ميرفت عوف
أشرقت عيناه بابتسامة صافية انسدلت على ملامح وجهه، على كتفيه يحمل حقيبة مملوءة بالكتب والكراسات فهو غادي إلى المدرسة بكل أمل وتفاؤل بأن يحقق في مراحلها حلم التفوق الذي حمله معه من المرحلة السابقة رياض الأطفال..
يستطيع هذا الطفل أن يحقق حلمه بالتفوق إذا ما وجد الاهتمام الأسري بمتابعته دراسياً واستكمال دور المدرسة ويستمر في السعي خلفه إذا ما وجد التحفيز والتشجيع من المدرس الذي يبثه فصول العلم بطريقة سهلة يسيرة تناسب قدراته العقلية مهما كانت فإن امتلك المدرس عقل وقلب الطفل أثمر نجاحاً وتفوقاً منقطع النظير والعكس صحيح أيضاً، وإذا ما وجدت حالة التنافس بين الأقران لتحصيل الدرجات النهائية في المناهج الدراسية وحتى في الثقافة العامة والمعلومات المعرفية يتأجج السعي لديه ليبقى المتميز بينهم، لكن إذا ما ختفت تلك المقومات فلا تفوق يعرف طريقه إلى مشواره التعليمي ولا مستقبل محفوف بالتجاحات ينتظره بل طريق معبد بالأشواك.
" لها أون لاين " في التقرير التالي ترصد تجارب الصغار في التفوق وكيف يقضي الكبار على حلم التفوق لديهم بالفشب، تابع معنا..
خلق الله الإنسان بعقل مفكر فليس من إنسان إلا ولديه قدرات تمكنه من التفوق والتميز والإبداع إذا ما توافرت الظروف الملائمة وأعطيَّ مساحة لتنفيذ أفكاره والتشجيع على استكمالها أو إعادة ترتيب حلقاتها إن أخفق في المرة الأولى أو الثانية، الأهم الدافعية والتحفيز للاستمرار، لكن للأسف بعض أولياء الأمور لا يهتمون بذلك ويشب طفلهم غير قادر على تنفيذ شيء إلا أن يوصيه به أحد، وكذلك المدرسين في المراحل التعليمية الأولى لا يعمدون إلى امتلاك قلبه وترويضه وأحياناً أخرى لا يمتلكون القدرة على التعامل مع التلاميذ وفقاً لطباع كل منهم بمزيد من الصبر والحلم والتوجيه السليم عند الخطأ والتوجيه الأمثل لتنمية مواهبه ومساعدته على إتقانها..
يرى أبو عبد الله أن كثيراً من الأطفال يدخلون إلى المدرسة ويتدرجون في مراحل التعليم وفي داخلهم حلم كبير بالتفوق والتميز والإبداع ليكونوا شموعاً تنير دروب المستقل أمامهم إلا أن كثير منهم أيضاً يجد العقبات أمامه فتعيقه عن تحقيق حلمه وأحياناً توأده قبل أن يكتمل نموه ويسعى إلى تحقيقه ويشير الرجل إلى تجربته الشخصية مع ابنه الأكبر محمود في الصف الخامس الابتدائي، يقول في بداية عمره كنت أتنبأ له بمستقبل زاهر فقد كان فطناً ذكياً لكنه بدأ يتراجع حتى بات متوسط المستوى الدراسي والأسباب كما يرويها الأب مشتركة بين المدرسة والبيت في المدرسة كان دائماً يشكو من الواجبات المدرسية الزائدة عن طاقته خاصة في الصف الأول الابتدائي والثاني ناهيك عن حالة الغربة مع أشخاص لم يسبق له اللقاء بهم الأمر الذي جعله قلقاً خائفاً وليس انتهاءً بأسلوب المدرس في التعامل مع الطفل خاصة إذا زاد عدد الفصل عن ثلاثين طالباً معقباً أن أقل فصل دراسي في المدارس الحكومية أو حتى التابعة للأونروا يتجاوز عدد طلابه الأربعين فلا يكون مجال للمدرس إعطاء وقته للطلبة جميعهم ويبقى التركيز على المميزين فقط وإن كان الطفل مميز في الفهم وإدراك الدروس لكنه يخجل فإهمال المدرس يرجعه خطوات وخطوات عن التميز، وأضاف أيضاً قلة الخبرة لدى المدرس من شأنها أن تعيق الطفل عن التفوق وتحرمه من استكمال حلمه في ذلك داعياً إلى ضرورة أن يراعي في توظيف معلمي الصفوف الأولى ممن لديهم خبرة تربوية لا تقل عن ثلاث سنوات.
برنامج متابعة
وتذهب أم يحيى في رأيها إلى القول بأن انهيار حلم التفوق لدى الطفل خاصة في المرحلة الابتدائية ليس السبب فيه المدرس فقط بل أولياء الأمور لهم نصيب من المسئولية، مشيرة إلى أن بعض الأمهات لا تعرف شيئاً عن منهاج أولادها الدراسي وكل مهمتها فقط أن تدعوه لحل الوظائف المنزلية سريعاً ومن ثمَّ ترتيب جدوله لليوم التالي وإن طلب منها أن ترافقه في المذاكرة تعنفه أحياناً أو تقذفه إلى أبيه الذي يتذمر أيضاً في وجهه بعد عناء يوم طويل من العمل والسعي وراء الرزق ومجدداً يقذفه إلى أمه وهنا يتوه الطفل ويبدأ بالاعتماد على قدراته التي غالباً ما تكون بحاجة إلى توجيه وتحفيز وتشجيع إما للاستمرار على ذات نهج التفوق أو شد العزم على تحسين مستواه ليحظى بمستقبل مشرق بعد الدراسة في جامعة عليا، وعن تجربتها مع أبنائها تؤكد أنها تعمد معهم أسلوب يحثهم على التفوق وينمي قدراتهم العقلية والثقافية، تقول:"لا أتابع معهم الدروس دوماً بل أجعله يعتمد على نفسه أولاً ويجتهد في التفكير والتحليل والتعليل ومن ثمَّ أناقشه فإن أخطأ بالنقاش يستنبط الصحيح ويبدل إجابته" وتشير إلى أنها تجعل وقتاً كافياً من يومها لمتابعتهم دراسياً ووقتاً آخر في نهاية الأسبوع لإجراء الاختبارات التنافسية بين الأشقاء والفائز يحظى بهدية رمزية قد تكون إعداد قالب من الحلوى التي يفضلها أو شراء قصة يقرأها في وقت الفراغ أو الخروج في نزهة قصيرة مع أصدقائه.
الاهتمام ضروري
وترى أم حسن أن الاهتمام بالطفل في مراحل تعليمه المختلفة خاصة التمهيدي ورياض الأطفال ومن بعدها المرحلة الابتدائية ضروري في دفع ونبوغ الطالب في الصف الأول الابتدائي بعد دخوله المدرسة، فكم من طفل في الفصل تجده رائعاً في نشاطه موهوباً في دراسته ذكياً فطناً سريع الفهم والسبب حسب رأيها دخوله المرحلة التأهيلية ما قبل المدرسة "التمهيدي ورياض الأطفال" وكم من طفل يبدو كذلك أيضاً إلا أنه في سنوات متقدمة إذا ما فقد الاهتمام به وبمتابعة دروسه من قبل الأسرة يتأخر دراسياً، وتدلل السيدة على ذلك بتجربة لصديقتها مع ابنها فقد كان بكرها أودعته في رياض الأطفال من مرحلة البستان ومن ثمّ التمهيدي وما إن دخل المدرسة حتى كان يفطن إلى كل الحروف الهجائية وحتي يستطيع تركيب جمل واستمر الحال به على ذلك حتى الفصل الثاني الابتدائي بعدها أنجبت والدته طفلاً آخر وتراجع اهتمامها بشئونه الدراسية ولم تعد بوقتها الضئيل المقسم بين الأعمال المنزلية ومشاغل العلم ورعاية الطفل الرضيع قادرة على الاهتمام بمتابعة دراسة ابنها ففي إحدى الامتحانات أرادها أن تراجع له دروسه كما عادته وتمنحه أسئلة يستعد بها للامتحان لكنها لم تستطع وأسندت المهمة للوالد الذي تذمر وتأفف فقد عاد لتوه من العمل ولديه بعد ساعتين على الأكثر عمل آخر إذ يعمل فترتين أخبره الاعتماد على نفسه دون أن يعوده على ذلك تدريجياً وكانت النتيجة أن تراجع الطفل في الاختبار ولم ينل أعلى درجة كعادته أقل بدرجتين فقط لكن الأمر إزداد سوءً بعد العقاب الذي أنزلته به والدته وهي الأحق بالعقاب ووالده أيضاً، نعته بالمتكاسل وحرمته من المصروف وزادت من إهمالها له في دروسه وبدأ يتراجع كل شهر عن الآخر ومدرسه في حية من أمره يتساءل ماذا حل بأنشط وأذكي تلميذ عندي، وكانت الإجابة الإهمال والتقصير من والديه في متابعته أو حتى توجييه بالطريقة الصحيحة الاعتماد على نفسه بالدراسة ليظل على ذات النهج في التفوق.
تعزيز القدرات ضروي
وترى أستاذ التربية في الجامعة الإسلامية د. فتحية اللولو أن الطفل في بداية عمره الدراسي إذا فقد الاهتمام والتشجيع والتدعيم من قبل الأسرة والمدرسة فإن تفاصيل رقيه إلى مستوى التفوق والإبداع تبقى محدودة، مشيرة إلى أن كثير من الأطفال تكون لديهم نسبة الذكاء عالية إلا أنهم إذا لم يواجهوا ردة فعل وتعزيز مباشر من الأهل ومن المدرسة يصابون بعملية إحباط وبالتالي تتراجع قدرتهم على التفوق والإبداع، ودعت د. اللولو الأسرة أن تتابع تقدم أولادها بشيء من التعزي، موضحة أنه ليس شرطاً أن يكون التعزيز مادي بل بإمكانهم ذلك بمنحه كلمات ثناء معينة، فمجرد أن يظهر الوالدين شعورهما بالرضا عن ابنهما فإن ذلك يعمل على تدعيم وتعزيز قدراته للاستمرار على نهج التفوق، وتتابع أن الهديا الرمزية لها وقع آخر في نفس الطفل وتحث أكثر على التفوق إلا أنها تبقى وفقاً للقدرة المادية للأسرة خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعانيها مختلف الأسر الفلسطينية في قطاع غزة بسبب الحصار وما تلاها من حرب وما يعقبها من اختلافات تشد وتر الحياة بصعوبة أكبر وأقسى.
ولا تنفي د. اللولو أن بعض الطلاب المتفوقين وإن لم يلقوا اهتماماً من الأهل فإنهم يبقوا على ذات النهج إذ يميزه الله بقدرات عقلية عالية إلا أن الإحباط يتسلل إلى قلبه ويتطور إلى شعوره بالظلم من قبل أهله الذسن لا يعيرون تفوقه بالاً سواء بالمكافأة المادية أو المعنوية مما يحدث لديه تراجع في الدراسة تارة، أو يحول اهتمامه من الدراسة إلى أشياء أخرى تجذب انتباهه كالشقاوة والاتيان بتصرفات خاطئة ومشينة ليلفت انتباه أسرتته له، مشددة على خطورة ذلك خاصة إذا لم يفهم الأهل تلك الرسائل واعتبارها مجرد تصرفات عارضة، داعية إلى ضرورة أن تلتف الأسرة لأبنائها وتدعم قدراتهم وتبرزهم وفق ما لديها من إمكانيات وعدم تجاهلها.
موقع لها أون لاين