بلقيس الملحم
-1-
المُستَأجِرون الجُدُد
لم يلحظوا قُبُلاتي التي طبعتُها على الجدران
لم يشمُّوا وَلَهي الذي تركتُه على النّوافذ
لم يذوقوا دموعي التي أغرقتُ بها وِسادتي
حتى بقعُ الدّمِ التي سبحتْ فيها آثارُ أقدامهم
لم يرفعوا ثيابَهم عنها ..!
عفوًا
هل قلتُ المُستَأجِرون ..؟!

-2-
متأخّرة عن باقي القرى
هبط السّفاحون إلى قريتنا
فيبس الهواء
وتخمَّرت أرواحُ الشّهداء
لم تفعل العصافيرُ شيئًا
لقد ارتعدتْ برهةً
ثم رمتْ نفسها من سطوحِ المنازلِ ومن الأشجار
أنصتُّ لنشرةِ الأخبار
اكتفيْتُ بالسّماء
وتركْتُ الغابةَ مخذولةً في صدري ..!

 

-3-
سالتِ الدّماء..
قهقهَ القاتل
ومع ذلك، لم يشعرْ بالسّعادة..!

-4-
الغزاة الذين سلخوا ضحكتي
نسُوا في حديقة منزلنا:
النّواحَ المسروقَ من جيب أمّي
لذا أفقْنا على مقبرةٍ جماعيّة
نصَبَ سرادقَها صباحٌ مسعور
وثياب أمّي التي مزّقها أنفُ أبي وهو يشمّها
الشّمس الباردة، ترصّدت جسدَها البارد
ثم غربتْ بسرعة
لم تتدربْ على السّهر طويلاً..
ولا على الوقوف أمام الذّئاب..!

-5-
لم يكن الوقتُ كافيًا لمعرفة وجهِ قاتلي
لكنّي
لمحْتُ بعد الفزع وقبل السّباتِ الطّويل:
عينين من حجر
ولسانًا من خشب
وأنفًا من عجينة مختمرة
ظننْتُه خنزيرةً حائضة
لكنّي
لمحْتُه للمرّة الأخيرة
كان يتكلّم بلهجتي
ويلبسُ نفسَ جِلدي
وينتعلُ بسطالاً أخضرَ
كنتُ أؤدّي له التّحيّة يومًا ما..

 

-6-
لِمَ استعجلتْ الذّئابُ غنائمَها ..؟
هل كانت عطشى إلى دمائنا إلى هذا الحدّ؟
أم أنّ بطاقاتِ دخولِهم لجهنّم
لا تُختَم إلاّ بأسمائنا..!

-7-
كنْتُ أتمنّى
أنْ يمشي أخي في جِنازتي
أنْ يحرس ظلّ شاهدتي الطينيّة
أنْ يخبرَني
متى قُتلتُ.. وعلى أيِّ جدارٍ نحروني
فقد كانتْ جدرانُ الغرفِ تتشابهُ في الظّلام
تمنّيتُهُ..
لكنّه غاب عن جموعِ القرية
كان منشغلاً بانتزاعِ الياسمين
ونثرَهُ في البركة الآسنة..!

-8-
كنتُ أتغوّطُ في ملابسي
لذا برد الحساء
وسقطَتْ فيه الذّبابة!

-9-
لم يسبقْ لهم الدّخول في الجحيم
لذا جرّبوا علينا قنابلَهم العنقوديّة
ليعقدوا زفافَهم هناك..!

-10-
كنتُ في طابور النّازحين
كنتُ سأمسكُ به
ذلك العصفورُ الذي وقف على حوض الماء
لولا أنّ الطّائرةَ الحربيّة ..
كنتُ سأقضمُ خبزتي اليابسة
لولا الدّمُ الذي نُقعتْ به..
كنتُ سأفتحُ فمي لأُحاكي ضحكةَ أخي الرّضيع
لولا الانفجارُ المدوّي
كنْتُ..
لكنّي طحنْتُ أسناني الصّغيرة..!

-11-
الدّول الجشِعة
بدأت تخطّطُ
لمتحف يؤرّخُ مجازرنا ..
رقَّم القاعات
وافتتْحتُها
ولمَّا نعدْ بعدُ إلى مدنِنا المنكوبة
واحدةٌ من القاعات أسموْها:
حماة
والأخرى حمص
والباقي يُستدلّ بها أبجديًّا..!

JoomShaper