بقلم : د. محمود نديم نحاس
ليس في العنوان أي خطأ! ولم يحصلوا على الشهادة بدفع رشاوى، أو بالغش! لكنهم لن يتمكنوا من العمل، فشهادتهم من نوع آخر! إذ أرواحُهم في جوفِ طيرٍ خُضرٍ، لها قناديلُ مُعلَّقةٌ بالعرشِ، تسرحُ من الجنةِ حيث شاءت. هذا ما نرجوه من الله أن يتقبل أولئك الذين قضوا تحت القصف الجوي وهم يؤدون امتحاناتهم في جامعة حلب السورية. ففي الحديث النبوي الكريم (الغريقُ شهيدٌ، والحريقُ شهيدٌ، والغريبُ شهيدٌ، والملدوغُ شهيدٌ، والمبطونُ شهيدٌ، ومن يقعُ عليهِ البيتُ فهوَ شهيدٌ، ومن وقعُ من فوقِ البيتِ فتدقُّ رجلُهُ أو عنقُهُ فيموتُ فهوَ شهيد، ومن تقَعُ عليه الصخرةُ فهوَ شهيدٌ، والغيرَى على زوجِها كالْمُجاهدِ في سبيلِ اللَّه فلها أجرُ شهيدٍ، ومن قُتِلَ دونَ مالِهِ فهوَ شهيدٌ، ومن قُتِلَ دونَ نفسِهِ فهوَ شهيدٌ، ومن قُتِلَ دونَ أخيهِ فهوَ شهيدٌ، ومن قُتِلَ دونَ جارِهِ فهوَ شهيدٌ، والآمِرُ بالمعروفِ والنَّاهي عنِ المنكرِ شهيدٌ).

تتمنى شريفة أن تتمكن من استعادة قدرتها على المشي مجدداً، بعد أن فقدت قدمها في غارة شنتها طائرات نظام الرئيس بشار الأسد على منزلها، والآن ترقد في مخيم كغيرها من اللاجئين السوريين بالقرب من الحدود التركية.
لكن قسوة الحياة لم تفقد شريفة عزيمتها، إذ تقوم بتدريس الأطفال في المسجد التابع للمخيم، وتتمنى بالاستمرار في مهنة التدريس عندما تعود إلى قريتها في المستقبل، لكنها لا تتمكن من المشي لحاجتها إلى عكاز تستعين به، لتواصل العيش بها في ما تبقى من حياتها.
شريفة هي واحدة من اللاجئين الذين يعانون من الحالة التي أسمتها لجنة الإغاثة الدولية بـ”الكارثة الإنسانية الإقليمية”، وهي حالة الشتات التي يعيشها الكثيرون على وقع الحرب الأهلية التي تعصف بسوريا منذ قرابة العامين.

طارق السيد
"متنا من البرد خافوا الله.." بهذه الصرخة عبر لاجئ سوري في مخيم الزعتري بالأردن، عن حجم المأساة التي يعيشها الشعب السوري هذه الأيام، فقد اجتمع عليهم القصف الوحشي والمجازر والمذابح الإجرامية التي ترتكبها عصابات بشار الأسد، ليضطروا مغادرة بلدانهم ومساكنهم فارين بأطفالهم ونسائهم إلى الدول المجاورة  ظنا منهم أنها فرصتهم في الحفاظ على حياة هؤلاء الأطفال، حتى يفاجئوا بواقع يقطر مأساوية، ربما لا تقل عن الأوضاع التي فروا منها، حيث يعيشون في العراء دون سكن أو مأوى، في ظل صقيع وثلوج وأمطار غير مسبوقة، وانخفاض في درجات الحرارة إلى أقل من الصفر،  مما يعرض حياة الكثيرين للخطر.

جواهر سوريا
تنتظر أم خليل محتضنة طفلها ذا العامين أمام مدخل خيمة للانتظار في مخيم الزعتري، مجيء الممرضة التي تطلب المرضى الذين ينتظرون دور الكشف عليهم بالاسم، كي لا يحدث تكدس داخل العيادة، بينما يدها تحنو على رأس أحمد طفلها الصغير بلمسات خفيفة لعلها توقف بكاءه المتواصل.في خيمة الانتظار المنصوبة بجوار مجموعة من الكرافانات حيث يعمل بداخلها عدة أطباء وممرضين، تصدح أم خليل مرددة بصوت عال: «فقدت منزلي في درعا جراء قذيفة دبابة ولا أريد أن أفقد ابني أحمد».
أحمد يعاني منذ أيام من سعال شديد جراء الغبار في ساعات النهار والبرد القارس في الليل، وتقول أمه «أراجع باستمرار العيادات الطبية لأن ابني أصيب فجأة بمرض في صدره نتيجة البرد ورحلتي من درعا إلى مخيم الزعتري.. لكن الأمر بات أكثر مأساوية خلال الأيام الماضية».

بدرالدين حسن قربي
لم يكن إطلاق النار على المظاهرات الشعبية، التي انطلقت في محافظة درعا مع بداية أيام الثورة السورية أمراً جديداً على نظام تاريخه معروف في قمع معارضيه وقتلهم حتى من قبل الثورة ولا يُعرف غير ذلك، بل جديدها خطف الجرحى والشهداء من الشوارع والمشافي الحكومية، وهو ماكان من بعد إصابة محمد أبو العيون المحاميد ابن الأربعة وعشرين ربيعاً، في 23 آذار/مارس 2011 من يوم أربعاء لن ينساه آل المحاميد ولا أهل حوران ولا أحرار سوريا، لأن الشهيد كتب فيه سِفراً من أسفار البطولة بدمه قصيدةً لا أجمل ولا أروع لعيون الحرية والكرامة.  أصابوه برصاصهم المتوحش القاتل، خطفوه من الشارع، وظنهم أنهم قد أجهزوا عليه. 

JoomShaper