وائل حافظ خلف
من روائع وصايا الآباء للأبناء
(الحلقة الثالثة)
(الوصايا من 11 إلى 15)
( طاقة عطرة من وصايا آباء أَلِبَّاء: صلحاء وأتقياء، وعلماء وحكماء، وأدباء وشعراء... يَقْدُمُهم الرسل والأنبياء.
وإنما هذه الوصايا نفعها لمن عقلها، ثم ألزم نفسه العمل بها )
الوصية الحاديةَ عشرةَ (11)
وصية نبيِّ الله نوحٍ - صلى الله عليه وسلم - لابنه
عن عبد الله بن عمرو بن العاصي[1] - رضي الله عنهما - قال، قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ: إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ[2]: آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ:
• آمُرُكَ بِـ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ"؛ فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ[3]، لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ" فِي كِفَّةٍ؛ رَجَحَتْ بِهِنَّ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ". وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ، كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً، قَصَمَتْهُنَّ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ".
وَ "سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ"[4]، فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ.
• وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ )).
أخرجه في أثناء حديثٍ: الإمامُ أحمدُ في " المسند " (2/169-170)، والبخاريُّ في "الأدب المفرد" حديث رَقْم (548)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/49)، وصحح إسنادَه العمادُ ابنُ كثير - رحمه الله - في " البداية والنهاية " (1/119). وانظر "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" للحافظ نور الدين الهيثمي - رحمه الله - (4/219-220).

أهداف الأسرة
إن الإسلام رَعَى الأسرة واهتمَّ بها، فوضع لها الأهدافَ التي تمكِّنها من ممارسة وظيفتِها في ظل المودَّة والقيم الخُلُقية الإسلامية، ولا يمكن تحقيقُ أهدافها إلا إذا التزمت بمنهج الإسلام ونظامه الاجتماعي، فإذا قصرت أهدافها تكون قد خالفت هذا المنهج، وبذلك التقصير تضرُّ بالمجتمع كله، ويعتبر تكوين الأسرة سبيلاً لتحقيق أهداف تشمل كلَّ مناحي الحياة في المجتمع الإسلامي، وهي تتمثل فيما يلي:
أولاً: هدف ديني:
إن أهم أهداف الأسرة هو عبادة الله - سبحانه وتعالى - في جوٍّ أُسرِي؛ إذ يعتبر الهدف الأسمى للتربية الإسلامية؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، "إنها العبادة... عبادة في الزواج، وعبادة في المباشرة والأنسال... عبادة الله في كل حركة وفي كل خطرة"؛ فائز، (1403 هـ، ص 59).
إن تكوين الأسرة أمرٌ ديني أَمَر به الإسلام حتى يتمَّ التقاء الرجل والمرأة في صورة مشروعة، وهدف تكوين الأسرة هو عبادة الله إذا رَغِب الإنسان في النكاح وطالب به.
ولقد حثَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمر بالزواج وتكوين الأسرة؛ فعن عبدالرحمن بن يزيد قال: "دخلتُ مع علقمة والأسود على عبدالله، فقال عبدالله: كنا مع النبي صلى - صلى الله عليه وسلم - شبابًا لا نجدُ شيئًا، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا معشر الشباب، مَن استطاع الباءَة فليتزوَّج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاء))؛ (البخاري، د.ت، جـ 7، ص 3).
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوَّجوا فإني مكاثرٌ بكم الأممَ، ومن كان ذا طَوْلٍ فليَنكِح، ومن لم يجد فعليه بالصيام؛ فإن الصوم له وِجَاء))[1] (ابن ماجه، د.ت، جـ 1، ص 592).

د. كامل حمدي عبد الكريم
كثيرون هم أولئك الذين ينقبون عن مفاهيم الحب بين سطور الأساطير أو قصص الأفلام، بينما يغيب عن كل هؤلاء، أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم هو أول من علمنا أصول الحب!
تحت راية الإسلام، رٌفِعت جميع الشعارات الدينية والاجتماعية والسياسية.. ليبقى الحب في الإسلام هو الشعار المنبوذ، فكم منا فكر أن يستحضر سنة النبي صلى الله عليه وسلم في حبه لزوجاته، مثلما يحاول تمثله في كل جوانب الحياة الأخرى؟!..
حرب لا تخلو من حب!
لم تستطع السيوف والدماء أن تنسي القائد (رغم كل مسئوليات ومشقة الحرب بما تحمله من هموم) الاهتمام بحبيبته، فعن أنس قال: "...خرجنا إلى المدينة (قادمين من خيبر) فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عند بعيره، فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبتيه حتى تركب" (رواه البخاري)، فلم يخجل الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يرى جنوده هذا المشهد، ومم يخجل أو ليست بحبيبته؟!
يبدو أن هذه الغزوة لم تكن استثنائية؛ بل هو الحب نفسه في كل غزواته صلى الله عليه وسلم فوصل الأمر بإنسانية الرسول الكريم أن يدخل المسرة على عائشة رضي الله عنها في رجوعه من إحدى الغزوات، فيجعل القافلة تتقدم عنهم بحيث لا تراهم ثم يسابقها.. وليست مرة واحدة بل مرتين..

د. جاسم المطوّع
هناك عدة عناصر ضرورية لاستمرار الحياة الزوجية، لعل أهمها: الأمن النفسي للمرأة والثقة والتقدير للرجل، ثم وجود طريقة آمنة للتحاور ولإخراج المشاعر، وكذلك للتعبير عن الغضب، أما إن اختفت أو تزعزعت تلك المقوِّمات فإن الخلاف الأسري سيظهر؛ وهنا قد يصاحبه مع الأسف استخدام العنف، وهو أمر غير مستحب في ديننا الإسلامي؛ فقد ورد عن معلِّمنا ومرشدنا رسول الله صلى لله عليه وسلّم أنه قال: «ولا يضرب خياركم» أي إنّ الأخيار من أمة محمد صلى لله عليه وسلّم لا يستخدمون الضرب، وخاصة المبرِّح منه، في حل خلافاتهم الزوجية.
التخطيط للضرب:
وهنا سؤال يطرح نفسه: هل يعقل أن يخطط الرجل لاستخدام الضرب ضد زوجته قبل الزواج أو عند احتدام الخلاف بينهما؟
وللإجابة عليه نقول: إن أغلب الدراسات تؤكد أن الرجل الذي يستخدم الضرب، والمرأة التي تستسلم لعملية العنف ضدها من زوجها، فإنهما قد عايشا علاقة أسرية في محيط أسرتيهما، كان الضرب هو لغة الحوار بين الأبوين - على سبيل المثال - أو بين أحدهما وأحد أفراد الأسرة، ومن هنا نقول: إن عملية التنشئة تلعب الدور الأكبر في حدوث العنف الأسري.

أم عبد الرحمن محمد يوسف
العلاقة الزوجية يميزها أنها علاقة شديدة القرب (معنويًا وحسيًا) شديدة الخصوصية، إضافة إلى كونها علاقة مستديمة وعلاقة حتمية، وهذه الخصائص في العلاقة الزوجية يفترض أن تؤدى إلى نتائج إيجابية، وهى فعلًا كذلك في حالة نجاحها وتحقيقها لمعانى السكن والمودة والرحمة التى وردت في توصيف أركان هذه العلاقة في القرآن الكريم {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]، أما إذا خرجت العلاقة عن هذا الإطار فإن كل الخصائص السابقة يمكن أن تتحول إلى مشكلات تتراكم عبر الزمن حتى تصبح مزمنة أو مستعصية، وقد تؤدى في قمة متصل التراكم إلى أن يقتل أحد الطرفين الآخر وبصورة بشعة.
علاقة شديدة القرب:
فمثلًا كونها علاقة شديدة القرب يعطي فرصة للاحتواء والذوبان الجميل كما يعطى فرصة على الناحية الأخرى للاحتكاكات والتربصات والعلاقات المؤلمة جسديًا ونفسيًا.
ولا يعني الذوبان هنا أن يذوب كل منهما في شخصية الآخر لأن هذا إلغاء للشخصية وتحطيمًا للثقة بالنفس وإلغاء للآخر.. ولكن المطلوب الاستقلالية وتحمل المسئولية واتخاذ القرار) [سنة أولى زواج، هيام محمد يوسف، ص 28].

JoomShaper