علي الطنطاوي
لم أسمع زوجًا يقول إنه مستريح سعيد، وإن كان في حقيقته سعيداً مستريحًا؛ لأن الإنسان خلق كفورًا، لا يدرك حقائق النعم إلا بعد زوالها، ولأنه ركب من الطمع، فلا يزال كلما أوتي نعمة يطمع في أكثر منها، فلا يقنع بها ولا يعرف لذاتها، لذلك يشكو الأزواج أبدًا نساءهم، ولا يشكر أحدهم المرأة إلا إذا ماتت، وانقطع حبله منها وأمله فيها، هنالك يذكر حسناتها، ويعرف فضائلها.
أما أنا فإني أقول من الآن تحدثاً بنعم الله وإقرارًا بفضله:
إني سعيد في زواجي وإني مستريح وقد أعانني على هذه السعادة أمور يقدر عليها كل راغب في الزواج، طالب للسعادة فيه، فلينتفع بتجاربي من لم يجرب مثلها، وليسمع وصف الطريق من سالكه من لم يسلك بعد هذا الطريق.
أولها: أني لم أخطب إلى قوم لا أعرفهم، ولم أتزوج من ناس لا صلة بيني وبينهم.. فينكشف لي بالمخالطة خلاف ما سمعت عنهم، وأعرف من سوء دخيلتهم ما كان يستره حسن ظاهرهم، وإنما تزوجت من أقرباء عرفتهم وعرفوني، واطلعت على حياتهم في بيتهم وأطلعوا على حياتي في بيتي، إذ رب رجل يشهد له الناس بأنه أفكه الناس، وأنه زينة المجالس ونزهة المجامع، وأمها بنت المحدّث الأكبر، عالم الشام بالإجماع الشيخ بدر الدين الحسيني رحمه الله، فهي عريقة الأبوين، موصولة النسب من الجهتين.

فتحية توفيق
اللَّبنةُ الأولى في بناء أي مجتمع، هي الأسرةُ، فإذا كانت هذه اللبنة مفكَّكةً منهارةً، فلا بد أن يكون المجتمع مفكَّكًا منهارًا.
وإذا كانت هذه الأُسرة صُلْبةً متماسكة، فلا بد أن يكون المجتمعُ المتكوِّن منها صُلبًا متماسكًا كذلك.
ولَمَّا كان الإسلام الحنيف يعمل على تكوين المجتمع الإسلاميِّ القوي، فقد حرَص على تدعيم اللَّبِنة الأولى في البنيان الاجتماعي، وهي الأسرة، وعمل على إسعادِها وعلى تقوِيتها.
وفي هذا الصَّدد جاء بالمبادئ والقوانين التي تعمل على إحكامِ العَلاقات والروابط داخل الأسرة، وعلى تقويتها وحِفظها من الضَّعف والانهيار، وأوجبَ على المجتمع أن ينفِّذ هذه المبادئ والقوانين.
قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].
ففي مجالِ العَلاقة بين الزَّوجين يحرص الإسلام على أن تكونَ هذه العلاقةُ أقوى ما تكونُ.
ولهذا كان الزَّواج في الإسلام مؤسَّسةً اجتماعية دينية، يدخل فيها الرجل والمرأة قصدًا لتحقيق مصالح مشتركةٍ بين الطَّرَفين.
وأهمُّ هذه المصالح بالنسبة للزَّوجين هي توفير وضعٍ اجتماعي، يتمتع فيه الطَّرَفان بثمرات المودَّة والمحبَّة، وإرضاء النَّزعات الطبيعية للإنسان بصورةٍ كريمة مستقرَّة.
كما يُرضِيانِ الغريزة الوالديَّة التي تتطلَّع دائمًا إلى الأولاد، وتدفع إلى العناية بهم، وتوفير أسباب النُّمو والازدهار لهم.
وبالنِّسبة للأولاد، فالأسرة - الزَّوج والزوجة - البيئةُ الطَّبيعية الضرورية لوجودهم وحصولِهم على أسباب النُّمو العقليِّ والجسمي، والفِكْري، والوعي الثقافيِّ، ولا شك أنَّ أوضاع الأسرة الإسلامية، قد أخذت الطابَع الأصيل الذي يجعلها خيرَ وسيلة لأغراض الأسرة ومهمتها في المجتمع.

د. سامية عطية نبيوة
أصبح صمتُ الزوج الدائم شكوى الكثير من السيدات؛ وذلك لعدم وجودِ حوارٍ بين الزوجين؛ وذلك نظرًا لِما يشعُرْن به من الأسى والمرارة بسبب العجز في التواصل مع الزوج؛ حيث تقول الكثيرات منهن: إن الزوجَ عند جلوسه مع أصدقائه أو أقاربه يكون متحدثًا ومحاورًا بدرجة ممتازة على عكس سلوكه معها، كما أنه عندما يكون في لحظات الصمت القاتلة داخل المنزل قد لا يكسِرُ هذا الصمتَ إلا جرسُ تليفونه الخاص، فعندها يتحول فجأة إلى شخص آخر، ولكن هل حاولت إحدى هؤلاء السيدات أن تحطِّم جدران الصمت التي كوَّنتها الأيامُ والزمن بينها وبين زوجها؟ هل حاولت إحداهن معرفة سبب ذلك؟
أسباب الصمت الزواجي:
قد يرجع سببُ الصمت بين الزوجين إلى أن الزوجةَ لا تهتم أثناء حديثها مع زوجها إلا بالحديث عن الاحتياجات المادية للأسرة، ولا تلاحظ أن كثرةَ الأعباء المادية ترهق الزوجَ؛ مما يدفع الزوج إلى تجنُّب الحديث معها؛ لأنه أصبح يعرِفُ ما سوف تتحدث عنه الزوجة مسبقًا.
كما أن التطور الكبير للتكنولوجيا وزيادة وسائل الترفيه أدى إلى ضياع الوقت، كما في ظهور التليفزيون وما تبِعه من تعدُّد القنوات الفضائية، وظهور الكمبيوتر والإنترنت؛ حيث أثَّر ذلك بشكل كبير على استمرار لغة الحوار والاتصال بين الزوجين، وأدى إلى هروب الأزواجِ إلى مشاهدة التلفاز، أو إلى الجلوس أمام الإنترنت وانعدام لغةِ الحوار بين الزوجين.

إن معرفة المشكلات التي يعاني منها الناس واحدة من الطرق التي نستطيع بها الدخول إلى العوالم السريّة الصامتة في أيّ مجتمع، ومعرفة خباياه وما يحدث داخل زواياه، وإن معايشة هموم وواقع شريحة ما من هذا المجتمع الذي ننتمي إليه ونشعر بمسؤولية المساهمة في إصلاحه، وقيادته نحو الاستقامة التي تعود عليه بالخير في الدنيا والآخرة، لهي السبيل إلى معالجة هذا الواقع بالشكل المناسب لتوفر المعطيات الكافية من أجل رؤية شاملة للحقيقة وتصور واقعي للحل.
وإذ أتابع المشكلات والحلول في الصحف على اختلاف اتجاهاتها وأهدافها، وحصص الفتاوى أو المجتمع على القنوات أو حتى على شبكة الأنترنت، منذ أزيد من خمسة عشرة سنة، كمجرد اهتمام ثمّ كهمّ دعويّ أتعرف من خلاله على واقع النساء والفتيات وما يعانين منه، وعايشت بعضها عن قرب، وقد ذهلت مرات عديدة من شدّة ما علمت، وما وقفت عليه من مآسي وأحزانٍ تهد الجبال الرواسي في حياة كثير من الفتيات المسلمات، فكان أوّل سؤال يتبادر إلى ذهني بعد قراءة أو معايشة أيّ مشكلةٍ بصورة تلقائية، وأردده بيني وبين نفسي بحرقة وألم هو: أيـن أمّ هذه الفتــــاة؟
أين أمّ هذه الفتاة في اللحظات الوئيدة التي كانت فيها هذه البنت تقترب من الخطأ؟ وأين هي حين كانت ترتكب الخطأ؟ وأين هي حين كانت تغرق في ظلمات الخطأ؟ وأين هي حين كانت ابنتها تعيش عواقب خطئها، وتتألم ليل نهار في صمت قاتل وتتمنى الموت في اللحظة الواحدة ألف مرة ؟

الشيخ محسن عطوي    
تعتبر العلاقة بين الآباء والأبناء من نوع العلاقات الأسرية التي تتسم بقدر يعتد به من التعقيد، مثلها في ذلك مثل العلاقة بين الأزواج والزوجات، ومثل العلاقة بين الإخوة والأخوات، وذلك نظراً لقوة التماس الحاصلة بين كل طرفين من هؤلاء بسبب عيشهم في دائرة محصورة مشتركة في البيت، فإننا حتى لو تجاوزنا الحقوق العامة والآداب التي تنظم علاقة الآباء بالأبناء سوف نجد أن كل صغيرة في حياتهما المشتركة من شأنها إثارة الخلاف أو إشاعة أجواء الود والصفاء، لذا فإنك تجد صعوبة في استعراض هذه المشكلات واحدة واحدة لعدم وقوعها تحت الحصر.    
-        الحق الأعظم:
والذي يميز الوالد في هذه العلاقة أن حقه على ولده يرتفع ليصل إلى حدود حق الله سبحانه وتعالى في الثبات والرسوخ والتقدير، وهو أمر يجعل الوالد – مهما كان سيئاً – في مرتبة من الاحترام لا تمكّن الولد من خوض غمار خصومة متكافئة معه، بل يجب أن يبقى مطاطئاً رأسه ومتسامحاً مع أبيه وطالباً لرضاه ومتقرباً منه.. من دون استثناءات أبداً.
إنّ سوء الفهم لهذه الميزة هو الذي قوّى قدرة الوالد على الاستبداد بولده، وأطاح بحقوق الولد على أبيه، وذلك لأنّ الكثير من الناس – ومنهم الآباء – يحرصون على امتيازاتهم وحقوقهم وخصوصياتهم أكثر من حرصهم على حق الآخرين وخصوصياتهم، فتجد الوصية الذهبية الخالدة التي وردت في الأثر الإسلامي الشريف: "أحب لأخيك ما تحب لنفسك..." وكأنّ الآباء مستثنون منها في علاقتهم بأبنائهم، وكلما أتقن الابن الطاعة وإحناء الرأس كلما اشتد هؤلاء الآباء في تسلطهم على أبنائهم. إن هذا الحق الأعظم الذي أُعطي للوالد على ولده في الوقت الذي هو تكريم وشرف لهذا الرجل فإنّه أيضاً مسؤولية وفتنة، وهو عندما أًُعطي أمانة رعاية هذا الابن قد أصبح مسؤولاً أمام الله تعالى وأمام الناس عن حسن تعهده لهذه الأمانة، ومن ثمّ فإنّه يستحق اللوم والعقاب عند لجوئه إلى أنانيته واهتمامه بنفسه على حساب ابنه وسعادته، فمن المؤسف أن يكون ذلك سبباً في استبداد الآباء بالأبناء وتضييع حقوقهم لمجرد أنهم أبناء، كذلك فإنّه من المؤسف أن يكون ذلك أحد أهم الأسباب في تمرد الأبناء على الآباء وتجاوز حقوقهم.

JoomShaper