طارق الحبيب
إن مواقف الحياة بما فيها الضغوط والصدمات الانفعالية وحالات الإحباط ونوبات الغضب هي جزء لا يمكن تجاهله في خبرات أي فرد مهما كان منظماً وناضجاً في إدراكه.
ويلجأ الجميع على اختلاف ثقافتهم وكفاءتهم للبحث عن أساليب وحلول ورود أفعال متنوعة ومختلفة للتخفيف من حدة الضغط النفسي الذي يعتريهم نتيجة المواقف الصعبة.
والحقيقة أن المواقف الصعبة ضغطاً كانت أو حوادث تمثل أزمة في مفهوم الإنسان تؤثر على تفاعله وعلى استمراره في الحياة بالصورة المتوقعة التي ارتسمها وارتضاها لذاته.
وهو بذلك قد يلجأ لأساليب قد لا تخدم المواقف ولكنها تحقق له شيئا بسيطاً من التكيف النسبي الذي يخفف من قلقه وشعوره العارم باليأس والفشل.
وبالرغم من أن الذين يتمتعون بحالة نفسية جيدة يدركون تماماً أن الحلول الإيجابية لا يمكن أن تكون مؤقتة وسطحية إلا أنهم قد يشتركون مع غيرهم في محالة تبرئة ذواتهم من التسبب في وقوع المشاكل مهما كان نوعها أو حجمها.

فاطمة عبد الرءوف
كانت أشعة الشمس الذهبية ترسل أولى خيوطها الجميلة في ذلك اليوم الصيفي اللطيف.. كانت الخيوط الذهبية تتناثر على أشجار المانجو والليمون المحيطة بشرفتهم الصغيرة، كنت واقفة أنا الأخرى في شرفتي أردد أذكار الصباح وأنا أتابع ضوء الشمس وهو يظهر في الأفق وتلك الأشجار وقد أرسلت عطرًا فواحًا نقيًا..
كانت الطيور هي الأخرى تقفز مغتبطة بذلك الصباح الجميل بعيدا عن ضجيج المدينة وصخبها.. كانت هذه هي المرة الاولى التي أتعرف عليهن فلقد شاهدتهن من الشرفة المفتوحة يرتبن غرفتهن بإبداع كانت السعادة بادية على الوجوه وكان التناغم يسود العمل ..هذه تكنس الأرضية وهذه تلمع الأثاث وهذه ترتب الألعاب وتلك تحمل الصغيرة حتى لا تعطل العمل كنت أشعر أنهن أصغر فريق عمل ينافس خلية النحل ..الكبرى في حدود أربعة عشر عاما بينما تجاوزت الصغرى السنتين بقليل.
أخذت أتابع حركاتهن الرشيقة الدءوبة والتي انتهت بوضع منضدة صغيرة داخل الشرفة وقد زينّها بمفرش رقيق ووضعوا عليها مزهرية وأحاطوا المنضدة بكراسيهم الصغيرة وما لبثت أن أحضرت الكبري بعض العصائر.

منيرة السيف
السرّ من السريرة وهي ما يكـنّهُ الإنسانُ في نفسهِ، ويقالُ: صدور الأحرار قبور الأسرار.
ويقالُ سارهُ أي كـلّمهُ بسرٍّ أو كلمةٍ  في أذنهِ ، وأسرّ إليهِ بالمودةِ أي أفضى بها إليهِ , و تسارَ القومُ أي تناجوا وأطلع بعضهم بعضا على سرّ، واستسرّ أي أستتر و توارى عن نظرهِ .
والسريرةُ من السرائر وهي ما يُسِرّهُ الإنسانُ من أمرِ نيّته، فيقال هو طيّبُ السريرة أي سليم القلب صافي النية.[1]
هذه المعاني المتتالية عن السرِّ ليست سوى بعض إلماحاتٍ عن روعة ما تكنّهُ صدورنا، وأهميّته في آن وفي ذات الوقت نجهلُ خصوصيّتهُ ونفرّطُ ونحنُ عالمون بذلك.
لا تفتأ المؤتمنةُ على بيتها تجودُ جود الكريم بما يدور في أعطافِ من هي في كنفهِ، ومن ائتمنها على بيته، حتّى لا تذر شاردةً ولا واردةً إلا وأفضت بها دونما سببٍ وجيه، أو حالة مستوجبةٍ لذلك!.
وبلا حدٍّ تعرفُ عـندهُُ أين تقف،  وأين كون الحديث،  ومع من ؟ تجلي الخاص والعام عند الخاص والعام من الناس وبدون حكمةٍ أو لحظةِ تفكيرٍ في سبب الحديث ومكانة المُتحدَث له !.
وتكتملُ المصيبة عندما لا يقدّر السامع ثِـقَـل ما يسمع من أسرار فيتنقل ناشرا مخفيا نيّته التي يرشدها الخواء العقليّ والروحيّ.
إنّ غياب الرقيب، وحريّة الانطلاق في كلّ اتجاه، صاغـت من شخصيّات بعضنا (شخص اللا حدّ) فله أن يقول ما يشاء ويفعل ما يشاء، حتّى وإن تجاوز حدّ غيره! مادام ذاك الفعل يشبع رغبته مغيبا رقيب الذات.

أ. د. نورالدين عتر*  
يحس الفرد الإنساني بالوحشة إذا ما وجد نفسه وحيداً، وألفى شخصه فريداً، ويتضح هذا الشعور ويبرز بجلاء لدى الصغار ذكوراً وإناثاً، ثمّ لا يلبث أن يمارس الإنسان الحياة وينمو مع جسمه بمرور الزمن عقله، وتنضج عواطفه، وإذا به يبرز لديه ذلك الإحساس العجيب الذي يراوده، الإحساس بالفقد، الشعور بنقص في الكيان وشطر الذات، يثير فيه الحنين إلى الجنس الآخر، والميل نحوه. يثير فيه الشوق لمن يشاركه أفراحه، ويؤنس وحدته ويشجعه على تذليل العقبات.
إنّ الحاجة إلى الزواج ليست حاجة لمجرد قضاء النهمة الغريزية، وليست إرواء للغلمة الجنسية في الشباب فتياناً أو فتيات، ولكنها في الواقع حاجة نفسية عاطفية، تنضج في الإنسان كلما كان سوي التكوين، سليم الطبع والسجية. بل إنّ الحاجة إلى الزواج ضرورة حتمية لتحقيق المعنى الإنساني الذي يكون به المرء إنساناً.
وما الإنسان؟
الإنسان كائن حي مدني بالطبع.
وما المدنية؟
إنّها النظام الذي يربط أبناء الأُمّة، ويوجه جهود الأفراد وعواطفهم وميولهم لهدف موحد يسعون إلى تحقيقه، من عزة وكرامة، وإقامة العدل، وإحقاق الحق، وإعزاز الخير.
المدنية إذن مسؤوليات يتحملها كل فرد من الأفراد تجاه نفسه، وتجاه أمته، بل تجاه الإنسانية جمعاء.
والزواج أساس بنيان المدنية، إنّه رباط عظيم الأثر في تقريب الأسر، وربط الجماعات برباط المودة، وآصرة الألفة، ثمّ هو قوي الفاعلية في توحيد الإتجاهات، وتعاون الأفراد والجماعات، يتعاون الزوج مع زوجته، ويتعاون الزوج مع أحمائه، ويعاونونه هم ويسعون لخيره، كما تتعاون أسرة الزوج مع أسرة الزوجة، وتسعى كل واحدة لخير الأخرى ونفعها، وتمتد العلاقات وتتشعب أرجاء الأمة والمجتمع، كما نوه القرآن إلى ذلك بهذه الآية الجامعة: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) (الفرقان/ 54).

د. صفوت سلامة
الناس أنواع؛ فمنهم من يجتهد ـ بحكم مسؤوليته عن أسرة ـ كي يوفر سبل الحياة الكريمة لمن يعول، ومنهم من لا يبالى إلا بذاته، ويغرقها في اللذات، وآخرين لا تهنأ لهم حياة إلا بإحالة حياة الآخرين إلى جحيم لا يطاق.
أما أفضلهم فهم هؤلاء الذين يعملون من أجل ما يؤمنون، من أجل مبادئ سامية وقيم عليا؛ فهم كالأنبياء، لا يرجون من أحد جزاء ولا شكورا، ولكنهم يسعون لنشر تلك القيم التي عمادها الحب والخير والجمال بين جميع البشر، بلا تفريق ولا تمييز، هدفهم الارتقاء بالبشر، كل البشر، ونظرتهم الشمولية تتعدى الأنا والأنت وهم ونحن؛ لتصل إلى الكل.
وعندهم قناعة أساسية أن كل مافوق التراب تراب، وكل المتع منتهية، وجميع المكتسبات الدنيوية زائلة، وهذا دافعهم إلى محاولة جذب أكبر عدد ممكن إلى جوارهم؛ من ثم يتزايد أعداد من يفهمون الحقيقة، ويؤثرون فيمن حولهم، ومع الوقت تضمحل السيئات، وتتضاعف الإيجابيات؛ فيتغير وجه البشرية، إلى أفضل ما حلم به أبناء آدم.

JoomShaper