عمر السبع
هل أنت مرب ناجح؟
ما هي الصفات التي تحتاجها حتى تكون مربيًا ناجحًا؟
أسئلة تطرح نفسها بقوة على كل من تصدى لمهمة بل لأمانة التربية، هل نحن مربين ناجحين؟ وهل نمتلك من الصفات ما يؤهلنا لهذه المهمة العظيمة؟
قبل الإجابة على هذه الأسئلة، ينبغي أن نعلم تمامًا أننا إذا استطعنا أن نصنع من أنفسنا مربين ناجحين، فإننا في الغالب سنصنع متربين ناجحين.
ولعل أهم ما يجب علينا فعله بداية ـ كمربين ـ أن نحوز الصفات الإيجابية ونتمثلها تمام التمثل، تلك الصفات التي لا ينبغي للمربي أن ينفك عنها...
ونحن نعرض هنا لخماسية من الصفات الرائعة التي على المربي أن يتزين بها، في مهمته الجليلة وكلما تحلى بها كلما كانت العملية التربوية ناجحة غنية.
فلنبدأ بالصفة الأولى...
العلم:
عُدَّةُ المربي في عملية التربية. فلابد أن يكون لديه قدر من العلم الشرعي، إضافة إلى فقه الواقع المعاصر.
والعلم الشرعي: ونقصد به علم الكتاب والسنة، فعلى المربي أن يتعلم بداية القدر الواجب على المكلف أن يتعلمه، كما بين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هذا القدر قائلًا: (وقد حدده العلماء بأنه "القدر الذي يتوقف عليه معرفة عبادة يريد فعلها، أو معاملة يريد القيام بها، فإنه في هذا الحال يجب أن يَعرف كيف يتعبد الله بهذه العبادة وكيف يقوم بهذه المعامل) [كتاب العلم، للشيخ محمد بن عثيمين، ص(21)].
إن العلم بدين الله سبحانه، لهو عامل مهم من عوامل استقامة النفس البشرية، وكلما تشرب المربي من هذا النبع الفياض كلما أغدق على أبنائه منه، فازدادوا استقامة بإذن الله.
وعلى عكس ذلك فإن المربي إذا كان جاهلًا بالشرع؛ يكون حائلًا بين أولاده وبين نور الشرع والحق بدلًا من أن يكون جسرًا لهم موصلًا إلى أنوار الشرع الباهر.
وإذا نظرنا إلى معظم الأخطاء التي تقع من البشر في العقيدة والعبادة؛ سنجد أنها أخطاء قد ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، ويظلون في ظلمات هذه الأخطاء إلى أن تبددها أنوار الحق والشرع والعلم.
كما يحتاج المربي (أن يتعلم أساليب التربية الإسلامية ويدرس عالم الطفولة، لأن لكل مرحلة قدرات واستعدادات نفسية وجسدية، وعلى حسب تلك القدرات يختار المربي وسائل زرع العقيدة والقيم وحماية الفطرة السليمة.
ولذا نجد اختلاف الوسائل التربوية بين الأطفال إذا اختلفت أعمارهم، بل إن الاتفاق في العمر لا يعني تطابق الوسائل التربوية؛ إذ يختلف باختلاف الطبائع.
وعلى المربي أن يعرف ما في عصره من مذاهب هدَّامة وتيارات فكرية منحرفة، فيعرف ما ينتشر بين الشباب والمراهقين من المخالفات الشرعية التي تَفدُ إلينا؛ ليكون أقدر على مواجهتها وتربية الأبناء على الآداب الشَرعية [تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان أبو رموز، (45)].
الأمانة:
(وتشمل كل الأوامر والنواهي التي تضمنها الشرع في العبادات والمعاملات. ومن مظاهر الأمانة أن يكون المربي حريصاً على أداء العبادات، آمراً بها أولاده، ملتزماً بالشرع في شكله الظاهر وفي الباطن، فيكون قدوة في بيته ومجتمعه، متحلياً بالأمانة، يسلكُ في حياته سلوكاً حسناً وخُلُقاً فاضلاً مع القريب والبعيد في كل حال وفي كل مكان؛ لأن هذا الخُلُق منبعه الحرص على حمل الأمانة بمعناها الشامل) [تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان أبو رموز، (45)].
القوة:
هل أنت مرب قوي؟
بالطبع لا نقصد ـ فقط ـ القوة الجسدية بل القوة تفوق ذلك بمراحل .. قوة جسدية، قوة فكرية، قوة أخلاقية... وهذه هي ثلاثية القوة التربوية، فهل أنت قوي؟
يمكنك أن تكون قوي في مراحل طفلك الأولى، لأن مستواك العقلي لاشك أقوى، لكن قليل أولئك الآباء الذين يظلون أكبر وأقوى من أبنائهم ولو كبروا.
وهذه الصفات ينبغي أن تكون موجودة في الأب بصورة كبيرة، ولكن ربما بعض الأشياء تكسر هذه القوة داخل الأسرة وتضعف من قوامة الرجل داخل بيته، ومنها:
أن تكون المرأة نشأت في بيت تقوده المرأة، والرجل فيه ضعيف منقاد، فتغضب هذه المرأة القوامة من الرجل بالإغراء، أو التسلط وسوء الخُلق، واللسان الحاد [منهج التربية الإسلامية، لمحمد قطب، ص280].
أن تعلن المرأة أمام أولادها التذمر أو العصيان، أو تتهم الوالد بالتشدد والتعقيد، فيرسخ في أذهان الأولاد ضعف الأب واحتقار عقليته [كيف نربي أطفالنا، لمحمود الاستانبولي، ص70].
أن تَعرض المرأة على زوجها أمراً فإذا أبى الزوج خالفته خفية مع أولادها، فيتعود الأولاد مخالفة الوالد والكذب عليه.
ولابد أن تسلم المرأة قيادة الأسرة للرجل، أباً كان أو أخاً كبيراً أو خالاً أو عماً، وعليها أن تنقاد لأمره ليتربى الأولاد على الطاعة، وإن مَنَعَ شيئاً فعليها أن تطيع [تربية البنات، لخالد الشتنوت، ص69].
وفي هذه الحالة، إن خالف بعض الأبناء في ذلك فعلى الأم أن تخبر الوالد ليكون على علم، ولا تتستر فهي شريكة زوجها؛ فعليها أن تخبره ويتشاركا في الحل سويًا؛ إذ أن كثير من المشاكل داخل الأسرة تنبت من تستر الأم على أبنائها ومخالفتهم.
(وفي بعض الأحوال تصبح الأم في حيرة، كأن يطلب الأولاد شيئاً لا يمنعه الشرع ولا الواقع، ولكن الأب يمانع لرأي يراه قد يفصح عنه وقد يكتمه، فيحاول الأولاد إقناع الأب فلا يقتنع، ففي هذه الحال لابد أن تطيع المرأة، وتطيّب نفس أولادها وتبين لهم فضل والدهم ورجاحة عقله، وتعزيهم بما في الحياة من أحداث تشهد أن للوالدين إحساساً لا يخيب، وهذا الإحساس يجعل الوالد أحياناً يرفض سفر ولده مثلاً، ثم يسافر الأصدقاء فيصابون بأذى فيكون رفض الوالد خيراً وذلك بسبب إحساسه) [تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان أبو رموز، (46)].
العدل:
إذا أردت أن ينقاد لك أولادك، ويسمعوا ويطيعوا وهم راغبين محبين، فعليك أن تقيم العدل بينهم ولا تميل إلى أحدهم على حساب آخر، فتجحف حقه، في المال والعاطفة والوقت وغير ذلك.
والعدل مطلوبٌ في المعاملة والعقوبة والنفقة والهِبَة والملاعبة والقُبَل، ولا يجوز تمييز أحد الأولاد بعطاء لحديث النعَمان المشهور حيث أراد أبوه أن يهبه دون أخوته، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أشهد غيري فإني لا أشهد على جور"، إلا أن هناك أسباباً تبيح تمييز بعض الأولاد كاستخدام الحرمان من النفقة عقاباً، وإثابة المحسن بزيادة نفقته، أو أن يكون بعضهم محتاجاً لقلة ماله وكثرة عياله [انظر المغني، لابن قدامة].
ولا يعني العدل تطابق أساليب المعاملة، بل يتميز الصغير والطفل العاجز أو المريض [كيف نربي أطفالنا، لمحمود الاستانبولي، ص76].
وتنبه أيها المربي الكريم!
فإن مما يزرع الكراهية ويورث البغضاء في نفوس أبنائنا تلك المقارنات التي نعقدها دومًا بينهم، فهذا جميل وهذا قبيح، هذا ذكي وهذا غبي، هذا مسئول وهذا مهمل... فاحذر المقارنات فإنها تشعل الصدور بالحقد والكره.
الحرص:
إن الحرص الذي نقصده ليس هو الخوف المفرط على أبنائنا ولا هو الدلال الزائد، بدعوى الحرص على الأبناء، بل قد ينقلب ذلك إلى عكسه، فالشيء إن زاد عن حده انقلب لضده.
(والأم التي تمنع ولدها من اللعب خوفاً عليه، وتطعمه بيدها مع قدرته على الاعتماد على نفسه، والأب الذي لا يكلف ولده بأي عمل بحجة أنه صغير كلاهما يفسده ويجعله اتّكالياً ضعيف الإرادة، عديم التفكير. والدليل المشاهَد هو: الفرق الشاسع بين أبناء القرى والبوادي وبين أبناء المدينة) [كيف نربي أطفالنا، لمحمود الاستانبولي، ص62-63].
والحرص الذي نقصده، وه الحرص الذي يثمر حبًا وودًا: هو إحساس متوقد يحمل المربي على تربية ولده وإن تكبَّد المشاق أو تألم لذلك الطفل. وله مظاهر منها:
الدعاء: إذ دعوة الوالد لولده مجابة لأن الرحمة متمكنة من قلبه فيكون أقوى عاطفة وأشد إلحاحاً ، ولذا حذر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الوالدين من الدعاء على أولادهم فقد توافق ساعة إجابة.
المتابعة والملازمة: لأن العملية التربوية مستمرة طويلة الأمد، لا يكفي فيها التوجيه العابر مهما كان خالصاً صحيحاً.
والملازمة وعدم الغياب الطويل عن البيت شرط للتربية الناجحة، وإذا كانت ظروف العمل أو طلب العلم أو الدعوة تقتضي ذلك الغياب فإن مسؤولية الأم تصبح ثقيلة، ومن كان هذا حاله عليه أن يختار زوجة صالحة قوية قادرة على القيام بدور أكبر من دورها المطلوب [تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان أبو رموز].
وفي الختام..
فهذه صفات خمسية عليك أن تأخذها بقوة وتطلقها في واقع تربيتك لأبنائك..
علمًا، وأمانة، وقوة، وعدلًا، وحرصًا.. حينها تنبت تربيتك نباتًا حسنًا فهنيئًا لك من مرب ناجح نحرير.
المصادر:
· تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان أبو رموز.
· كيف نربي أطفالنا، لمحمود الاستانبولي.
· كتاب العلم، للشيخ محمد بن عثيمين.
· منهج التربية الإسلامية، لمحمد قطب.
· تربية البنات، لخالد الشتنوت.
خماسية الصفات الرائعة
- التفاصيل