من كمال نعم الله سبحانه وتعالى أن جعل الأنبياء بشرا مثلنا لهم من القلوب والمشاعر وحب الزوجة والأبناء واشتهاء الذرية والحب الشديد لهم، بل الخوف عليهم ما يجعلهم قدوة لنا في الحرص على الأسرة ومكوناتها، وذلك مصداقا لقوله تعالى {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب} (الرعد: 38(

حب الأبناء من الفطرة التى فطر الله الناس عليها؛ فالأبناء نعمة وزينة في الحياة الدنيا وذخر في الآخرة كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} (الكهف: 46(

فهي هبة من الله سبحانه وتعالى حيث قال في كتابه العزيز {للهِ مُلْكُ السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاءُ الذكور. أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير} (الشورى:49-50)

من الخطأ في حقِّ الحب الطاهر والعفيف أن نبحث عنه في غير مظانِّه، وأن نحرص على تعلُّمه عند غير أهله، فالحب أكبر من أن يبدأ من مكالمة هاتفيَّة عابرة، بل خاطئة، وأسمى من أن تكون المسلسلات والأفلام مدرسته، وميدانَ تعلُّمه، وهو أطهر وأنقى من أن نبحث عن معانيه الراقية في ثنايا قصيدة لشاعر ماجنٍ لا يتقيَّد بشيء، ولأنَّ ديننا الحنيف دين الجمال والروح والعقل والبدن، فلا بد أنه سيعطي موضوع الحب قدرًا من الاهتمام، فقد شغل البشر قديمًا وحديثًا، ومثَّل قضيةً عامةً في جميع المجتمعات، فكان الحب الذي يصون كرامة المرأة وعفافها، ويكرم الرجل ويحفظ مكانته، بعيدًا عن اللعب واللهو والعبث باسم الحب، والتشبه بالضائعين والضائعات.
فلسنا بحاجةٍ إلى الحب بالمعنى المستورد من المجتمعات المتفككة والعابثة والبعيدة عن قوانين السماء مهما كانت دعاواهم.
تعالوا نتعرف عن الحب في حياة أتقى وأنقى الخلق - صلى الله عليه وسلم - لنعرف أين نحن منه، وكم حرمنا أنفسنا من حقيقة الحب:

ريما الزغيــّر
يميل الأهل بشكل عام أو بنسبة كبيرة منهم إلى معاملة الطفل الوحيد معاملة خاصة، "دلال مفرط" في محاولة شعورية أو لا شعورية للتعبير عن حبهم الكبير له
وهنا قد تظهر مشكلة لا ينتبه إليها الكثير من الأهل أو أنهم ينتبهون لكنهم لا يستطيعون السيطرة على مشاعر الحب التي تغمر قلوبهم على حساب التربية السليمة والصحيحة، وهذه المشكلة تتعلق بالسلبيات التي تنشأ عليها شخصية الطفل الوحيد عندما نتعامل معه بطريقة تربوية خاطئة.
للوقوف على سلبيات هذا النوع من التربية تحدث إلينا د. طاهر شريد " اختصاصي في التربية الخاصة بالأطفال المعوقين- محاضر في جامعة دمشق" قائلاً:
"بشكل عام تكون معاملة هذه الأسر لطفلها هي الدلال، والخوف الزائد، والحماية المفرطة، وهذا قد يولد عادةً بعض المشكلات النفسية أو السلوكية لدى الطفل منها: أنه لا يستطيع الاعتماد على نفسه في معظم الأمور، بحيث ينشأ على أن يكون إنساناً اعتمادياً واتكالياً وغير مستقل بذاته "حتى بعد أن يكبر"، بالإضافة لوجود ما يسمى قلق الانفصال عن أمه أو التعلق الزائد، لذلك نجده لا يرغب بالذهاب للروضة أو المدرسة، أو يحدث بأن يكون لديه حب السيطرة والعنف في تصرفاته لإحساسه بالتميّز عن غيره، لذلك نجده أنانياً في تعامله مع الآخرين و يُفضّل الوحدة، ويجد صعوبةً في الدخول بعلاقات اجتماعية سليمة، وربما يُعاني من اضطراب الرُهاب الاجتماعي".

د.عائض القرني
من المعلوم في الشريعة الإسلامية أن الناس جميعاً سواسية كأسنان المشط؛ لأنهم من أب واحد وأم واحدة، وإنما يفضل الفاضل منهم بتقوى الله وحده، كما قال تعالى: (( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ))، وفي الحديث: (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى) رواه أحمد، الناس لآدم وآدم من تراب.
ولهذا من المقرر في الشرع تكافؤ الناس وتساويهم في أنسابهم، ولهذا عمل الصدر الأول من هذه الأمة بقاعدة تكافؤ الناس في أنسابهم، وفي الحديث: (يا بني بياضة أنْكِحُوا أبا هندٍ وأنْكِحُوا إليه) رواه أبو داود وصحّحه ابن حجر.
وأبو هند كان حجّاماً وبنوا بياضة أسرةٍ من أسر الأنصار وهم أزديّون من أشرف العرب، وقد تزوج بلال بن رباح أخت عبد الرحمن بن عوف، وتزوج أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس القرشية، ولكن لما بَعُد الناس عن الشرع وتعلَّقوا بأنسابهم القبلية وانتماءاتهم الأسرية رفض الكثير منهم هذا المبدأ.

نحن بحاجة لجامعة الحياة الزوجية، يُدَرَّس فيها فن تعامل الزوج مع الزوجة، والزوجة مع الزوج، وتُدَرَّس مواد عن الحياة الزوجية، وأساليب التعايش الأسري، يقوم بتدريس هذه المواد معلمون ومعلمات عندهم خبرة واسعة وتجربة طويلة في حسن العشرة، ولديهم التخصص في حل المشكلات الزوجية، وتكون هناك دورات للشباب والشابات قبل الزواج؛ حتى يتعلم الجميع الحياة الزوجية الراشدة على نور من هدى الإسلام، والتجارب الصحيحة الناضجة في هذا الباب، حينها لا يتزوج الفتى والفتاة إلا بعد معرفة تامة بكيفية التعامل، واحترام المشاعر، وأداء الحقوق، حينها تنتهي غالب مشكلاتنا الأسرية، ومآسينا الاجتماعية؛ كقضية الطلاق والهجر والشقاق والغضب وإهمال الأبناء وسوء التربية ونحوها من المعضلات. قرأت كتبا غربية في هذا الباب فإذا كثير من أفكارها موجود عندنا في ديننا الحنيف، لكنها لا تُفَعَّل لدينا في حياتنا، وبقيت رهينة الكتب، فحصل عندنا عنف اجتماعي وأسري، وقسوة وتنافر في الحياة الزوجية، تنتهي بالفراق والطلاق وتهديم الأسرة وضياع الأبناء، وإبطال مشروع الزواج وهدم مقاصد البيت في الإسلام، ووعظ الناس وعظاً شفوياً لا يكفي في تطبيقهم وامتثالهم للأفكار الراشدة والعلوم النافعة؛ بل ينبغي أن يكون هناك تدريب عملي وتطبيق ميداني، مثل من يأخذ دورات في الخطابة والإدارة والتجارة.

JoomShaper