على الأطفال. ويعلل ذلك بأنها "لا تعكس الواقع ولا القيم العربية"، على اعتبار أن هذه البرامج تأتي حاملة لقيم البلاد التي أنتجتها، وتعكس ثقافتها.
ويشبه العديد أفلام الكارتون الأجنبية بأنها "سلاح" يستهدف عقول الأطفال، باعتبارها من أخطر أنواع الأسلحة التي تفسد عقول الأطفال وتزرع فيهم الممارسات السيئة.
ومن أبرز مسلسلات الكارتون التي بقيت في ذاكرة العديد من الأطفال في الدول العربية:
-مسلسل كرتوني بعنوان "البوكيمون": حشرات أو شخصيات يعتمد عليها اللاعب للفوز على اللاعب الآخر.
- مسلسل كرتوني باسم "أبطال الديجتال" وتم عرضه على عدة أجزاء وأيضا تم تنفيذه في اليابان.
- بات مان "الرجل الوطواط" يُقاتل الشر وأيضا تقريبا نفس السيناريو في المسلسل الكرتوني سوبر مان الذي ينقذ الناس دائما قبل وقوع المصائب.
- سلاحف النينجا وغيرها من المسلسلات الكرتونية جلعت السيوف والرماح أمر عادي وجميل أن يتصارعون بها..
سلوك عدواني
تعتبر البرامج التلفزيونية "والأفلام الكرتونية" التي تنطوي على مشاهد عنف "متنفسا" لكثير من الأطفال لتفريغ انفعالاتهم، ذلك ان تلك المشاهد لم تؤثر باتجاه نبذ العنف أو تقليل الميل نحوه، بل كانت على العكس من ذلك.
ولخصت دراسة اعلامية اجراها الدكتور جليل وادي في جامعة ديالى مجمل النتائج التي تمخضت عنها الأبحاث الميدانية والنظرية بشأن تأثير العنف في وسائل الاعلام على جمهور الأطفال بالنقاط الآتية:
- ان الأطفال يتعلمون العنف من خلال ملاحظة أشخاص يقومون به في وسائل الاعلام.
- ان الأطفال الذين يتعرضون لوسائل الاعلام غالبا ما يقلدون العنف الواقعي وليس العنف الخيالي.
- ان حالات الاحباط النفسي هي الشرط الأساسي لتقليد العنف المتعلم من وسائل الاعلام.
- ان تكرار التعرض لمشاهد العنف في وسائل الاعلام يؤدي الى انعدام الاحساس تجاه العنف والسلوك العدواني بما يجعل الأطفال ميالون الى التسامح مع العنف بكل أنواعه.
- لم يثبت علميا" ان التعرض لمشاهد العنف في وسائل الاعلام يؤدي الى التنفيس عن المشاعر العدوانية المختزنة داخل نفس الطفل.
وتشير الملاحظات السابقة الى ان الرسالة الاعلامية التي تنطوي على عنف جسدي ولفظي يمكنها تنمية العنف والسلوك العدواني لدى الاطفال، ويتضح من ذلك ان الرسالة التلفزيونية العنيفة تكسب الأطفال بعضا من مظاهر العنف والسلوك العدواني.
تباينت الدراسات الاعلامية بشأن ما يمكن ان يؤديه تعرض الاطفال لمشاهد العنف التلفزيوني في جعل الاطفال ميالين او نابذين للعنف، واتضح ان تعرض الاطفال لمشاهد العنف التلفزيوني تجعلهم ميالين لممارسة السلوك العنيف.
وهذا ما اثبتته دراسات عديدة من ان مشاهد العنف كالأعمال الحربية وموجات التمرد وحركة الاجرام وغيرها تجعل الاطفال يشعرون ان الحياة مليئة بمثل هذه الأعمال، بل تبدو مشاهد العنف المعروضة على الشاشة وكأنها انعكاس للعالم الحقيقي، مما يجعل ايقاعات حركتهم تتسم بالعنف.
ويؤكد اختصاصي علم النفس د. محمد الشوبكي أن أفلام الكرتون التي تحمل رسالة العنف، وتحاكي خيال الأطفال، وتبعدهم عن الواقع كثيرا، تؤثر سلبا على عقلية الطفل ونفسيته وعاطفته، كما تؤثر على خلقه وسلوكه اللذين يمكن أن يتغيرا كثيرا بمتابعته لتلك البرامج.
ويشير إلى أنه عند المشاهدة فإن "الطفل في عالم خيالي لا يمكن تحقيقه"، مؤكدا أنه بذلك "يختبر عالما مشوها، مليئا بالعنف والسلوكيات الخاطئة".
ويرى الاختصاصي التربوي د. محمد أبو سعود أن المرحلة الأولى من عمر الطفل حساسة جدا، ويكون فيها الطفل قابلا للتأثر بالعالم الخارجي وما حوله من أفكار وقيم، خصوصاً الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين1 و3 أعوام.
ويبين أن الطفل خلال هذه المرحلة يخزن كل ما يراه ويسمعه في ذاكرته، الأمر الذي يؤثر على طريقة سلوكه وتصرفاته، "فإذا اطلع على العنف، فهو لا بد أن يمارسه مع زملائه وإخوانه".
ويطالب ابو سعود بوجوب ان تكون هناك رقابة على أفلام الأطفال، تحدد فيها آلية وقوانين واضحة تحمي خيال الطفل وميوله في التنشئة.
ويجد الشوبكي من جهته، أن الأطفال من الممكن ان يتعرضوا لحالة من العزلة جراء مشاهدة هذه البرامج، وابتعادهم عن الألعاب التقليدية، فضلا عن اضطرابات في النوم وشعور بالتوتر.
ويحذر من خطورة تعزيز الجريمة لدى الطفل من خلال تقليد الأدوار التي يشاهدونها، مستذكرا الأطفال الذين تعرضوا للموت بسبب تقليد شخصية أحبوها وتعلقوا بها.
لهذا الأمر ينصح الشوبكي الأهل بمراقبة الأطفال، وأن يدركوا ان عقلية الطفل ما تزال غير ناضجة لفهم المشاهدات ومدى حقائقها، خصوصا عند مشاهدة المسلسلات الخيالية البعيدة عن الواقع.
كما ينصح ألا تزيد مدة مشاهدة برامج الأطفال على الساعة يوميا، مؤكدا أن على الأهل بيان السلبيات في تلك الأفلام، ما قد يحد من عدائية وخيال الطفل.
من جهتها، ترى منى يسري استشارية علم نفس الأطفال أنه من كثرة مشاهدة الطفل لأفلام الكرتون ولعب الفيديو فى السنوات الثلاث الأولى من عمره ، قد يؤدي إلى تراجع معدلات ذكائه وقدرته على التواصل والتحصيل.
وتشير الدكتورة منى يسري إلى ان الأبحاث أثبتت ان مشاهدة التلفاز فى سن مبكرة للطفل تؤدي إلى عدم تركيزه كما تجعله كثير الحركة، والطفل أيضا تبهره الألوان وسرعة الحركة في الأفلام الكرتونية فيميل اليها ويحب مشاهدتها بكثرة وهو ما يجعله فى سن الحضانة يمل من شرح الدروس ومن حديث معلمته في تلقي المعلومات.
وأوصت منى يسري الأمهات بضرورة التعرف على أصول تربية الطفل منذ الولادة وذلك عن طريق القراءة أو البحث في شبكة المعلومات الالكترونية أو الاستعانة بمتخصص في علم النفس من أجل تربية الطفل بشكل علمي حتى يتمكن من تجنب المشاكل النفسية والعصبية التي تواجهه في الكبر.
وأوضحت استشارية علم نفس الأطفال ان الأكاديمية الأمريكية للأطفال أوصت بعدم تعرض الأطفال دون الثالثة لأي ألعاب الكترونية أو مشاهدة أفلام الكرتون.
الطفل المشاهد
قال أحد أكبر جراحي المخ في العالم الدكتور "بن كارسون" في خطاب وجهه إلى الأطفال إن نقطة التحول في حياته كانت يوم أن أغلقت والدته جهاز التلفزيون مما أجبره على القراءة.
وفي حين اعتاد الآباء والأمهات هذه الأيام على ترك أطفالهم جالسين أمام شاشة التلفزيون طوال اليوم دون محاولة التعرف على المضمون المقدم لهم حيث يتركونهم عرضة لكل ما يمكن أن يقدم بما فيه من مشاهد عنف وقتل، أخذت تزداد تصرفات الأطفال العدوانية أو عدم المبالاة لديهم.
ولقد أثبتت الأبحاث والدراسات أن معدل جلوس الأطفال أمام التلفزيون هو حوالي 23 ساعة أسبوعيا بما يتخلل ذلك من مشاهد عنيفة وخيالية مما يؤدي إلى حدوث نوع من تبلد الإحساس لدى الطفل أي إن الطفل لا يستجيب انفعاليا لمشاهد يفترض أن تثير الانفعال فلا يحزن من مشاهد الموت ولا يتأثر لمنظر الدماء وغير ذلك.
ويقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك عبد العزيز أبو بكر باقادر إن مشاهدة التلفزيون من الممكن أن تسبب الإدمان ليس للأطفال فقط بل للكبار أيضا إلا أن خطورة التلفزيون على الأطفال بسبب ما يحويه من مضامين كثيرة منها ما لا يتلاءم مع براءتهم.
وأضاف باقادر أن هذا الموضوع أثار بعض المهتمين في الغرب أثناء حرب فيتنام، فبسبب مشاهدة القتلى والجرحى والقنابل التي عرضت بشكل متكرر في ذلك الوقت لم يعد المشاهد يشعر أن القنابل التي تسقط قد تؤذي الناس حقا، وهذا يوضح مدى تأثر المتلقي بالرسالة الموجهة له فما بالنا بالأطفال.
ويؤكد باقادر أن التلفزيون يحدث للطفل نوعاً من الخلط بين الواقع الافتراضي الذي يعرض أمامه وبين الواقع الحقيقي الذي يعيشه، فعندما يشاهد الطفل بطل مسلسل كرتوني تسقط عليه صخرة كبيرة ثم يرفعها عنه ويركض فهذا واقع افتراضي سيصدقه الطفل وربما يقوم بإيذاء أخيه الصغير اعتقاداً منه أنه سيكون بخير ولن يحدث له مكروه.
وهذا الخلط خاصة فيما يتعلق بالأحاسيس مثل الحب والكره والألم والسعادة له آثاره الخطيرة، لهذا ينبه باقادر إلى أهمية ملاحظة المشاهد التلفزيونية التي تعرض على الطفل من قبل أولياء الأمور لأن الإدمان عليه يولد نوعاً من التبلد في المشاعر فكلما كان الشيء المعروض مألوفاً ومتكرراً أمام الطفل سينزعه من الواقع الحقيقي فيعتقد أن ما يحدث في المشهد يحدث في الواقع.
وحول ما إذا كانت المشاهد العنيفة تدفع الطفل لتقليدها وتغيير سلوكه ليصبح عنيفاً يقول الدكتور أبو بكر إن الآراء اختلفت حول هذا الاعتقاد حيث عدَّه بعضهم سلبياً ويؤثر على سلوك الطفل، وعدَّه بعضهم الآخر تفريغاً للطاقة الكامنة في الطفل خاصة إذا كانت المشاهد تعرض ما يسمى بالألعاب النبيلة مثل الكاراتيه والملاكمة.
ويضيف باقادر أن هناك مشكلات جسدية وصحية كثيرة يتعرض لها الطفل بسبب مشاهدة التلفزيون أو الألعاب الإلكترونية بشكل عام لفترة طويلة من حيث وضعية جسمه أثناء متابعته للتلفزيون بالإضافة إلى إصابته بخلل في النظام الحسي بسبب اعتماده في المشاهدة على عضو حسي واحد وتركيز كل انتباهه لما هو معروض أمامه بالإضافة إلى مشكلة قد تصيب العين فيما يخص التمييز بين الألوان الحقيقية لأن الألوان التي يشاهدها على الشاشة غير حقيقية فيؤثر ذلك على قدرة عينية على التمييز.
ويؤكد باقادر أن الدراسات أثبتت أن الطفل هو أشرس عنصر في مسألة الاستهلاك حيث إن تعرضه مدة طويلة إلى الدعاية عن سلع معينة خاصة إذا كانت سلع تخصه يجعله يفرض على أبويه هذه السلعة ويصر عليها حتى يستجيب له أحد الوالدين.
والمشكلة الكبرى هي تطور الوضع مما يجعل بعض الأطفال يفرضون على الأسرة بعض القيم التي استقوها من خلال ما يعرض عليهم في التلفزيون، وبالتالي نستنتج من ذلك أن تأثير الإعلام على الأطفال قوي جداً ويجب الحذر منه بشكل كبير ويجب فرض مراقبة بشكل غير مباشر على ما يعرض للأطفال والمراهقين على السواء.
يوسف الفيلكاوي – أستاذ الاعلام والاخراج التلفزيوني بجامعة الكويت – يرى ان مصطلح المشاهد الطفل لم يعد له وجود في عالمنا العربي، ولم نعد نستطيع التفرقة بين برامج الأطفال وبرامج الكبار، فالطفل أصبح يشاهد برامج الكبار ايضا، وهذا يرجع لعدة أسباب: لقد تغير نمط حياتنا وأصبح هناك اهتمام بالكبار أكثر من الأطفال، بل اننا نلاحظ ان محلات الألعاب قلت جدا كأنه لم يعد هناك أطفال.
مرحلة الطفولة قصرت جدا ايضا فالطفل اليوم يتصرف ويتحدث ويرتدي ملابس مثل الكبار ولا يعيش طفولته، وهذا يرجع إلى مشاهدته لبرامج الكبار، باختصار لم يعد هناك مشاهد طفل لذلك مهما قدمنا له من برامج تناسب سنه فلن يجدها جذابة.
الى جانب ذلك نستطيع ان نقارن بين نوعية الأفلام الكارتونية العربية والأجنبية التي تجذب الأطفال اكثر لأنها تستخدم تكنولوجيا متقدمة في الغرافيك والرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد، بينما الأعمال العربية تفتقر الى تلك التكنولوجيا المتقدمة ولا تستطيع التعامل معها لانها مكلفة جدا، وبالتالي فالاعمال العربية لن تستطيع منافسة الاجنبية على اجتذاب الطفل.
ثم تحدث الفيلكاوي عن وعي المشاهد الطفل وقدرته على التمييز بين جودة الاعمال فقال إن الطفل في السابق كان يشاهد افلام ومسلسلات كارتون بها حيوانات تتحدث بعضها مع بعض ويجد ذلك جذابا اما اليوم فهو يعرف ان ذلك مستحيل الحدوث، بالاضافة الى انه ذكي ومتفتح ذهنيا ويفهم ان هناك قلة في الأعمال العربية وهي لا تصلح له.
عدم ثقته بهذه الاعمال اعطى انطباعا سلبيا للمجتمع الاعلامي العربي واحبط منتجي هذه الأعمال. طفل اليوم يستطيع التمييز بين نوعية الأعمال وجودتها، بل انه يعرف طريقة تنفيذها وموعد نزولها إلى الأسواق من خلال تعامله مع شبكة الانترنت.
ويشير الفلكاوي إلى أن الطفل العربي معرض لفقد هويته الثقافية فالكارتون الأجنبي يسوق بثقافة وحضارة المجتمعات الغربية، وبسبب هذه الأعمال أصبح أطفالنا يجيدون اللغة الانكليزية أكثر من العربية ويتخذون من ملابس ونمط حياة شخصيات الكارتون نموذجا وقدوة.
أفلام الكارتون الأجنبية غزو فكري لعقول الأطفال
- التفاصيل