نجوى أحمد شاهين
لماذا ننزعج من شخصية الطفل الابتكارية، أو الطفل المتميز، و لماذا نهاجم شخصية البنت القوية، أو نخاف منها، ولماذا نسعى إلى التفنن في  القضاء على موهبة الطفل وتميزه، فنحاول أن نهدم شخصية الطفل المبدع، أو حتى لماذا لا نحسن التعامل مع أبنائنا عموماً.
هذا الأمر تعرفت عليه من خلال تدريسي في المدارس لأكثر من 20 عاما، واكتسبته بالخبرة الطويلة في هذا المجال، ولعل ما سأورده من أفكار قد تكون موجودة في بعض المباحث العلمية أو الدراسات الأكاديمية المتخصصة، ولكني أريد أن أكتب هذه التوجيهات من ذاكرتي، أو من دروس أو محاضرات سمعتها سابقا وظلت متعلقة في ذهني، وأسجلها الآن من خلال خبرتي وتجاربي في المدارس، والمنزل وفي بعض اللقاءات أو الدروس أو المحاضرات، وإن شاء الله ستكون بلغة سهلة بعيدة عن الأبحاث العلمية التي قد تكون صعبة.
أهم الأماكن التي يتم فيها قتل موهبة الطفل: المدرسة، المنزل، ثم نبين لماذا نخاف من شخصية البنت المتميزة، أو صاحبة الشخصية القوية. المدرسة: قد يتم التفنن في المدارس لقتل شخصية الطفل المتميز، أو تدمير إبداع الطالب الموهوب، ويتم ذلك إما من المدرسين الذي قد يشعرون أن الطالب متميز في مادة معينة، وقد يحرج الأستاذ في مسألة أو معضلة أثناء المناقشة أو الحوار، أو أثناء تلقي الإجابة على سؤال مطروح، ويتم السخرية من إجابة الطالب، أو عدم الصبر على إجابة الطالب الذي يفكر بطريقة مبتكرة، فيكون رد الفعل الغاضب أو الرد الفوري القوي من المدرس، بدلا من استيعاب هذه الموهبة أو تنميتها، أو الاستفادة من هذا التميز، أو يظن المدرس أن الطالب يتحداه أمام الطلاب ويريد إحراجه، و لا يملك الأستاذ الشجاعة الكافية في الاعتراف بعدم العلم لهذه المسألة، وأن المدرس سوف يبحث هذا الموضوع لاحقا، ويتوسع في البحث ويأتي بالرد المناسب، وبعض المدرسين يقوم برد فعل هادئ مع تبييت النية لقتل موهبة الطالب، وإثارة الطلاب ضده، أو إشعال نار الغيرة بين وبين زملائه، وبعضهم قد يتصرف معه بغباء أو بحماقة أو أحيانا بتوجيه لطمة على وجهه، تؤدي لإصابة الطالب المتفوق بالإحباط، أو باليأس، والنتيجة قتل موهبة هذه الطالب المتميز بدلا من تنميتها.
المنزل: يتم قتل موهبة الأطفال الصغار في البيوت، عندما يضيق الآباء من أسئلة الطفل الصغير خاصة الموهوب، أو الطفل كثير الحركة ويحاولون إسكاته، وإشغاله بألعاب لا يتعلم منها الابتكار، أو يتركونه أمام الألعاب الإلكترونية التي لا تضيف أي تنمية لموهبة الطفل، أو يتركونه أمام شاشات التلفاز، ومشاهدة أفلام الرسوم المتحركة (الكرتون)، ويتعود الطفل على ذلك، وقد يصاب بالكسل، أو الغباء، و تكون المحصلة في عدم تنمية الطفل المتميز أو الموهوب.
وأما قتل موهبة الأطفال أو الصبية والبالغين، يتم ذلك بعدم السماح للحوار، أو النقاش أو تقبل رأي الأولاد لأنهم ما زالوا صغارا، مع عدم تدريبهم من الصغر على إبداء الرأي، أو عرض الأفكار، وإذا صبر الوالد أو الأهل على سماع الطفل فيتم السخرية من رأيه، أو الاستهزاء من طريقة كلامه، أو طلب الاختصار الشديد الذي لم يحسنه الابن، أو لم يتدرب عليه، فتكون وسيلة لعدم الإنصات إليه؛ لعدم وجود الفراغ، أو عدم وجود متسع من الوقت، أو يتم نهره بأنه رفع صوته أكثر من اللازم، ولم يتأدب، ويخرج الحوار من النقاش وعرض المواهب أو الاستماع للأفكار إلى درس أو عتاب في عدم رفع الصوت، أو مراعاة حقوق الوالدين عند الحديث معهم، ويحدث دائما أن يستحضر الوالدان قاموس المنهيات، والمنع من الحوار وإنهاء النقاش لمجرد حصول خلاف في الآراء، ويتم بذلك قتل موهبة الطفل، أو كبت أفكاره، أو الهجوم على إبداعاته.
متى ننجح في تربية الأبناء: ويظن بعض الآباء أن النجاح في تربية الأبناء يكون بالإنفاق عليهم، وتوفير احتياجاتهم، وتعليمهم في المدارس، أو تخرجهم من الجامعة، أو يظن الآباء بأنهم أحسنوا تربية الأولاد إذا كان الولد مؤدبا ومطيعا، وهادئا وغير مزعج! وغير ذلك من الأمور المألوفة والمعروفة، ولكن في الحقيقة أن هذه الأمور جزء من التربية، ولكن التربية الناجحة في تدريب الأبناء على كيفية مواجهة مشكلات الحياة، والوقوف أمام الصعوبات، وكيفية التصرف بهدوء وحكمة عند الوقوع في مأزق أو مشكلة، أو يتم النجاح في التربية بوصول الأبناء لحسن التعامل مع الآخرين، أو كيفية التخلق بالأخلاق الفاضلة، أو كيفية تأسيس أسرة متماسكة، مع الإحسان إلى الزوجة وكيفية تربية الأبناء، وكل هذا لا يتم إلا من خلال إعطاء الفرصة لتنمية موهبة الطفل.
لماذا نخاف من شخصية البنت المتميزة أو لماذا نهاجم شخصية البنت القوية ونقتل تميزها، أو نتفنن في مهاجمتها؟ هل خوفا على مستقبلها، أو لعدم تنمية شخصيتها حتى تنجح في طاعة زوجها مستقبلا؛ وحتى لا تكون زوجة متسلطة، أو فتاة جريئة قليلة الحياء، وقد تفشل في إنجاح الأسرة، أو تقود الأسرة التي من المفترض أن يكون الزوج هو القائد فيها، ونتخوف من شخصية الزوجة القائدة المتسلطة، فنحاول أن نكسر شخصية البنت القوية، أو نضعف من شخصيتها حتى تستطيع معاشرة الزوج وطاعته.
ولماذا تسرب إلينا أن الشخصية القوية للبنت يعتبر عيبا يجب التخلص منه، مع أن البنت المتميزة أو ذات الشخصية القوية ليست لها دخل في إيجادها، بل هذا خلق الله تعالى، ويمكن فقط تهذيب هذه الشخصية، وتدريبها على التحلي بالأخلاق الحميدة، وتعليمها كيف تكون شخصيتها القوية ميزة وليست عيبا، فهي ميزة حتى لا تقلد الغربيات التقليد الأعمى المنهي عنه، بل يكون للبنت شخصية قوية في الحفاظ على دينها وعدم التأثر بمغريات الحياة الدنيا وزينتها،  ويعمل الآباء والمربون على إكسابها الخبرة في حسن التعامل مع الزوج، وأن تكون جريئة في اتباع الحق، مع عدم التخلي عن الحياء والخلق القويم.
وإذا نظرنا في التاريخ وجدنا بعض النساء صاحبات الشخصيات القوية قد أنقذت قومها في بعض المواقف، أو التصرفات الحكيمة من المهالك، أو وقفت بجوار زوجها في أوقات الشدائد، مثل موقف أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها من تأييد وإعانة الرسول صلى الله عليه وسلم للقيام بدعوته، و موقف أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية، وهناك مواقف أخرى كثيرة لنساء صالحات كن صاحبات شخصيات قوية، فلا رابط أو ليست هناك علاقة بين قوة شخصية البنت، والخوف على عدم نجاحها في منزل الزوجية، بل ينبغي استثمار هذه الميزة لكي تحتفظ البنت بدينها وتعتز بإسلامها، وتتمسك بحجابها وتكون قوة شخصيتها ميزة في بيت زوجها، فتعينه على النجاح في تماسك الأسرة.  والله تعالى أعلم.

JoomShaper