أم عبد الرحمن محمد يوسف
قرر الدكتور أحمد أن يأخذ أولاده لتناول الأيس كريم مع أولاد عمهم المهندس كريم، وبذل الأولاد جهدًا طويلًا مع العم كريم حتى يذهب معهم، وبعد طول جهد وإلحاح وافق العم كريم أن يأتي معهم على شرط العودة مبكرًا.
وبالفعل وصل الدكتور أحمد وأخوه إلى المكان المناسب، وقام الدكتور أحمد بمهمة توزيع الأيس كريم على الأولاد، وفرح الأولاد جدًا بهذا اليوم الجميل، فقد كانوا لوقت طويل لم يخرجوا من البيت ولم يجتمع شملهم منذ وقت طويل بسبب مشاغل الحياة.
وفي الطريق إلى البيت:
وفي الطريق إلى المنزل دارت مناقشة حادة بين الأخوين أحمد وكريم حول السبب في هذا اليوم الترفيهي.
فقال المهندس كريم: إني لا أرى سببًا ملائمًا لهذه النزهة وتناول الأيس كريم من غير سبب.
فرد الدكتور أحمد في تعجب: ماذا تعني من غير سبب؟؟
قال المهندس كريم: أعني أن الأولاد لم ينجزوا شيئًا حتى نكافئهم بالأيس كريم.


فرد الدكتور أحمد في حيرة: وهل يشترط أن نقدم الأيس كريم لأبنائنا جزاءً على سلوكهم الجيد؟
رد المهندس كريم: هذا في وجهة نظري، لأن هذا يعد تحفيزًا لهم، أما من غير سبب فهذا نوع من الدلال الذي لا أطيقه!!
رد الدكتور أحمد ولكني أظن أن الأمر ليس كذلك.
قال المهندس كريم: ماذا تعني؟
وفي هذه اللحظة سكت الفريقان كل واحد منهما له رأي خاص به، وهو مصر عليه، أحمد يرى أن منح الأيس كريم للأولاد لا يشترط أن يكون جزاءً على سلوكهم، أما كريم فيرى أن هذا شرط أكيد ومهم.
أين الصواب:
أيها المربي العزيز، الحقيقة أن كلا الرأيين صواب والأصوب هو الجمع بينهما كل في موضعه، فمنح الأطفال الأيس كريم كنوع من التحفيز للأولاد ليستقر عندهم أن النجاح دائمًا يولد السعادة، فهذا أمر حسن ولكن لا يصل الأمر بنا إلى أن لا نعطي أولادنا أو نروح عنهم إلا إذا قدموا قرابين الطاعة والإحسان.
فالطفل يحتاج إلى الترويح عن نفسه وأن يشارك والديه اللعب والمرح بعض الوقت، ولذلك كان هذا هو حال النبي صلى الله عليه وسلم، فكان عليه الصلاة والسلام يلاعب الحسن والحسين ويقبلهما، وكان يأخذ أسامة بن زيد والحسن ويقول: (اللهم إني أحبهما فأحبهما) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (3354)].
فالترفيه أمر مهم للأطفال والترويح شيء ضروري لصحتهم النفسية، ولكن لا يعني أيضًا أن نطلق الحبل على الغارب وتكون الحياة كلها ترفيه، أو أن نرفه عن أطفالنا في وقت يستلزم العقوبة، فليست الحياة كلها ترفيه، وإن أخطأ أولادنا علينا أن نعاقبهم ومن ضمن وسائل العقوبة أن نحرمهم من الترفيه.
فالصواب هو الوسط، فلا يشترط أن نعطي أبناءنا الأيس كريم جزاءً على سلوكم الحسن، فمن الممكن أن نعطي أبناءنا الأيس كريم من غير سبب إلا الحب الذي نكنه في صدورنا لهم.
كما أن هذا لا يعني أن يكون هذا الحب عائقًا أمام اتخاذ القرار المناسب عند الخطأ، فعند ذلك لا نعطي الأيس كريم جزاءً على السلوك السيئ.

 

القواعد التي تتخذها مع طفلك:

لا بد أن تعمل على تأكيد النجاح:
لأن النجاح يولد نجاحًا فلابد أن يتأكد عند طفلك هذا المعنى، أنه كلما أحرز نجاحًا كلما أدى ذلك إلى السعادة بالنسبة له، فالنجاح هو المولد للسعادة، إذًا لابد أن يشعر طفلك بتحفيزك له عندما ينجح وقبل النجاح وبعد النجاح، وأنه كلما ينجح يحصل على جائزة "مادية كانت أو معنوية"، عندها يتولد عند طفلك شعور بقيمة النجاح ورغبة في إحرازه، أما إذا وجد الطفل أن النجاح عندك يساوي الفشل، أو لا يفترق عنه كثيرًا؛ فعندها لا يكون عنده أدنى مانع أن يفشل، فلا بأس بالفشل عنده ما دامت النتيجة واحدة، بل ربما كان النجاح يكلف مجهودًا أكبر.
لا تكن مثاليًا:
لا بد لك أيضًا أيها المربي ألا تكون مثاليًا في توقعاتك نتائج طفلك.
نعم أنت تريد له النجاح، ولكن النجاح لا يعني أن تحكم عليه بالفشل، فلا يعني أن تطلب منه ما لا يطيق، أو أن تكلفه بأفعال يعجز عن تحقيقها، ثم بعد ذلك تحاسبه إن هو فشل في هذه الأمور إنك بذلك تقوده للفشل، لا بد أن تكون منطقيًا فيما تطلبه منه، ولابد أن تكون منطقيًا أيضًا في توقع النتائج.
لا إفراط ولا تفريط:
فلا تضييع لتحفيز الأبناء، وإعطائهم الهدايا، ولا إفراط في تدليلهم وإعطاء المحفزات بدون سبب، فالوسط هو الخير في كل شيء، فأما عن كيفية تحفيز ابنك، فستبين لك ذلك من خلال:
المحفزات الملموسة:
(تعتبر المحفزات المادية والملموسة من أهم المحفزات التي يريدها الأطفال، وهناك أمثلة للمحفزات الملموسة كالأطعمة المفضلة لديهم، والألعاب، واسطوانات الكمبيوتر، والنقود، وينبغي عليك أن تربط دائمًا المحفزات الملموسة بكلمات الشكر والتشجيع مثل: (هاك مكافأتك يا سارة فقد أنجزتي ما أسند إليكِ من أعمال المنزل هذا الأسبوع، ومن المفيد لكِ القيام بذلك).
قائمة بالمحفزات للأطفال الذين لم يتجاوزوا الثانية عشر:
ـ قبلات وأحضان، الثناء والتشجيع.
ـ السماح للطفل بتناول غدائه مع زملاء المدرسة.
ـ ألعاب الفيديو.
ـ السماح باللعب خارج المنزل.
ـ الملابس الجديدة.
ـ الخروج في نزهة بالسيارة.
قائمة بالمحفزات للأطفال الذين تجاوزوا الثانية عشر:
ـ التسوق.
ـ إبداء الآراء في الأمور المنزلية.
ـ مكافأة مالية.
ـ تعلم قيادة السيارات.
ـ رحلات مع المدرسة أو النادي) [كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك، سال سيفير، ص(54-55-56-57-58)، باختصار].

تحفيز لجميع الأطفال:

إن المدح والثناء من الأمور الهامة التي تساعد في تنمية الطفل انفعاليًا ونفسيًا فكثيرًا ما نرى أشخاصًا برزوا في مجالات عدة وربما نالوا جوائز عالمية كبرى وكان السبب هو التحفيز الفعال من الوالدين، فكلمات فكلمات التحفيز تمنح الطفل ثقة وإيمان بنفسه وبما يفعله، وخاصة إذا كان الطفل يرى أنه مبدع في شيء ما، أما كلمات التثبيط والتحقير فإنها تترك آثارًا مؤلمة في قلب وعقل الطفل، كأن نقول للطفل: (إنك لن تنجح أبدًا، إنك فاشل، أتظن أنك ستكون شيئًا... إلخ).
(إن كلمات لاذعة مثل هذه ستترك انطباعًا سيئًا ومتواصلًا على طفل صغير، وفي بعض الحالات قد تكون آثار ذلك الكلام أكثر خطورة من الإيذاء الجسدي، وقد يزول ألم صفعة في ساعات، ولكن يستمر صدى كلمات مثل: "أنا لا أحبك" لسنوات) [قوة الحديث الإيجابي، دوجلاس بلوك، ص(7)، بتصرف واختصار].
فالتحفيز والتشجيع يمكن أن يكون داعمًا لمهارات ابنك (فعندما يبدو أن طفلك يتمتع بموهبة خاصة، نسق دروسًا له، وشجعه أن يمرح في هذا النشاط، وقل له واصل عملك دومًا) [الأسرار السبعة للتربية المثالية، شيلي هيرولد، ص(126)].

ماذا تفعل مع السلوك السيئ؟

إن طفلك عندما يفعل تصرفًا سيئًا، ثم يجد منك بعد ذلك أن الأمر عاديًا بل ربما تأتي إليه بشيء يحبه كالأيس كريم أو نزهة، سيترسخ عنده أن الفعل هذا مرغوب فيه، ومن ثم عليك أن تكون واعيًا لسلوكياتك مع ابنك وانتهز الفرصة إن أخطأ لكي تعلمه من خطئه (فشدد دائمًا على أن الأخطاء تعد فرصًا جيدة للتعلم، فينبغي أن تخبر طفلك إن أخطأ في أمر ما أن يتعلم منه، وعندما تودع طفلك في الصباح أثناء ذهابه إلى المدرسة لا تقل: "إلى اللقاء يا صغيري، وعليك أن تتصرف بشكل حسن" لأن، ذلك يعد عبئًا كبيرًا يتحمله الطفل، لكن ينبغي أن تقول له: "إلى اللقاء يا صغيري، وإذا ارتكبت أخطاء كثيرة فكر فيما استفدته منها") [التهذيب الإيجابي، جان نيلسن وآخرون، ص(139)، بتصرف].
لا تأخذ قرارًا عاطفيًا:
أي لا تحدد الطريقة التي ستعامل بها طفلك على حسب حالتك المزاجية أو غضبك أو سرورك، ولكن كي تكون محفزًا ناجحًا لا بد أن تعرف جيدًا ماذا تفعل ولماذا.
وهذا يعني التحكم في الأعصاب حال صدور سلوك سيئ من الطفل، ومخالفة هوى النفس التي كثيرًا ما تأمر بمعاقبة الطفل، ولا يكون المصلحة للطفل حينئذٍ في العقاب وإن كانت النفس تريد ذلك، لأنك في حالة غضب وعندما تأتي هذه الوسلية من وسائل التربية في غير موضعها "أي في حالة الغضب"، لا تؤتي ثمارها التربوية ويكون أثرها على الطفل بالسلب.
كذلك علينا بمخالفة هوى النفس إذا أمرت بالثواب في وقت لا يستوجب الثواب، وإنما أمرت النفس في هذه اللحظة بهذا الأمر، لأنك كنت مسرورًا وسعيدًا بسبب ترقية أو ما سواها، من الأمور التي تسرك.
إن القرار الذي تأخذه مع طفلك لابد أن يكون عقلانيًا لأبعد حد، ولا يعتمد على حالتك النفسية وإنما يعتمد على سلوك الطفل.
إن ما يمكن أن نستخلصه مما سبق أن التحفيز مثله مثل الوقود للسيارة، فالسيارة لا تستطيع أن تمضي في طريقها بدون الوقود، كذلك الطفل الذي تقوم بتربيته، فإنك إذا أردت أن تغرس فيه الصفات والقيم العظيمة، وأن تحثه على الإيجابية والمبادرة، فعليك بالتحفيز... الوقود الفعال للطفل.
المصادر:
ـ كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك       سال سيفير.
ـ قوة الحديث الإيجابي          دوجلاس بلوك.
ـ التهذيب الإيجابي             جان نيلسن وآخرون.
ـ الأسرار السبعة للتربية المثالية        شيلي هيرولد.

 

مفكرة الإسلام

JoomShaper