" هل من الممكن أن أقضي الليلة في منزل أحمد ابن خالي ؟"
" ليس من الممكن الليلة , فأنا أريدك أن تبقى معنا بالمنزل ."
" إنني لم أذهب إلى أحمد منذ ما يزيد عن شهر ."
" ليس الليلة من فضلك "
" ليس ثمة شيء أفعله هنا إنني أشعر بالملل "
"من فضلك لا تجادل "
" أنا لا أفهم لماذا لا أستطيع الذهاب ؟ أعطني سببًا واحدًا مقنعًا "
" السبب الوحيد هو أن ذلك ما أريده , وإن لم تكف عن الجدال فسوف أمنعك من الخروج نهائيًا "
"يا له من أمر خطير إذن امنعني من الخروج فما الفارق ؟ إنني في جميع الأحوال لن أستطيع فعل شيء "
" حسنًا . أنت ممنوع من الخروج طوال الأسبوع كله . اذهب إلى غرفتك .."
" إنني لا أطيق الانتظار حتى أكبر وأخرج من هذا المنزل "
الأطفال والجدل ..
يقول أحد الآباء " يحب الأطفال الجدال ويريدون أن يعتنق الجميع أفكارهم كذلك يحبون إثبات أنهم على حق وأنك أنت وأي شخص آخر على باطل , ويحبون السيطرة على المواقف كما يستمتعون بممارسة السلطة على آبائهم .."
الحقيقة أيها الأب العزيز أن الأمر ليس كما تقول ولكن أنت تنظر بعنين مجردة ولا تدقق وراء الحجب إن الأطفال ليس من الممكن أن يخالفوا فطرتهم إلا إذا حدث منا ما يسبب ذلك فالأطفال نعم يجادلون ولكن ليس عن قصد في حقيقة الأمر ذلك لأن فطرتهم الطاهرة التي خلقهم الله عليها ترفض كل خبيث وتحب كل طيب .. ولكنهم يجادلون لأن الجدل كثيرًا ما يكون مع كثير من الآباء ( خاصة من يفتقدون إلى عنصر الحزم منهم) السبيل إلى تحقيق رغائبهم وحاجاتهم المادية والنفسية فهم يجادلون لا لحبهم للجدل أكثر من حاجتهم إلى ما سيفضي إليه كثرة الجدل من تلبية حاجاتهم .
كما أن من أسباب الجدل هو بعد الشقة بين طريقة تفكير الآباء وطريقة تفكير الأبناء فالآباء يفكرون بطريقة " الماضي " والأبناء يفكرون بطريقة " الحاضر" والآباء الذين لا يسمحون لأبنائهم بإبداء الآراء ولا يتعاونون معهم في التوصل إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف يجمع بين تربية الماضي وفلسفة الحاضر وفق منهج الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ..
فغالبًا ما تجد الآباء يفرضون الماضي على أنه هو الأفضل وأن اليوم بل والمستقبل هو الأسوأ .. في حين أن الأبناء ينظرون إلى الماضي الذي لم يعيشوا فيه على انه مظلم ورجعي وقديم ... أما الحاضر الذي يعيشونه هو السعادة بعينها .. والآباء يريدون في نظر الأطفال أن يحرموهم من هذه السعادة ليعيشوا في غياهب الماضي ولذلك كان تقريب هذه الشقة بين الآباء والأبناء سيمنع هذا الجدل ويفضي على البيت الود والتسامح والتعاون والتكاتف .
لا بد أن يتنازل الآباء قليلًا عن الماضي .. وأن يتنازل الأبناء قيلًا عن الحاضر .. وفي هذه اللحظة يمكن الالتقاء مادام هذا التنازل لم يكن أبدًا عن أي شيء من الدين والأخلاق .
كيف تتعامل مع مشكلة الجدل!!
الحقيقة أن مشكلة الجدل مشكلة متشعبة فيختلف السلوك الذي ينبغي أن يسلكه الأب على حسب هذا الأمر الذي يجادل في الطفل ..
ولكن الأصل أن الجدل مرفوض كخلق ولقد حذرنا القرآن الكريم من الجدل فقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر: 56] كما حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا من الجدل فقال فقال : "أنا زعيم" أي ضامن "ببيت في ربض الجنة" أي في أعلى الجنة "لمن ترك المراء وإن كان محقًا".
وسلوك الأب في التعامل مع الجدل يختلف على حسب سلوك الطفل ..
فلو كان الجدل في الصلاة أو في الأخلاق .. فلا بد أن يكون سلوك الأب صارمًا مع طفله حتى يتجنب الجدل في الدين وذلك بأن يعاقبه على هذا الجدل الذي تعلمه في المدرسة أو من رفقاء السوء إن تكرر أكثر من مرة بعد التحذير .
أما لو كان الجدل في أمر من أمور الحياة يرى الأب أن المصلحة تركه أو تأجيله كما في حالة القصة التي بدأنا بها الحديث فالأمر يختلف ..
فالطفل لا يجادل غالبًا بغير سبب ..
بل هو عندما يجادل فيجادل لأن هناك حاجة ما يفتقد لها وهو محروم منها ولذلك يجادل لينالها أو أنه قد تعود أن كل مطلوب مجاب فلم يعد يقتنع بأي نوع من أنواع الرفض لأي طلب من طلباته.
ففي الحالة الأولى "جدال الطفل بسبب الحاجة":
لا بد أن يبحث الأب عن الحاجة التي يجادل الطفل من أجل تحصيلها فإن الجدل في هذه الحالة أثر عرضي يزول بإشباع هذه الحاجة ففي القصة السابقة يتضح من جدال الطفل أنه في حاجة إلى رفاق أو إلى نزهة أو إلى اللعب أو إلى إثبات الذات وهو يجادل لإشباع هذه الحاجات أو لإشباع حاجة منها على الأقل ففي هذه الحالة لا بد أن يسأل الأب نفسه هل هو مقصر في إشباع طفله لهذه الحاجات الأساسية كحاجته للعب أو للرفاق .. أم أنه يقوم بدوره على أكمل وجه فإن كان الأب مقصرًا فلا بد أن يعلم حينها أن الجدل الذي يقوم به طفله من عند نفسه فليراجع نفسه ويسعى لإشباع هذه الحاجات فحاجته إلى اللعب مثلًا يقوم الأب بتحديد يوم في الأسبوع للعب الطفل وساعة في اليوم للعب مثلًا فإن كان الأب قد قام بهذا الدور ورغم ذلك الطفل يجادل ففي هذه الحالة يكون الجدل بسبب الإفراط لا التفريط وهذا ما سنذكره في الحالة الثانية .
أما في الحالة الثانية "جدال الطفل بسبب التدليل":
ففي هذه الحالة يكون جدال الطفل بسبب الإفراط في إشباع حاجات الطفل حتى صار الطفل لا يقال له كلمة : " لا " البتة وأصبح كل مطلوب مجاب وكل مأمور مطاع فتعود الطفل على هذه الطريقة في التعامل فإذا أراد الأب بعد ذلك أن يكون حازمًا أو ينتهي من تدليل طفله بسبب نصائح الناصحين يقوم الطفل بالجدال لأنه قد اعتبر أن أي طلب يطلبه هو حق من حقوقه لأنك أنت أيها الأب الذي تكون ربيته على ذلك .. وفي هذه الحالة لا يكون العلاج هو العلاج المؤقت أو علاج الحالة التي جادل فيها الطفل فقط ولكن العلاج هو البحث عن سبب المرض وهو "التدليل" نعم التدليل في هذه الحالة هو الذي ولد الجدل عند الطفل وفي هذه الحالة لا بد من علاج سبب المرض قبل معالجة المرض نفسه لا بد أن يغير الأب طريقته في تربية ابنه ويكف عن تدليله الزائد عن الحد ويفطمه من غير إجحاف أو قسوة ولكن بحد الوسط والاعتدال ثم بعد ذلك يقوم الأب بعلاج آثار هذا التدليل من الجدل بصرامة فلا يترك الأب لطفله فرصة للجدل ولا يكون ذلك إلا بالحزم والحزم لا يأتي بين يوم وليلة ولكنه بحاجة إلى تدريب وحينها ننصحك بقراءة ما كتبناه عن الحزم في مقالة " مع الحزم تنجح " ومقالة " كيف تكون أكثر حزما " .
الخلاصة
الخلاصة أيها المربي الفاضل أن الطفل لا يجادل عن عمد أو قصد لأن فطرته تأبى عليه ذلك ولكن أسباب هذا الجدل تنحصر في :
1. تقليد الأصدقاء .
2. عدم إشباع الحاجات .
3. الإفراط في التدليل .
ومع كل سبب من هذه الأسباب يتم اختيار الطريقة المناسبة في العلاج ..
وختامًا عزيز المربي إلى لقاء قريب ومستقبل راق لأبنائنا ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..