السيدة المجاهدة زينب الغزالي الجبيلي (1917م ـ 2005م) عاشت للإسلام بالدعوة وكلمة الحق في صف الإخوان المسلمين، سجنت في عهد عبد الناصر سبع سنين، وعذبت تعذيبًا فوق طاقة البشر، ولها تفسير قرآني، وترجمة لحياتها، وكتب دعوية أخرى.
وقد لقيت ربها مساء الأربعاء 3/8/2005م، وهذه القصيدة ألقاها الشاعر في سرادق عزائها بالقاهرة مساء الجمعة (5/8/2005م) أمام جمع حاشد من الإخوان والمعزين من الشعب المصري والمسلمين والعرب.
بكيْتُ، وقلبي في الأسى يتقلبُ
فجاء رفيقي مُفزعًا، وهو يَعتبُ
وقال: أتبكي والقضاءُ محتم
وليس لنا من قبضةِ الموتِ مَهرب؟
فقلتُ: تعالى اللهُ، فالحزنُ ساعرٌ
قويٌّ، عتيّ، والفقيدةُ زينبُ
ولو كان فضلُ الراحلين مراثيًا
لجادَ بمرْثاها الحطيمُ، ويثربُ
فلا كلُّ مفقودٍ يُراع لفقْدهِ
ولا كلُّ حيٍّ فائقٌ، ومحبَّبُ
ولا كلُّ من يحيا الحياةَ بحاضرٍ
ولا كل من في القبرِ ماضٍ مغيَّبُ
فإن خلودَ المرْءِ بالعمل الذي
يقودُ مسارَ الخير لا يتهيّب
أناديك ـ أمَّ الصابرين ـ بمهجتي
وكلِّي دعاءٌ ِمْن سناكِ مُطيَّب
سلامٌ وريحانٌ وروْحٌ ورحمةٌ
عليكِ، وممدودٌ من الظلّ طيب
فقد عشْتِ بالحق القويم منارةً
تشدُّ إليها كلَّ قلبٍ وتجذب
وكنتِ ـ بحقٍّ ـ منبعَ الحبِّ والتُّقى
ومدرسةً فيها العطاء المذهَّبَ
ودارُكِ كانتْ مثل دار "ابن أرقم"
تخرّجَ فيها من بناتِكِ أشْهُبُ
فَرُحْنَ ـ أيا أماهُ ـ في كلِّ موطنٍ
يربِّين أجيالا على الحقِّ أُدِّبوا
شبابًا حييًّا في شجاعة خالدٍ
له الحقُّ نهجٌ، والشريعةُ مذْهبُ
يفرُّون عند المغريات تعففا
وحين ينادي الرْوعُ هبّوا وأجْلبوا
ومن كان للحقِّ القويم نهوضُهُ
فليس لغير الله يرضى ويغْضب
ولا ضيرَ ألا تُنجبي، تلك حكمةٌ
طواها عن الأفهام سرٌّ مُحَّجبُ
فقد عشْتِ أمًا للجميع، وأمَّةً
يباهي بك التاريخَ شرقٌ ومغربُ
وكنتِ لسان الحقِّ في أمةٍ غَفَتْ
كأنهمو عن عالم الناس غُيَّب
وقلتِ: كتابُ الله فيه شفاؤكمْ
وبالسنة السمحاء نعلو ونغْلب
وقلتِ: هو الإسلامُ دينٌ ودولةٌ
وقوميةٌ نعلو بها حين نُنْسب
وأن النساء المسلماتِ شقائقٌ
لجنسِ الرجالِ المسلمين وأقْرب
لهنّ حقوقٌ قررتها شريعةٌ
من الله حقٌ ناصعٌ ومُطيَّب
وقد كنَّ قبل الدين كمًّا مهمَّشًا
كسقْط متاع يُستباحُ ويُسلب
بذلك ـ يا أماه ـ كنتِ منارةً
فأهْوَى صريعا جاهلٌ متعصبُ
وأحييْتِ بالعزم الأبِّي ضمائرا
تعاورها بومٌ ضريرٌ وأذْوُب
فأغضبتِِ فرعونَ اللعينَ وقد بغَى
لتستسلمي للظلِم أيّانَ يرغب
فقلتِ: لغير الله لم أُحنِ جبهتي
وللحقِّ صولاتٌ أعزّ وأغْلَب
ولاقيتِ ـ يا أماه ـ أبشعَ محنةٍ
يخرَّ لهوْليْـهْا شبابٌ وشُيَّبُ
صَبرتِ ـ وضجَّ الصبُر من صبرك الذي
أذل كبارا في الفجور تقلبوا
وجددتِ ذكرى أمِّ عمارٍ التي
تحدَّتْ أبا جهلٍ ومن كان يصحب
فكانت ـ بفضل الله ـ خيرَ شهيدة
وليس كتحصيل الشهادة مكسب
وقلتِ: ـ يا أماه ـ حسْبِيَ أننيِ
على درب طه أستقيم وأَضْرِب
فكان ظلامُ السجنِ نورًا مؤلَّـقا
من الملأ الأعلى يطوف ويُسكب
أنيسُك فيه النورُ والفجر والضحى
كما يُؤنس الإنسانَ في التيه كوكبُ
وكانت سياط الظالمين شهادةً
بأن دعاةَ الحق أقوى وأصلب
فكانوا ـ بفضلِ الله ـ أُسْدا رهيبة
وهل يغلب الأسْدَ الرهيبةَ أرنبُ؟
وخر من الإعياء جلادك الذي
تعهد أن يُرْديك وهو يُعذِّب
فقلت: تعالى الله، يهوى معذِّب
ويبقى رفيع الرأس حرًا معذَّب
سجينةَ حقٍّ لم ينلْ من إبائها
عتاةٌ على قتل العباد تدربوا
وغايتهم في العيش مُتعة ماجنٍ
وعدتهم في الحكم نابٌ ومخلب
وكلّهمو في الشر والعارِ ضالعٌ
وللحقَّ نّهاب عُتلٌ مخرِّب
43ـ كأن عذاب الأبرياء لديْهمو
ألذَّ من الشهد المذاب وأعذب
أيُلقى بقاع السجن من عاش مؤمنا
ويطلق لصٌّ آثم القلب مذنب؟
يُجنُّ أميرُ السجن: أنثى ضعيفةٌ
تُذِلّ رجالي بالثبات وترعب؟
أعيدوا عليها موجةً من سياطكم
وركْلا وصعقا علَّمها تتذبذبُ
ولم تجْدِ فيها: لا الكلابُ ينشْنَها
ولا القيدُ والسجان بالسوط يُلهبُ
فيصْرخ: أنثى لا تبالي ببأسنا
فلا السوط جبارٌ ولا الكلبُ مرعب
فهان عليها سْوطنا وكلابنا
أذلك سحرٌ؟ بل من السحر أغربُ
إذن لن أُرقَّى، سوف يغضب سيدي
ويا ويلتاهُ إذ يثورُ ويغضبُ
"ويلعنُ خاشي" إذ أفاق على يدي
وقد كان في أُنْسٍ يهيصُ ويشربُ
ولم يدرِ أن الله أقدرُ منهمو
وأن سياطَ الله أقوى وأغلبُ
وأن فصيل المؤمنين يفوقهم
ثباتًا وعدًا، لا يخاف ويرهبُ
فإن غالطوا قلنا: الجنائزُ بيننا
سَلُوها؛ فحكم الموت ما كان يكذبُ
مئاتُ ألوف في الجنازة حُضَّرٌ
ولم تْدّعهم أمّ ولم يدعهم أبُ
ولكنه الإسلامُ ألّف بينهم
وجَمّعهم حبٌّ مكين مقرِّبُ
فإن كنتِ قد غادرتِ دنيا بزيفها
إلى عالمِ الخلْد الذي هو أرحَبُ
ستلقيْن أمَّ المؤمنين خديجةً
وفاطمةَ الزهراءَ فرحى ترحِّبُ
وحفصةَ والخنساءَ والصفوةَ التي
ظللن شموسًا للهدى ليس تغربُ
عليك سلام الله في الخلْد زينبُ
وإن نعيم الله أبقى وأطيب
مضيتِ بذكرٍ ليس يُكتب أحرفًا
ولكنه بالنور والعطر يكتبُ
د. جابر قميحة
موقع لجينات