عمر إبراهيم
"إن أطفالي لا يستمعون إلى أي شيء أقوله.
ماذا عليَّ أن أفعل حيال ذلك؟!
إنني أعنفهم وأضربهم بالرغم من أنني أعلم أن ذلك أسلوب خاطئ ولكنني دائمًا أسخط عليهم ثم أسخط على نفسي، "لا يمكنني تحمل الحياة على هذه الوتيرة: لابد أن هناك حلًا آخر".
وبهذه الكلمات انتهت زفرة الأب المسكين الذي يضرب أولاده، انتهت وهو حائر بين داعيين داع يقول "لا حل إلا الضرب" وداع آخر يبث فيه الندم والشعور بالذنب والتقصير في حق أبنائه، وبسبب تلك الآهات التي يطلقها المربون والمربيات كانت هذه الكلمات عبر هذا المقال.

 

الضرب في وجهة نظر الأخصائيين:

·          حوالي 10% من الآباء يعنفون أطفالهم بقسوة ولا يرون أي خطأ في ذلك!
·   كما أن حوالي 20% يعنفون أطفالهم بقسوة ويتمنون ألا يفعلوا ذلك، أي أنهم يتمنون ألا يفعلوا ذلك ويريدون إيجاد أسلوب أفضل لمعاقبة أبنائهم.
وإن كنت حقيقة أشك في صحة هذه النسبة لأنها في ظني أكبر من ذلك بكثير، فقليل هم الآباء الذين يستخدمون أسلوب العقاب بالضرب بطريقته السليمة.
إن الأخصائيين لا يتفقون حتى الآن حول جدوى أسلوب العقاب بالضرب، ويختلفون فيما إذ كان له مغزى تربوي أم لا،
غير أن غالبيتهم يرون أن أسلوب التعنيف بالضرب لا يغير سلوك الطفل، وإنما هو بمثابة علاج مؤقت لسلوك الطفل السيئ، ولكنه في حقيقة الأمر لا يعلم الطفل شيئًا، وهذا الذي يراه الأخصائيون.
ومن خلال هذا المنطلق قسم الأخصائيون أساليب الآباء في معاقبة أبنائهم بالضرب إلى ثلاثة أساليب:
1.     الأسلوب الاندفاعي:
(ويعرف الأسلوب الاندفاعي أيضًا بطريقة "طوال اليوم" ويكون هذا الأسلوب في الغالب رد فعل للآباء تجاه سلوك أبنائهم في حياتهم اليومية.
وهو شائع الاستخدام مع الأطفال الصغار على وجه الخصوص، فإن آباءهم لا يكونون جادين تمامًا حين يضربونهم بعنف إنهم في الغالب يشدون أطفالهم من ملابسهم بيد، وبالأخرى يطوحون في الهواء، وتكون الضربة في معظم الأحوال رمزية بعدها يصرخ الطفل ثم يذهب ليعاود اللعب.
وهذا ما يسمى بأسلوب"اضرب الطفل على يده".
وهذا الأسلوب أيها المربي الذي يستخدمه كثير من الآباء باندفاع إذا أقبل أبناؤهم على خطر، كلمس سلك الكهرباء وما شابه وهم معذورون في ذلك إذ أنهم لا يعلمون أن يتخيلون أن هذا فيه ضرر عليهم، فلابد أن يشرح الأب للطفل السبب الذي لا يسمح له بلمس هذه الأشياء الذي ضربته من أجل لمسه لها ثم أبعدها عنه أو أبعده عنها ومن ثم فسوف يقلدك أطفالك، أما حين تضربهم فإنهم يتعلمون أن يضربوا) [مستفاد من كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك، سال سيفير، بتصرف يسير]. 
2.     أسلوب الغضب:
وهو الأكثر انتشارًا والأكثر ضررًا على السواء فأنت حين تغضب وتعنف طفلك وتضربه ينتج عن ذلك عدد من المشاكل، منها أنك تعلم طفلك الطريقة التي يستطيع بها أن يدفعك للغضب، وتعلمه أن سوء سلوكه يملكه قوة للتحكم في سيطرتك على نفسك، والتعنيف والضرب في لحظة الغضب هو سلوك اندفاعي، ودائمًا يكون مجرد رد فعل لتصرفات الطفل السيئة، فإنك حين تعنف طفلك وتضربه وأنت غاضب تكون غير مدرك لما تفعله وبالتالي فقد تؤذي طفلك.
إن تعنيفك وضربك طفلك وأنت غاضب يوجد مشاعر سلبية وحادة، إنك تخلق مثل هذه المشاعر بداخل نفسك وطفلك وبقية أفراد الأسرة وقد تحطم هذه المشاعر التقدير الذاتي عند طفلك، ويترتب في كثير من الأحيان عند الأطفال بسبب الخوف الشديد من آبائهم وشعورهم بأنهم لا يثقون بهم فقدان الثقة في أنفسهم، ناهيك عن أن الغضب نهى عنه حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تغضب".
عزيزي المربي إنك حين تعنف طفلك، وتضربه وأنت غاضب فإنك في الغالب تتصرف بدافع الانتقام، ولذلك فإن شعورك بالذنب يشتد إلى أن ينفجر.
3.     الأسلوب التخطيطي:
وهذا الأسلوب الثالث الذي يستخدمه الآباء، وإن كان نادر الاستخدام، ولكنه الأسلوب الأوفق لمن أراد أن يستخدم أسلوب الضرب وهو الأسلوب التخطيطي، والذي يعني أن تتحدث مع طفلك عن عادة سيئة وتخبره أنه لو مارسها فسوف يكون جزاؤه الضرب، قل له على سبيل المثال: "إنك لو تحدثت بلغة بذيئة فسوف تعاقب بالضرب، ولو تحدث طفلك بلغة بذيئة فعليك في أن تضربه بهدوء وفي هذه الكلمة معنى مهم في هدوء فأنت إن لم تكن هادئًا، ستكون بذلك متبعًا أسلوب الغضب في المعاقبة بالضرب، وينطوي هذا الأسلوب التخطيطي تحت عنون "إن ضربي لك يؤلمني أكثر مما يؤلمك".

الإسلام ونظرته للضرب:

أيها المربي الفاضل إن إسلامنا الحنيف كما تعلم هو حق ووسط بين طرفين بين الغالي فيه والجافي عنه.
ولذلك فإن الإسلام لم ينفي استخدام أسلوب الضرب بالكلية، ولم يعتبره معدوم الفائدة التربوية، بل إن النفس في بعض الأحيان تحتاج إلى استخدام هذا الأسلوب معها خاصة إذا كانت هذه النفس لا تستجيب للأساليب السلمية.
ولكن الإسلام أقر خطورة الضرب النفسية من جانب آخر، فوضع حدود وضوابط لاستخدام هذا الأسلوب فلم يجعله الأصل ولا يستخدم إلا في الضرورة القصوى وبحسب الحاجة إليه.
والمتتبع للشريعة الإسلامية يجد أنها اتخذت موقفًا وسطًا تجاه هذه الوسيلة في التربية، فهي بشموليتها راعت الإيجابيات التي يمكن أنتجنى من خلالها، وفي نفس الوقت تلافت السلبيات التي قد تحدث نتيجة التعسف أحيانًا فياستخدام مثل هذه الوسيلة. الشريعة الإسلامية ومبدأ الضرب:
يكاد يكون الجميع قد سمعحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر) [حسنه الألباني في مشكاة المصابيح، (572)]، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بضرب الولد الذي يأبى الصلاة إلا في سن العاشرة، مع أنه قبل ذلك أمر الوالد بتوجيه أولاده للصلاة وهم في سن السابعة، ومعنى ذلكأن الفارق بين التوجيه بالكلمة والتوجيه بالضرب ثلاث سنوات، فانظر كيف أخر النبيصلى الله عليه وسلم التأديب بالضرب طيلة ثلاث سنوات ولم يشرع للوالد إلا التأديب والتوجيه بالكلمة، ذلك لما ذكرناه من أن للضرب أثارًا سيئة، ينبغي للمربي أن لا يغفلعنها.
وإذا ظل الوالد يأمر ولده بالصلاة لمدة ثلاث سنوات ثم بعد ذلك يأبى الولد أن يصلي فمعنى ذلك أن هذا الولد عنده من العناد والإصرار على الخطأ ما يستحق معهالضرب، وبالتالي يكون له تلك النتائج الطيبة، هذا كله على أن يضع في الاعتبار أنالضرب لا يكون مبرحًا، ذلك أن الضرب المبرح لا يأتي إلا بنتائج عكسية، فهو يتحول إلى كره شديد لدى مستخدمه، بالإضافة إلى أنه يوحي إليه أنالمستخدم له إنما يستخدمه كنوع من الانتقام لا التأديب والتهذيب.

فوائد جمة:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ترفع عصاك على أهلك وأخفهم في الله عز وجل) [حسنه الألباني في الأدب المفرد، (18)]، (وفي هذا الحديث أصل عظيم للتربية، إن الدافع للاستقامة على الصواب والخير، ليس في العصا والعقوبة البدنية، إن الدافع من الداخل، من ضمير مكنون يعاقب على الهاجس الذي لا يُرى، وإنها الدعوة والتنبيه على أسلوب العقوبة لا يكون ماديًا فحسب، بل المعنوي أجدى وأنفع وأشمل وأدوم، إن الخوف من الله تعالى لا يتأتى من موقف أو اثنين، إنه أسلوب متواصل من التفهيم والتعليم والتذكيرؤ للطفل الصغير، حتى يتأصل عنده في النفس وينطبع في القلب، الخوف من الرقيب الذي يسمع ويرى كل شيء ويحاسب عليه، إنه سبحانه الذي يرى في الخلوة حين لا يرى غيره، وأنه سبحانه الذي يعلم ما توسوس به النفس حين يختلج فيها الرغبة في الممنوع والحرام) [العشرة الطيبة، محمد حسين، ص(274)].
قواعد ضرب الأطفالفي الإسلام: يوضحها لنا الدكتور خالد القريشي بقوله: من تتبع النصوص الشرعية يمكن لنا أن نضع بعضالقواعد في استخدام الشدة مع الأطفال كالتالي:
القاعدة الأولى: أن يكون الضرب بعداستخدام الأساليب التربوية الأخرى كالتوجيه والكلمة الحسنة والنصح.
القاعدةالثانية: أن يكون ابتداء الضرب من سن العاشرة.
القاعدة الثالثة: أن تكون عقوبةالضرب موافقة للجرم.
القاعدة الرابعة: ألا يكون الضرب مؤذيًا للطفل نفسيًاوجسديًا.
القاعدة الخامسة: اختيار مكان العقوبة المناسب فلا يكون أمام الناس أو أحد من أقربائه ونحو ذلك.
القاعدة السادسة: ألا يضرب وهو في حالة الغضب حتى يدرك مايفعل، هذا وينبغي أن يعلم أن الضرب عند الحاجة إليها إنما هو ضرب تهذيب وتأديب وليسضرب انتقام وتعذيب.
القاعدة السابعة: (ألا يضرب في الأماكن القاتلة) [أصول التربية الإسلامية، خالد بن محمد الحازمي، ص(406)].
وقد سئل الإمام أحمد عن ضرب المعلم الصبيان فقال (على قدر ذنوبهم ويتوقى بجهده الضرب) [الآداب الشرعية، ابن مفلح المقدسي، (2/61)].
احذر الإساءة إلى الأولاد بالضرب على أن بعض الآباء والأمهات قد يسيء جدًا في استخدام هذه الوسيلة، كأن يضرب على الوجه أو الرأس أو الضرب بالعصا والحزام والأسلاك، أو بحمل الولد وإلقائه على الأرض، أو الإمساك به وضربه في الجدار،وكل هذه الأساليب وغيرها يترتب عليها آثار سيئة خطيرة، فقد تترك أثارًا جسديةوكدمات، أو بعض الكسور التي قد تحدث نتيجة لارتطام الطفل بالجدار أو الأرض، ناهيك عن الأضرار النفسية التي تحدث نتيجة لهذا الضرب غير الموجه، وهذا ينافي الغرضالذي من أجله شرع الضرب في الإسلام، ويتحول بذلك إلى سلبيات وتبعات وأضرار حذر منهاالإسلام ورفضها، فجدير بالآباء والأمهات أن يراعوا تلك الآداب الإسلامية عند تأديبأولادهم ولا يتجاوزوها، وليعلموا أن فيها الخير والفلاح لهم إن هم التزموا بهاوطبقوها.
وختامًا إلى لقاء قريب ومستقبل راق لأبنائنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصادر:
·          كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك             سال سيفير.
·          أصول التربية الإسلامية                   خالد بن محمد الحازمي.
·          الآداب الشرعية             ابن مفلح المقدسي.
·          العشرة الطيبة        محمد حسين.

 

مفكرة الإسلام

JoomShaper