محمد عبد الرازق
إذا كان الواقع الذي يعيشه أطفال سورية مُؤلمًا، فإنّ المخاطر التي تترقبهم أشدّ إيلامًا، و علينا أن نفكر فيهم قبل غيرهم؛ و ذلك لسببين اثنين:
ـ الأول: أنهم الأكثر تضررًا على مستوى اللحظة الراهنة بسبب تعرضهم للقتل، واليتم، والتجنيد، والعمل في سن مبكرة بسبب صعوبة الظروف المعيشية للأهل، وفقدانهم لحقهم في التعليم والرعاية الصحية الأولية.
ـ الثاني: أن مستقبل سورية سيكون في مهب الريح؛ لأنهم هم من سيلقى عليهم مهمةإعادة البناء، و الإعمار بعد انتهاء الأزمة.
قد نلتفت في اللحظة الراهنة إلى عظم المأساة التي يلاقيها عموم المجتمع، ممثلة في تزايد أعداد القتلى، والنقص الكبير في المأوى والمأكل، و لكن علينا أن نلتفت إلى مستقبل ملايين الأطفال الذين حرموا لأعوام من الذهاب للمدارس، وتعرض عشرات الآلاف منهم للإصابات الجسدية والنفسية البليغة.
و هذا هو الخطر الحقيقي الذي يحدق بمستقبل سورية، و هوأشد، وأنكى على المستوى البعيد المدى من المخاطر الأخرى التي نعايشها في كل صباح.

جمانة حداد
تخبرنا الروزنامة أن الثورة السورية دخلت منذ يومين عامها الرابع.
تخبرنا اليونيسيف، من جهتها، أن عشرة آلاف طفل قد قُتلوا في سوريا خلال الأعوام الثلاثة الفائتة. هذا من دون أن نحسب حساب اولئك الذين لا يزالون "رسمياً" على قيد الحياة، لكنهم موزّعون بين مشرّدين وجائعات، بين مقاتلين ويتيمات، بين مجبرين على العمل في الشارع ومجبرات على الزواج بعمر الورد.
عشرة آلاف طفل اختفوا، هكذا. ما عادوا في الوجود. أصبحوا رقماً فحسب. تخيلوا معي مساحة ملأى بعشرة آلاف طفل، يضحكون ويلعبون ويحلمون، ثم تخيلوا أن الأرض تنشقّ وتبتلعهم فجأة. عشرة آلاف طفل لم يقعوا في مياه المحيط مثلما حصل مع ركاب الطائرة الماليزية، ولم يتعرضوا لـكارثة طبيعية غير متوقعة، أو لحادث مشؤوم: لقد قُتِل هؤلاء على أيدي مَن يفترض بهم حمايتهم.
في أحد الأيام، لن يبقى في سوريا سوى القتلة، وأشباح جرائمهم.

الأمم المتحدة - فرانس برس
أكد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أن هناك أكثر من مليونين ومئتي ألف طفل سوري لا يتلقون التعليم، وأن هناك مدرسة من أصل خمس مدارس أصيبت بأضرار بسبب المعارك.
وأضاف خلال نقاش في مجلس الأمن حول مصير الأطفال في النزاعات المسلحة، أن نحو 40% من المستشفيات العامة في سوريا لم تعد تعمل، وأن هناك مدرسة من أصل خمس مدارس أصيبت بأضرار، أو يقيم فيها أشخاص أجبروا على ترك منازلهم بسبب المعارك.
من جهتها، أكدت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المكلفة بهذا الملف، ليلى زروقي أمام المجلس، أن "الأطفال لا يزالون يقتلون في سوريا بشكل واسع"، موضحة أنهم يجندون من قبل أطراف النزاع. وأضافت "لا يمكننا أن نسمح بخسارة جيل كامل في سوريا".

د. محمود نديم نحاس
مهما توسعت كتب التاريخ فلن تتحدث إلا عن الأحداث الكبرى، ولن تذكر دقائق كثير من الأمور. لكن من فوائد الإنترنت أنها أتاحت لكل واحد أن يكتب ما عنده من معلومات، فلربما يأتي بعض الباحثين لاحقاً وينبش عن الدقائق والتفاصيل. إنما الكم الهائل من المعلومات في الإنترنت يجعل عملية الوصول إلى كل شيء ضرباً من المستحيل.
من التاريخ الذي لن يُكتب تاريخ الأفراد الذين لم يحتلوا مناصب عالية. لكنهم احتلوا مكانة مرموقة بين أهلهم وذويهم ومحيطهم. ولاشك أن كل قبيلة وكل عشيرة وكل أسرة تحتفظ بتاريخ رجالها، إن لم يكن على الورق ففي الصدور.
كتب صديق ينعي عمته السورية التي وافاها الأجل عن ثلاثة وتسعين عاماً. وأضاف بأنها اضطرت للهجرة من بلدها هرباً من البراميل المتفجرة التي يتم إسقاطها من الطائرات فتهدم البيوت وتقتل البشر! فماتت غريبة عن وطنها. وحتى هذه اللحظة ليس في رسالته شيء خاص، فهذا حال الملايين من المهجرين والمشردين السوريين! لكنه أضاف بأن عمته هذه سبق أن اعتُقلت يوم كانت في الستين من عمرها، وخضعت لتعذيب شديد. نعم تعذيب شديد لامرأة في الستين! إلى أن نفر الدم من قدميها، وكُسر أنفها تحت التعذيب. وكل ذلك لانتزاع اعترافات يريدها المحقق، وزاد في تعذيبها لأنها لم توافق على الاتهامات الموجهة ضدها، فخرجت غير مُدانة!

سناء علي
«جود مختارة الحيّ» تقول أمل وهي تنظر إلى طفلتها، ابنة الأربع سنوات، وهي تركض أمامها بمرح. تبوح بشيء من الحسرة «لم يتبق لنا أي متنفس سوى الخروج إلى الشوارع، والتنزه قليلاً في السوق بعد أن تركنا بيتنا في قدسيا، بعد أحداث الصيف الماضي هناك، فأصبح كل من في الحي هنا (تقصد المنطقة التي تقطنها خلف شارع البرامكة) يعرف جود ويحبها. ينتظرونها كل صباح ويقدمون لها الحلوى».
تعاني جود، حالة رهاب شديدة تجاه الأصوات العالية لم تكن موجودة سابقاً، فما إن تسمع صوتاً عالياً حتى تبدأ بالبكاء بشكل هستيري، وتدخل في نوبة ذعر لا تزول بسهولة.
وتحدثني أمل أيضاً عن طفلة صديقتها النازحة من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين قرب دمشق قبل عام تقريباً، موضحة أنها تعاني حالة تبول لاإرادي أثناء نومها، بالرغم من تجاوزها الخمس سنوات، وهذه الحالة يسببها الانتقال من بلد إلى آخر أو الهجرة، وهو من العوامل المولدة للقلق والخوف من المجهول والبعد عن كل ما اعتاد عليه الطفل في محيطه، فيعبر الطفل عن شعوره هذا بالتبول أثناء الليل.

JoomShaper