مفكرة الإسلام
دأب الكثير من الآباء والأمهات على اعتبار ما يحدث بين الأشقاء من شجار أثناء اللعب نوعًا من (قلة الأدب) يستحقون عليه العقاب، وكثيرًا ما يلجأ الوالدان إلى الضرب أو حرمان الجميع من اللعب كرد فعل رادع إزاء مشاجرات الأبناء، فهل هذه هي الصورة الصحيحة لفهم ظاهرة المشاجرات بين الأبناء والتعامل معها؟
دأب الكثير من الآباء والأمهات على اعتبار ما يحدث بين الأشقاء من شجار أثناء اللعب نوعًا من (قلة الأدب) يستحقون عليه العقاب، وكثيرًا ما يلجأ الوالدان إلى الضرب أو حرمان الجميع من اللعب كرد فعل رادع إزاء مشاجرات الأبناء، فهل هذه هي الصورة الصحيحة لفهم ظاهرة المشاجرات بين الأبناء والتعامل معها؟
أعزائي المربين..
إنّ الشجار بين الإخوة هو أحد أشكال الإزعاج الأكثر شيوعًا في الأسرة، إلا أنه يمثل في الواقع مرحلة طبيعية من النمو، فأطفال السنتين يضربون ويدفعون ويخطفون الأشياء، بينما يستعمل الأطفال الكبار أسلوب الإغاظة، فهم يسيئون لبعضهم من وقت لآخر عن طريق اللغة...
إن الولد ـ كغيره من الأطفال ـ لا يستطيع أن يحتفظ بيديه ساكنتين إذا ما كانت أخته قريبة منه، وأخته بالرغم من تفوقه عليها في الحزم والقوة لديها طرائقها الخاصة للانتقام منه، إن كل واحد منهما يبدو كأنه قدير بما يضايق الآخر، ويسرّ باللجوء إليه، ويدرك حرصه على أشيائه الخاصة، وحرصه على احتلال المكان المعين في المائدة أو السيارة، فيعرف كيف يغيظ الطرف الآخر ويستفزه.

والسؤال: هل ظاهرة اختلاف الأطفال مع بعضهم ظاهرة طبيعية؟
بمعنى: أيُّ الأوضاع يعتبر الوضع الطبيعي: أن يتعاونوا مع بعضهم وأن لا يختلفوا؟ أم أن الوضع الطبيعي هو أن يتشاجروا وللإجابة عن هذا السؤال نجري تجربة صغيرة، وهي أننا نجمع ثلاثة أو أربعة أولاد معًا في حجرة واسعة مجهزة بكل ألوان اللعب والتسلية، ونغلقها لفترة، ترى ماذا ستكون النتيجة؟ بكل تأكيد سيتشاجرون، سواء أكانوا إخوة أم غير إخوة.

إذًا المسألة ظاهرة طبيعية وعادية، ويجب أن لا يقلق الآباء والأمهات، ويجب أن تراعى برفق ووعي؛ لأنها لا تكون في فترة الطفولة فقط، ولكن قد تمتد للصبا والشباب.

موقف الآباء والأمهات من الشجار

والآباء يضجّون من مشاجرات الأبناء لما يحدثونه من ضوضاء وجلبة في المنزل، ولأنهم يشغلون الآباء عن أداء ما يقومون به، أو يمنعونهم عن الراحة أو الاسترخاء؛ فيثورون على الأبناء، وقد يلجئون إلى أسلوب عنيف في وضع حدٍّ لمشاجرات الأطفال، بل قد يصفون طفلًا منهم بأنه حقود أو أناني، وأنه سيفشل في حياته لأنه لا يتعاون، بل قد يعيّره الآباء بسلوكه هذا في غير أوقات الشجار حاسبين بذلك أن شجار الأطفال أمر غير طبيعي، وأن الأولاد يميلون عادة إلى الشجار أكثر من البنات، وأنهم يتشاجرون مع أقرانهم مهما كانت أواصر الصداقة تربطهم ..

نقول للمربي: لا تنزعج؛ إنها مرحلة طبيعية، إن أي أسرة لديها طفلان أو ثلاثة نجدهم دائمًا في مناوشات وخلافات، وهذه الخلافات تعكس نموهم وتفاعلهم بشكل طبيعي [د.محمد اسماعيل المقدم:محاضرة"تشاجر الأشقاء/موقع: طريق الإسلام -شبكة الانترنت].

الجانب الإيجابي لمشاجرات الأبناء: وللمشاحنات البسيطة بين الإخوة جوانب إيجابية، إذا عمد الآباء والمربون إلى انتهاز مناسبات شجار الأطفال في توجيههم الوجهة التربوية السليمة، وتعريفهم بالحق والواجب،  خاصة إذا قام الوالدان بدور التوجيه السليم، ومنها:

- يتعلمون كيف يعبرون عن مشاعرهم ويحلّون صراعاتهم ويحترمون حقوق الغير.

- كثيرًا ما تكون المشاجرات في الواقع نوعًا من التنفيس عما بداخل الطفل من انفعالات.

- أثناء الشجار تبرز بعض القيم ويتعلم الأطفال أهميتها، ويدركون الفرق بين الصفة وضدها، مثل معنى الصدق والكذب، ومعاني كل من العدل والحق والواجب، وأهمية الأخذ والعطاء، والفرق بين الأنانية وبين روح التعاون.

- إنّ شجار الأطفال هو إحدى الوسائل لإثبات الذات والسيطرة، وكلتاهما من الصفات اللازمة لنجاح الإنسان في الحياة.

ما هي الأسباب التي تدفع الأبناء إلى التشاجر؟

- التقارب في السن ربما يكون من هذه الأسباب، والطفل الأكبر كثيرًا ما يحاول السيطرة على إخوته فيتشاجرون، كما أن الأطفال الأولاد عادة ما يحاولون السيطرة على البنات، والطفل الناجح يلجأ عادة إلى تعيير الطفل غير الناجح في دراسته، فيتشاجروا، أو قد يعير الأطفال بعضهم بعضًا بلون الشعر، أو شكل الجسم، أو بما يملكه طفل ولا يملكه قرين له، وكثيرًا ما يتحد بعض الإخوة ويكونون عصبة ضد أخ آخر خصوصًا لو كان مدللًا مقربًا من الوالدين لصغره، أو لوسامته، أو لمرضه، أو لشدة ذكائه، أو لرقته، إلى غير ذلك من الأسباب، فيتشاجرون.

- وكثيرًا ما يتشاجر الأطفال للامتلاك أو للاستحواذ على بعض اللعب أو الأشياء في المنزل، أو لو اعتدى طفل على ملكية الآخر أو لعب بكتبه أو أدواته أو ملابسه أو غير ذلك.

- أحيانًا يحصل الشجار بين الأشقاء على أنه حيلة دفاعية نفسية، وهي ما تسمى بالإزاحة، حيث يتم تحويل مشاعر العدوان نحو الأبوين إلى الإخوة الصغار، فالطفل يشعر بمشاعر عدوانية تجاه الأبوين أو أحدهما، ولا يستطيع أن يخرج ذلك بصورة صريحة في مواجهة الأبوين، فيزيح هذه المشاعر العدوانية إلى إخوته الصغار.

ما هو الوقت المناسب للتدخل؟

خير وقت للتدخل في خصام الأطفال هو قبل وقوع الخصام، فعلى الأم أن تكتشف الحدود العادية لقدرتهم في بقاء بعضهم مع بعض في سلام، ثم تحاول أن تفصل بينهم وتبعدهم عن بعضهم قبل أن يصلوا إلى هذه الحدود، فإذا انتبهت لذلك تمكنت بالفعل من السيطرة إلى حد ما تجاه المشاجرات.

كيف نقلل مشاجرات الأبناء؟

للتقليل من مشاجرات الأبناء هناك مبدءان متداخلان:

الأول: هو التفريق بين الأطفال بقدر الإمكان.

الثاني: استحضار أنّ التشاجر والخصام أمر فطري، وأننا ننتظر بصبر إلى أن يكبروا ويتجاوزوا هذه المرحلة؛ لأن الإخوة يزيد تعاونهم وانسجامهم كلما كبروا في السن.

عزيزي المربي.. إليك مجموعة من وصايا خبراء التربية، من شانها أن تقلل من مشاجرات الأبناء، وتجعلك تستثمر هذا السلوك الطبيعي بشكل إيجابي لصالح تربية الطفل:

- عامل جميع الأطفال بعدالة، وتجنب الانسجام والتفضيل الواضح لبعض أطفالك على بعضهم الآخر.

- يجب إشباع الحاجات النفسية للأبناء، كالحب والأمن والطمأنينة والتقدير والمركز والثقة في النفس، مع معاملة الإخوة جميعًا على أنهم متساوون بأسلوب عادل يتسم بالحزم المشبع بالمحبة والعطف والدفء والمرونة.

- هيئ الأطفال لاستقبال المولود الجديد، وذلك عن طريق إخبارهم في وقت مبكر عن توقع ولادة أخ جديد لهم

- راعِ الفروق الفردية بين أبنائك في جميع مجالات التعامل مع الأطفال، واجعل لكل طفل وقتًا خاصًا تقضيه معه بحيث يكون مركز انتباهك.

- علم الطفل احترام الملكية الخاصة للآخرين، وإن أصرّ على انتزاع أغراض إخوته أو أقرانه فلا مانع من استخدام عقوبة الحجز، بمعنى حجز اللعبة المتنازع عليها لبعض الوقت، وعندئذ سيتعلم الأبناء ضبط النفس واحترام ملكية الغير [هداية الله أحمد الشاش:موسوعة التربية العملية للأبناء، ص:356 بتصرف].

- ضع نظامًا واضحًا بحيث تحدد المسئوليات وتوزع الأعمال المنزلية بوضوح وعدالة، ووزع المسئوليات بطريقة لا يصطدم الأطفال معها ببعضهم، فلا يأخذ أحد الأطفال الأعمال الجيدة باستمرار ويأخذ غيره الأعمال القذرة مثلًا دائمًا.

- شكل مجلسًا للأسرة، وحدد أوقاتًا معينة يلتقي خلالها جميع أفرادها للمناقشة وتبادل الآراء والاستماع للشكاوى والتخطيط، ويمكن للأطفال أن يعبروا عن مشاعرهم في هذه الأوقات، وأن يكونوا على ثقة بأنهم سوف يعاملون بعدالة.

- أكّد على أطفالك أن يكونوا متعاطفين مع بعضهم، وأن يهتم كل منهم بما يتركه سلوكه من أثر في مشاعر الآخرين، ومما يزكي هذا السلوك أن ترتب لهم نشاطات جماعية متكررة في الأسرة ذات طبيعة مرحة، مثل النزهات والحفلات والألعاب.

- تجنب تفضيل طفل على الآخر ولو كان الأصغر أو الأضعف، كمناداته بأسماء وألقاب محببة إليه، ومناداة الآخرين بما يكرهون، أو الانسجام معه بخلاف الباقين، أو شراء شيء له دون الآخرين أو قضاء وقت أطول معه أو إعطائه نقودًا وهدايا أفضل وأكثر، أو الضحك معه والتجهم مع باقي إخوته، أو  مدحه وذم الباقين، أو التركيز على إنجازاته وميوله ومهاراته دونهم.

- اجعل أبناءك ينطلقون في الأماكن الواسعة بعيدًا عن ضيق البيت فكلما كان الحيز المكاني أكبر قلّ احتمال الصراع بينهم [محمد سعيد مرسي:مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب المشكلات،ص:9].

- لا تميز بين البنين والبنات، ولكن اجعل الأولاد سعداء لأنهم أولاد، والبنات فخورات لأنهن بنات، وكل له مميزاته، وفي نفس الوقت لابد من أن يكون عندنا مقترحات لهم لتستنفد طاقاتهم الزائدة، ويشعر الأولاد أنهم محبوبون بنفس القدر، لكن بشكل مختلف، بهذه الطريقة يسود التفاهم جو الأسرة، ولا يكون الأبناء مصدر مشاكل مستمرة في البيت.

وأخيرًا أعزائي المربين

لا تنزعج من كثرة المشاجرات بين الأبناء ..فالشجار والعراك هو أحد الأنشطة التي تُكتسب الطفل الكثير من الخبرات الحياتية التي يحتاج إليها، وكن واثقًا أن الصراع سينتهي أسرع مما تتوقع، فالأطفال عادة ما ينهون الشجار بشكل أسرع مادام الكبار لم يتدخلوا..!!

المراجع:

-     مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب مشكلات الأبناء: محمد سعيد مرسي.

-     موسوعة التربية العملية للأبناء: هداية الله أحمد الشاش.

-     محاضرة (تشاجر الأشقاء): د.محمد اسماعيل المقدم.


JoomShaper