مرح البقاعي
الحياة
الخميس 22/7/2014
«لم يكن الفرار من الوطن المدمّر سوى الخطوة الأولى في رحلة محفوفة بالمشقّة. لقد نفد منهن المال، ويواجهن تهديدات يومية لسلامتهن، ويتمّ نبذهن لسبب واحد وهو خسارة أزواجهن في حرب ضارية. وهذا أمر مخزٍ، فهن يتعرضن للإذلال لخسارتهن كل شيء».
هكذا استهل المفوض السامي لشؤون اللاجئين، انطونيو غوتيرس، التقرير الموسّع الذي صدر مؤخراً عن مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، والذي حمل عنوان: «نساء بمفردهن... صراع اللاجئات السوريات من أجل البقاء».
التقرير سرد شهادات ما يقارب الـ 135 سيدة سورية لاجئة في دول الجوار وبعض الدول العربية. كما صوّر بعدسة الكاميرا مشاهد معاناتهن في تفاصيل وصور من واقعهن اليومي تدمي الروح قبل أن تتسلل إلى القلب.«هيا البالغة من العمر 29 سنة، أم وحيدة راعية لأسرتها بمفردها بعد موت الأب، تواجه صعوبات وتحدّيات أعظم من أن تطيقها في بلد اللجوء مصر. لديها ولدان وابنة، وتقول إن أصعب ما تواجهه في الحياة هو محاولة ابنها شادي البالغ من العمر تسع سنوات التخلّي عن طفولته والتصرّف كرجل بالغ من أجل أن يشعرها بوجود رجل يدعمها. أما ديالا التي تعيش في الإسكندرية فتقول إنها عندما كانت تحاول تسجيل ابنها في المدرسة قال لها المدير: سأسجله لأن وجهك جميل».
«هيفاء، 42 سنة، تعيش مع شقيقتها فرح، 43 سنة، ووسيم، ابن فرح، 11 سنة، في مرآب صغير يتألف من غرفة واحدة في البقاع بلبنان. تعيش الشقيقتان على كراسٍ متحركة. في سورية، كانت عائلتهما الكبيرة بمثابة شبكة دعم لهما، أما الآن فيعتبر وسيم أملهما الوحيد في حياتهما المعزولة خلف أربعة جدران والتي تستمر بتبرعات أهل الخير من المحيط والجيران».
هكذا يمضي التقرير في تسجيل شهادات سيدات خرجن تحت تهديد الحديد والنار من بيوتهن ليستقبلهن مصير غامض ومتداع كجدران منازل التنك والخيم الواهية التي يعشن خلفها بلا رجال ولا معيل إلا ما يصل إليهن من مساعدات دولية لا تُشبع من جوع ولا تؤوي من خوف، أو ما يستطعن تأمينه من دخل يسير مقابل أعمال بسيطة.
وجاء في التقرير الأممي أن 145 ألف عائلة سورية لاجئة في مصر ولبنان والأردن، أي ما يعادل عائلة من كل أربع عائلات، ترأسها نساء يخضن بمفردهن كفاحاً للبقاء على قيد الحياة، وواحدة من كل خمس نساء تشغل عملاً مدفوع الأجر أو تتلقى مساعدات من أقرباء لها، فيما ربع النساء يتلقين مساعدات من المفوضية، وثلثهن لا يكفيهن وأطفالهن الغذاء.
إثر أيام فقط من صدور هذا التقرير، قرّر مجلس الأمن بالإجماع التصويت بالإيجاب على القرار 2165 الذي يقضي بإدخال مساعدات إنسانية عبر أربعة معابر حدودية تقود إلى مناطق محررة تسيطر عليها المعارضة، وأن يتم تنفيذ هذا القرار من دون موافقة النظام السوري. وكانت الأمم المتخدة حذّرت في وقت سابق من أن عدد اللاجئين قد يصل إلى حوالى 4.10 مليون لاجئ بحلول نهاية 2014، وناشدت الدول المانحة توفير 6.5 بليون دولار لسورية والدول المجاورة لتقديم المساعدة لإجمالي 16 مليون شخص تضرروا نتيجة الصراع.
فما دور المجتمع المسلم في شهر رمضان الكريم في دعم مساعي المجتمع العالمي لجمع المبالغ اللازمة لتأمين حياة ملايين اللاجئين السوريين وفي مقدمتهم اللاجئات وأسرهن؟ وماذا يمكن للدول العربية، وهي ليست في أحسن أحوالها السياسية والاقتصادية، أن تقدّم لدعم المتضررين من امتداد نار الأزمة إلى عقر دارهم؟ وما واجب السوريين في استقطاب الدعم اللازم، وبالشفافية المالية المطلوبة، وطرح الآليات لمشروع جمع الأموال النزيهة؟
أطلق الحزب الجمهوريّ السوريّ مبادرة تدعو منظمة التعاون الإسلامي لإنشاء صندوق زكاة الفطر للعام الهجري 1435 للاجئين السوريين في دول الجوار والمناطق المحرّرة. وتوجّه الحزب للسيد إياد بن أمين مدني، أمين عام منظمة التعاون الإسلامي، ولجميع ممثلي الدول الأعضاء في المنظمة، بمبادرة لإنشاء صندوق لزكاة الفطر لهذا العام، تخصّص مخرجاته للّاجئين السوريين، ويكون بإشراف مالي وتنظيمي من المنظمة وبتعاون سياسي مع شخصيات وطنية سوريّة ممثلة في الحزب الجمهوري السوري.
فمواقف منظمة التعاون الإسلامي مشهودة في دعم ثورة الحريّة والكرامة في سورية، وقد طالبت المنظمة مراراً المجتمع الدولي، وبخاصة مجلس الأمن، بتحمل مسؤوليته، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية المدنيين وإنهاء إراقة الدماء.
وكان الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي السيد إياد مدني والأمين العام لجامعة الدول العربية السيد نبيل العربي قد أصدرا بياناً مشتركاً بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك يدعو «جميع الأطراف العسكرية المتحاربة في سورية الالتزام بالوقف الشامل لإطلاق النار وكل أعمال العنف والقتال». وأكّد البيان ضرورة «حقن دماء السوريين والتخفيف من معاناتهم القاسية». كما حثت المنظمتان الإقليميتان «جميع الأطراف والقوى الإقليمية والدولية الفاعلة المعنية بمجريات الأزمة السورية لدعم هذا النداء المشترك».
ومفصل القول إن اللاجئ السوري مكانه الطبيعي على أرضه الأم، وريثما تتحقق عودة اللاجئين جميعاً إلى أرضهم نرجو أن يتّخذ المسلمون المنضوون تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي، مواطنين ورسميين، دورهم المرتقب في جمع المال ووضعه في جعبة العمل الحلال: إغاثة أخواتهم وإخوانهم السوريات والسوريين في حاجتهم الملزمة لكل مسلم.
«ابني شادي يقول لي: لم أعد خائفاً من القصف بعد الآن، نعدك أنا وإخوتي بأننا لن نخاف... أعيدينا إلى سورية»! هذا ما اختتمت به اللاجئة هيا شهادتها للمفوضية العليا لللاجئين. فهل من مجيب؟!