هل أقوم لها؟ هل أترك لها مقعدي لتجلس عليه؟ هل أتركها واقفة؟ ولكن هل تقدر هي على ذلك؟

سألت نفسي وأسألكم هذه الأسئلة، ارتبكت، احترت، بعضهم يقول لي أن أقوم لها تعاطفاً مع المرأة وقدرتها على تحمل مشاق الوقوف. لكنّ الآخرين قالوا إنّ الرجل والمرأة صنوان، فحقوق الأول هي نفسها حقوق الأخير من باب المساواة بينهما في الحقوق والواجبات، إذن فإنّ حقي في مقعد الباص هو نفسه حقها، وعليه فإما أن أقف ونبقى واقفين، وإما أن يجلس أحدنا والسابق أولى به من اللاحق.

المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، أقف هنا، ثم أدخل إلى صفحات المعجم الوسيط الذي يعرف المساواة على أنها المماثلة والمعادلة، فيقول (تساويا) في كذا أي تماثلا وتعادلا؛ فالأول يماثل الثاني ويعادله.

أما الرجل والمرأة فهما شريكان لا ينفصلان وزوجان لا يتباعدان، متكاملان، متكافلان، متعاونان، لكل منهما حقوقه وعليه واجباته.
هذه قاعدة لا اختلاف فيها، فمن يفصل بين الرجل والمرأة فكأنما يفصل إحدى يديه، ليعمل بواحدة، فلا هو يستطيع ولا نحن نستفيد.
للمرأة حقوقها، لا يجوز سلب أحدها بأي حال، أبى من أبى، وشاء من شاء، بل لهذا الأخير حق المدافعة عن حقوقها والتعاون مع الآخرين لتنال

بداية أود أن أعبر عن احترامي وتقديري لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" التي تتولى الدفاع عن حقوق الإنسان في السعودية. وأنا باعتباري واحدة من النساء السعوديات - وغيري كذلك - أود أن أؤكد أننا لم نفوض هذه المنظمة أو نطلب منها الدفاع عن حقوقنا، أو التدخل في خصوصيات حياتنا التي لا أعتقد أنها تستوعب نمطها وأسلوبها.

وإذا اضطرت المرأة السعودية للدفاع عن حقوقها فهناك هيئات متخصصة ومحاكم شرعية تستطيع أن تلجأ لها لترد لها حقوقها، وتنصفها من الظلم الواقع عليها، دون الحاجة للجوء لهذه المنظمات الغريبة عن مجتمعنا الإسلامي وقيمه وآدابه ومعتقداته.

حرم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً، والله لا يحب الظالمين، ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، وكم في هذا الكون من ظلم وظلمات، ودعونا نقف اليوم على جانب من الظلم يقع على فئة كبيرة في المجتمع.
وهذا الظلم قديم يتجدد، لكن بصور وأنماط تختلف في شكلها وربما اتفقت في مضمونها. إنه ظلم المرأة. فقد ظلمتها الجاهليات القديمة، وتظلمها الجاهليات المعاصرة. تُظلم المرأة من قبل الآباء، والأزواج وتُظلم من قبل الصويحبات والحاسدات، بل وتُظلم المرأة من قبل نفسها أحياناً. تظلمها الثقافات الوافدة، والعادات والتقاليد البالية، تُظلم المرأة حين تمنع حقوقها المشروعة لها، وتُظلم حين تعطى من الحقوق ما ليس لها.
إنها أنواع وأشكال من الظلم لابد أن نكشف شيئاً منها، ونخلص إلى عظمة الإسلام في التعامل معها وضمان حقوقها، والاعتدال في النظرة إليها.

أجل إن ظلم المرأة قديم في الأديان والشعوب والأمم المختلفة فهي عند الإغريق سلعة تباع وتشترى في الأسواق، وهي عند الرومان ليست ذات روح، فهم يعذبونها بسكب الزيت على بدنها، وربطها بالأعمدة، بل كانوا يربطون البريئات بذيول الخيل ويسرعون بها حتى تموت، والمرأة عند القدماء من الصينيين من السوء بحيث يحق لزوجها أن يدفنها وهي حية ولم تكن المرأة عند الهنود ببعيد عن ذلك، إذ يرون الزوجة يجب أن تموت يوم موت زوجها، وأن تحرق معه وهي حية، على موقد واحد، وكذا الفرس فللرجل حق التصرف فيها بأن يحكم عليها بالموت أو ينعم عليها بالحياة. ولم تكن حال المرأة بأسعد من ذلك عند اليهودية المحرفة وكذا النصرانية، فهي عند اليهود لعنة لأنها أغوت آدم، وإذا أصابها الحيض فلا تُجَالس ولا تُؤاكل، ولا تلمس وعاءً حتى لا يتنجس!، كما أعلن النصارى أن المرأة باب الشيطان وأن العلاقة معها رجسٌ في ذاتها

انتهيت من التبضع في المركز العالمي للتسوق ...
ولأن حملي كان ثقيلاً أشار إلى البائع الصيني إشارة فهمت منها : هل تريد عاملاً للتحميل ؟ فأجبت : نعم ...
فخرج ثم عاد ومعه شابة صينية صغيرة قد لاتتجاوز العشرين ربيعاً..
فقلت له أين العامل ؟؟
فقال : هذه !!
استنكرت الأمر وطلبت رجلاً
ويبدو أن البائع فهم مايجري بداخلي من الدهشة والاستنكار فقال تعال انظر ..وكأنه يقول اختار ماتشاء فإذا هن مجموعة كبيرة من نوعية تلك الفتاة كل واحدة بعربتها تنتظر من يناديهن لحمل الحاجيات ..
لم أرضخ للأمر وخرجت أبحث عن العامل " الرجل " بين " كومة " من العاملات اللواتي عرضن علي الخدمة ..
ليس تقليلاً من شأن المرأة ولا تنقيصاً من قدرها بل عزت علي نفسي أن أمشي وتمشي خلفي فتاة تجر أحمالي وثارت علي مروءتي أن ترافقني - أعزكم الله - تلك السافرة إلى سيارتي وهاجت بي كبريائي أن أشارك هؤلاء القوم في ترخيص شأن المرأة وتنقيص قدرها وهي من أعزها الله سبحانه ورفع قدرها حتى إنه جعل سورة كاملة طويلة باسمها ..

تعرض الإسلام، ولا يزال، لحملات عدائية شتى، منها موقفه من المرأة، ولا سيما من ناحية عقلها، حيث يُتَّهم الإسلام بأنه ينتقص من عقل المرأة وقدراتها، وأنه يحط منها بالمقارنة مع الرجال. هذا في الوقت الذي أثبت فيه العلم عدم وجود أي اختلاف في قدرات التفكير عند المرأة والرجل. كما أن الواقع يشهد بغير ذلك، حيث وصلت المرأة إلى أعلى المراتب والمناصب، وحققت إنجازاتٍ وإبداعاتٍ فكريةٍ عديدة، لا سيما في العالم الغربي. مما يعني ببساطة، كما يزعمون، أن الإسلام يخالف العلم والواقع المحسوس، وأن أفكاره تتعارض وتتناقض مع هذه المعطيات المحسوسة المشهودة على أرض الواقع.

غير أن هناك من يقول بأن المرأة قد أتيحت لها فرصة عظيمة من حيث حرية العمل وإبراز إمكاناتها، ولكنها لم تُثبِت أنها على قدم وساق مع الرجل. فالرجل هو الذي أفسح لها هذا المجال من الحرية، ومع ذلك لم تصل إلى كثير من المناصب العالية التي لا يزال يتربع عليها الرجل. كما أنه هو الذي أتى بالأفكار العظيمة والمبادئ والنظريات والاختراعات وغير ذلك مما له شان يذكر.

JoomShaper