"من بواكير الشاعر (سنة 1343هـ - 1925م) يمجد بها ثورة الشام على الاحتلال الفرنسي، وقد شهد أول نشوبها، وهو في دمشق، وتقطعت طريق الصحراء السالكة إلى العراق، فسيرت قافلته على طريق حمص - تدمر، بحراسة السيارات المسلحة إلى أن أسلمتها إلى (كبيسة) في شمال العراق".
(دِمَشْقُ)! حَماكِ (الله). ما الحادِثُ النُّكْرُ؟ 
سَلِمْتِ. وفِيمَ البَغْيُ راعَكِ والغَدْرُ؟ 
أحَقُّ.. أحادِيثٌ تَجُوبُ مُرِنَّةً 
بِبَلْواكِ، منها كادَ ينفِجرُ الصَّدْرُ؟ 
لَئِنْ نَزَلَتْ فيكِ الخُطُوبُ دَوامِياً 
لقد رَحَلَتْ عَنِّي الهَناءَةُ والبِشْرُ 
• • • 
دَعِي عنكِ تطريبي، أمَيْمَةُ، جانِباً 
وبَكِّيِ معي أهْلاً أصابَهُمُ الضُّرُّ 
هُمُ قد أبَوْا ذُلَّ الحياةِ، وآثَرُوا 
على العيشِ مَوْتاً طَعْمُهُ أبَداً مُرُّ 
ومَنْ كانَ (قَحْطانٌ) أباهُ، فإنَّهُ 
«له الصَّدْرَ دُونَ العالَمِينَ أوِ القَبْرُ» 
سَلامٌ على تلك الشَّمائِلِ! إنَّها 
عَبِيرٌ.. نَمَى في الخافِقَيْنِ له نَشْرُ[1] 
فمَنْ مُبْلِغٌ صُهْبَ العَثانِينِ أنَّهُمْ 
على سَفَرٍ، لا يَسْتَتِبُّ لهم أمْرُ؟[2] 
وأنَّ (بني قَحْطانَ)، ساداتُ نَفْسِهِمْ 
ومَوْطِنُهُمْ حُرٌّ، ومُلْكُهُمُ حُرُّ 
هو (المَجْدُ).. أمّا بيتُهُ فمُعَزَّزَ، 
وأمَّا حُماةُ البيتِ فَ(العَرَبُ الغُرُّ) 
لَحا (الله) قوماً يبتغونَ امْتِلاكَهُ 
ودُونَ ذَراهُ منهُمُ عَسْكَرٌ مَجْرُ[3] 
إذا نَهَدُوا للحربِ راعُوا، وأدْبَرَتْ 
جُمُوعُ العِدا فَّلاً، ومِنْهُمْ بِهِمْ ذُعْرُ[4] 
فكيفَ بقومٍ.. إنْ يُقَعْقَعّ لكَبْشِهِمْ 
يَطِرْ وله مِن جُبْنِهِ أرْجُلٌ عَشْرُ؟[5] 
فلو أنَّهُمْ أبْطالُ يومِ كَريِهَةٍ، 
لمَا انهزمُوا عندَ النِّزالِ وهُمْ كُثْرُ[6] 
ولا ثَأرُوا مِنْ أنْفُسٍ مُطْمَئِنَّةٍ 
وما كان عندَ الآمِنِينَ لَهُمْ ثَأْرُ 
ولا رَوَّعُوا الغِيدَ الأوانِسَ كالدُّمَى 
وما كان يوماً عِنْدَهُنَّ لهم وِتْرُ[7] 
ولا ذَعَرُوا الأطفالَ كالزَّهْرِ في الرُبا 
وما كان للأطفالِ عندَهُمُ وِزْرُ[8] 
ولا حَرَّقُوا البُلْدانَ وَهْيَ نَضِيَرةٌ 
وأنْهارُها تَجْرِي، وجَنّاتُها خُضْرُ 
تَرَقْرَقَ ماءُ الحُسْنِ في جَنَباتِها، 
ولاحَ بها ثَغْرُ الطَّبِيعةِ يَفْتَرُّ.[9] 
• • • 
ألا... سَفِهَتْ تلك الحُلُومُ بما جَنَتْ، 
وليس، لَعَمرِي، للَّذِي قد جَنَتْ حَصْرُ 
إذا .. أجْمَلَ البَرْقُ الخَفُوقُ حَدِيثَها، 
فِلي من وراءِ الغيبِ في شَرْحِهِ خُبْرُ[10] 
فوالَهْفَ نَفْسِي، يا (دِمَشْقُ)! وما عَسَى 
يَرُدُّ عليكِ اللَّهْفُ، والدَّمْعُ، والزَّفْرُ؟ 
فصًبْراً على البَلْوَى (دِمَشْقُ)، وإن طَمَتْ 
فبعدَ اشْتِدادِ العُسْرِ ينكشفُ العُسْرُ 
على أنَّ في البَلْوَى حياةً جديدةً 
وإنَّ من الظَّلْماءِ ينبثقُ الفَجْرُ 
فإنْ قُتِلَ الأحرارُ فِيكِ، فإنَّما 
لِيُنْشَرَ بيْنَ العالَمِينَ لَهُمْ ذِكْرُ 
وإنْ دُمِّرَت فيكِ القُصُور، فإنِّما 
لِيُرْفَعَ لاسْتِقْلالِ أصْحابِها قَصْرُ 
هُوَ السَّيْفُ، فَلْيُسْلَلْ، فإنَّ بِحَدِّهِ 
لَيُسْتَأصَلُ العادِي، ويَنْحَسِمُ الشَّرُّ 
وما صُنِعَ الصَّمْصامُ إلاَّ لجِائِرٍ 
على الحَقّ، لا يَلْوِيهِ نَهْيٌ ولا زَجْرُ[11] 
ومَنْ طَلبَ اسْتِقْلالَهُ بلِسانِه 
كمَنْ خَطَبَ الحسنا وما عندَهُ مَهْرُ 

________________________________________
[1] النشر: الريح الطيبة.
[2] الصهب: جمع الأصهب، وهو من خالط بياض شعره حمرة. - العثانين: جمع العثنون، وهو اللحية، والأعداء صهب العثانين أو السبال، وإن لم يكونوا كذلك. - استتب لهم الأمر: استقام واستمر.
[3] المجر: الجيش العظيم.
[4] نهد للحرب: صمد لها. - الفل: المنهزمون.
[5] الكبش: سيد القوم، وقائدهم.
[6] الكريهة: الحرب، أو الشدة في الحرب، أو النازلة. - النزال: أن ينزل الفريقان.. فيتضاربوا.
[7] الغيد: جمع الغيداء، وهي المتثنية ليناً. - الأوانس: جمع الآنسة، وهي الطيبة النفس. - الوتر: الذِّحْلُ، أي الظلم، ورجل ذاحل: جائر.
[8] الوزر: الإثم.
[9] يفترُّ: يضحك ضحكاً حسناً.
[10] الخبر: العلم.
[11] الصمصام: السيف لا ينثني.

JoomShaper