صفاء البيلي

قد يظن البعض أن الوفاء والبقاء على العهد: سمة تختص بها المرأة وحدها دون الرجل، فكما أوضحنا في مقال سابق أن هناك نساء كثيرات بكين لفراق أزواجهن.
والأدب العربي ما يزال يفتح تراثه الزاخر ليخرج لنا جواهر الشعر ولؤلؤ القصيد، مما تمتلئ بها مراثي الرجال وفاء وحبا واعترافا بقيمة وجميل زوجاتهم الراحلات.. فبكوا مع الدمع شعرا تعتصر له القلوب، فها هو جرير يرثي زوجته الراحلة "خالدة أم ابنه البكر حرزة"  بقصيدته: " الجوساء" (1) والتي زلزلت كلماتها الوجدان العربي والتي فيها يقول:
لولا الحياء لهاجني استعبار
ولزرت قبرك والحبيب يزار
ولقد أراك كسيت أجمل منظر
ومع الجمال سكينة ووقار
صلى الملائكة الذين تخيروا
والصالحون عليك والأبرار

والطريف أن الفرزدق، وهو الشاعر الند لجرير لم يرث زوجته "النوار" ببيت من الشعر يستحق أن يذكر، فرثاها الناس بقصيدة جرير فكان ذلك أشد على نفس الفرزدق من الموت!!

ولنقرأ معا أبيات الطغراني التي  ينزف عبرها ألما لفقد زوجته:

إن ساغ بعدك لي ماء على ظمأ
فلا تجرعت غير المر والصبر
وإن نظرت من الدنيا إلى حسن
مذ غبت عني فلا متعت بالنظر

وأما المعلى الطائي وشعوره بالأسى نلمحه وهو يعاتب الموت لسلبه زوجته:
يا موت كيف سلبتني وصفا
قدمتها وتركتني خلفا
وأخذت شق النفس من بدني
فقبرته وتركت لي النصف!!

ولنقرأ معا رثاء هذا الأعرابي لزوجته:
فوالله ما أدري إذا الليل جنني
وذكرنيها أينا هو أوجع
أمنفصل عنه ثرى؟ أم كريمة
أم العاشق النابي به كل مضجع؟

كما نرى حبيب الطائي يرثي زوجته التي وسدها القبر وعاد وحيدا:
جفوف البلى أسرعت في الغصن الرطب
وخطب الردى والموت أبرحت من خطب
لقد شرقت في الشرق بالموت غادة
تبدلت منها غربة الدار في القرب
وألبسني ثوبا من الحزن والأسى
هلال عليه نسج ثوب من الترب.

أما البارودي شاعر العصر الحديث، فيرثي زوجته لائماً الدهر وهي من تجاوزات الشعراء حين يجنح بهم الحزن والعاطفة؛ فينسبون إلى الدهر ما لا يصح أن ينسب إليه كالموت والحياة:
يا دهر فيم فجعتني بحليلة..؟
كانت خلاصة عدتي وعتادي
إن كنت لم ترحم ضناي لبعدها
أفلا رحمت من الأسى أولادي
ونرى الشاعر ورائد المسرح الشعري عزيز أباظة ـ الذي كتب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم شعراـ  يرثى  زوجته التي كانت له نعم الزوجة والصديقة:
فقدتها خلة للنفس كافية
تكاد تفني غناء الماء والزاد

ويقطر القلب حزنا مع شاعرنا الراحل طاهر أبو فاشا الذي يرثي زوجته نازلي في ديوانه دموع لا تجف حيث يقول:
أتى العيد "نازلي"  ولم نلتق
وغامت سمائي ولم تشرق
أتى العيد يطرق بابي فما..
أجاب سوى دمعي المهرق
أعيد وأنت بعيدا هناك
تقيمين تحت الثرى المطبق؟
لقد كنت ظلا أفيئ إليه
وأهرب من يومي المرهق
فيا لهف نفسي ماذا مضى
ويا لهف نفسي ماذا بقي؟

وهذا هو الدكتور الشاعر "محمد رجب البيومي"  لا يستطيع دخول بيته الذي كان جنته بعد موت زوجته فنراه يقول وجلا:
إني لأحذر حين أدخل منزلي
هلعا وما يغني لدي حذارُ
من ذا أواجه إذ أواجه غرفتي؟
لا أنت أنت ولا الديار ديار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  الجوساء: اشتهرت هذه القصيدة ودخلت كل بيت وقد سماها جرير بهذا الاسم لأنها تجوس بين البيوت والدور .

 

لها أون لاين

JoomShaper