أ . أحمد عباس
لا أصدق أن الأعوام قد مرت بهذه السرعة فقد كنتِ قبل وقت قصير تلهين أمام عيني.. تمرحين طوال الوقت وابتسامتك البريئة تعلو شفتيك، كنت أرى مع كل خطوة تخطوها قدماك مستقبلاً مشرقًا مليئًا بالآمال العريضة والسعادة.
طفلتي ها أنتي الآن شابة يافعة أنظر إليك بعيوني وأتمنى أن تصل إلى قلبك كل الرسائل التي أحملها لك لأني على قدر محبتي لك وسعادتي بك فإنني أتخوف عليك من أمور كثيرة.
هل علمتي أن حياءك هو سر جمالك الحقيقي وأنه مهما مرت عليك السنوات فإن حياءك سيظل هو التاج الذي يزيّن رأسك ويدل على أن فطرتك كأنثى لازالت حيَّة، وأن الحياء يا بنيتي هو العملة النادرة في هذا الزمان؟
حبيبتي..
هل تعلمين أن احتفاظك بكل ملكاتك ومواهبك الشخصية هو أساس بقائك، والعامل الرئيسي في قدرتك على مواجهة كل تحديات الحياة وابتلاءاتها، لا تظني أبدًا أن عقيدتك الصافية وأخلاقك السامية تفرض عليك أن تكوني نسخة مكررة من فلانة أو علانة من الصالحات أو الفاضلات.

يا قرة عيني..

تذكري دائمًا أن كيانك هو وجودك وأن نفسك هي وسيلتك في الوصول إلى ربك فلا تظني أن زكاة نفسك واستقامتها تكون عبر طمس سماتك، والتنازل عن كينونتك حتى وإن كانت هناك جاذبية في أن تذوب شخصيتك داخل أطر جامدة موضوعة أمامك لنموذج الفتاة المسلمة الملتزمة..

لا تتصوري يا حبيبتي أن دين الإسلام العظيم قد فرض على الفتاة المسلمة قالبًا جامدًا محددًا تتخلى فيه عن صفاتها الخاصة وقدراتها وأسرار تميزها واختلافها عن غيرها من أخواتها المسلمات، بل إن عظمة هذا الدين هو في هامش الحرية الحقيقية التي يجعلها لك مصانة الجانب لكي تكوني متفردة ومختلفة في اختياراتك لحياتك ونظرتك لكيفية إدارة شئونك، وقد وسع هذا الدين شعوبا وقبائل، واحتوى ثقافات ومذاهب.

يا صغيرتي!

لا تتصوري في يوم من الأيام أنك ترس صغير في آلة ضخمة تدور من حولك بل إنك أنت سر الوجود، ومن قلبك سيستمد جيل جديد أسس الكرامة وركائز العزة ومقومات التنمية والبناء، فاعلمي أنك قادرة على انتشال، وبناء أمة استحقت بجدارة وصف "الخيرية" لقرون خلت.

حبيبتي الغالية..

أعلم كم تتوقين لكي تكوني أمًّا لكن هل تدركين كم أن هذه مسئولية عظيمة لأنك ستمضين عمرك حارسة لثغر من أهم الثغور فعلى يديك سيأتي جيل جديد يحمل همّ الإسلام ويسعى في الأرض من أجل رفعة راية التوحيد ويعيد إلى المسلمين أمجادهم السليبة؟

غاليتي أتمنى عليك منذ هذه اللحظة أن تعاهدي ربك بأنك لن تتخلي أبدًا عن ذكره سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا وأن تعيشي كل موقف في حياتك وأنت تستحضرين في قلبك ووجدانك اسمًا من أسماء الله تبارك في علاه يتناسب مع حقيقة ما تواجهينه فأنت تعلمين أن عبادتك الحقيقية لله ليست فقط في أداء الشعائر وإنما في أن يكون قلبك موصولاً به في كل ابتلاء من الابتلاءات التي تعترض طريقك في الحياة.

حبيبتي أريدك أن تعيشي بقلبك ولا تتوقفي عن الإحساس تذكري دائمًا أن دفقات المشاعر في قلبك هي وقود الحياة وبدون هذه المشاعر الحية التي تتفاعلي بها مع الواقع المحيط بك ستكونين يا حبيبتي وبدون أن تدركي قد خذلت أحد أهم مقومات الدعوة إلى الله كما جاء بها المصطفى صلى الله عليه وسلم، ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام كان يعيش بمشاعر قلبه مع كل المحيطين به ويربط بالاحساس الصادق واقع الدعوة إلى الله بواقع الناس من حوله

JoomShaper